لو كنت من الجهات المسؤولة لطلبت من المتخصصين في تحليل المعلومات وتفنيد محتوى الحديث الشعبى وقياس التوجهات في الشارع عمل تقرير يومى عما يدور في منصات الـ«سوشيال ميديا» المصرية. وأقصد بـ«المصرية» تدوينات وتغريدات وتعليقات المصريين العاديين على الأحداث والمجريات اليومية. وبعيدًا عن هواة الصيد في المياه العكرة ومتخصصى الرقص في المصائب والافتئات على الكوارث، فإن أحاديثنا وأفكارنا ومخاوفنا وآمالنا كمواطنين مصريين عاديين مهمومين بالحياة اليومية وتفاصيلها بالغة الأهمية. وبالإضافة إلى أهميتها، هي جديرة بالاهتمام، وذلك حتى يخرج الخطاب الرسمى ومعه الإعلامى مناسبًا وملبيًا لحاجة المواطنين.
أغلب المصريين يبحث عن معلومات ومؤشرات تساعده على اتخاذ القرارات الخاصة بالأسرة والاستعداد قدر الإمكان لما هو قادم. دعنا من هبد الهابدين ورزع الرازعين، حيث الإفتاءات الاقتصادية والآراء المُعاد تدويرها ملايين المرات حول الحلول المناسبة للدولار تارة وأسعار السلع تارة أخرى، فهذه «لا تودى ولا تجيب»، وإن كانت في الحقيقة «تجيب» مشاكل ناجمة عن فساد المعلومة أو كذب الخبر أو فبركته.
لذلك نعود إلى الاحتياجات المعلوماتية والمعرفية للمواطن العادى الطيب، في مقابل المواطن الشرير الذي يعتقد أن مهمته النبش عن الخراب والتنقيب عن الدمار ليصنع لنفسه قاعدة مشاهدة أو متابعة أو شعبية على الـ«سوشيال ميديا».
وهنا تجدر الإشارة كذلك إلى التحول غير المحمود لعدد من الزملاء من مقدمى برامج الـ«توك شو» من خانة المذيع أو المحاور أو حتى الحَكّاء إلى خانة المحلل الاقتصادى والمنجم المالى وخبير الذهب والأرز والجبنة الرومى. هذا التحول يفتح أبوابًا نحن في غنى عنها، حيث تكهنات بأن هؤلاء مكلفون لإبلاغ المتابعين برسائل أو أنهم موكلون لتجهيزنا لما هو قادم. هذه التكهنات تضر أكثر مما تنفع. وسواء كان المذيع يلعب الأدوار المشار إليها أعلاه تبرعًا منه أو ظنًّا منه أنه بذلك يفيد الناس أو يسد رمقهم للمعلومات أو حتى لأنه يسعى إلى هامش أكبر من المتابعة أو «شاهد قبل الحذف»، فإن الآثار المباشرة وغير المباشرة لما يفعل وخيمة.
علينا أن نعترف أن قاعدة عريضة من المصريين من مختلف الطبقات والفئات حاليًا على درجة محترمة من الوعى والإدراك والإلمام بما يجرى في أرجاء العالم من أزمة يتشابك فيها الاقتصاد بالسلع الغذائية بالوقود. وهذا الإدراك يسهل مهمة التوعية والإمداد بالمعلومات والتزويد بالتوقعات المبنية على أسس علمية، أي على بينة من الأوضاع الحالية ومعرفة اقتصادية وسياسية واجتماعية تتيح لـ«المتنبئ» توقع المستقبل القريب.
المستقبل القريب يظل في علم الغيب. لكن علم الغيب لا يمنع أبدًا من معرفة الحاضر للتحضر له. وعلى غرار «اتحضر للأخضر»، هذه المبادرة البيئية الرائعة التي تم إطلاقها في مصرنا العزيزة، فلنطلق مبادرة شبيهة، ولكن للتحضر، لا لأخضر الدولار ولكن لأخضر الغد القريب.
المصريون- سواء اليوم أو الأمس أو في الغد- شعب حَمُول، وتزداد قدراته على التحمل ما إن يرى ضوءًا معلوماتيًّا في نهاية النفق.
أخبار متعلقة :