من هواياتي القديمة ممارسة لعبة كرة القدم،و مشاهدة مبارياتها ، ثم مناقشة ما تم مشاهدته بالتحليل الممل الذي يتخلله الجدل الشديد والتعصب لوجهات النظر، ولكني اهملت الكرة وشأنها، في الفترة الأخيرة لعبا ، أو بمعنى أصح أنا أجبرت على تركها قسرا عني، بعد أن انتزعتني هواية الكتابة ومن قبلها القراءة خالصا لهما ،من دون كل ما مارسته قبل ذلك من أشياء كانت محببة لنفسي، فلم تعد تشارك القراءة والكتابة في نفسي وعقلي أي هواية أخرى إلا إذا اعتبرنا تناول القهوة بكميات كبيرة هواية .
ولكني عدت مرة أخرى لمتابعة كرة القدم وخاصة الدوري الانجليزي، ولم أكن أتوقع هذه العودة ، ولذلك سبب وإذا عرف السبب كما يقولون بطل العجب. أحد الأسباب واقواها انضمام محمد صلاح لليفربول فهو تاريخ عودتي ليس للمشاهدة فقط، ولكني أصبحت مشجعا لفريق ليفربول دون تخطيط مني، وحكمة الله أنني كنت اكره الانجليز لسبب احتلاهم مصر، واشتراكهم في العدوان الثلاثي عليها ، وأعتقد أن هذا سبباً كافياً لبعض الانجليز حتى آخر الدهر ، أثناء متابعتي لمحمد صلاح داخل المستطيل الاخضر وجدته يؤدي ويمارس اللعبة بطريقة غير تقليدية فهو يتحرك في مساحة لا تتعدى المتر الواحد، يراوغ فيها ،ويقف على كرته بثقة،بعد أن يستقبلها وكأنها تلتصق بقدمه، ثم يمرر لزملائه وكأنه يتحرك في مساحة نصف فدان، صانعا لهم فرصا يحرزون من هذه الفرص أهدافا ترفع أسهم فريقه ليفربول، و تعزز حظوظه في الفوز، وتهوى بالمنافس محطمة لمعنوياته وتلحق به الهزيمة، هذه الكرة الذي صنع منها صلاح الفرصة كانت لعبة شبه ميتة وهذا هو الفرق بينه وبين مروان محسن ،أما أهداف محمد صلاح التي يقوم باحرازها فهي تتمع ببصمة تحمل توقيعه..
وهناك سبب آخر وهو ارتفاع مستوى الدوري الانجليزي ففرقه تقدم اجمل أداء في فنون اللعبة فداخل المستطيل الأخضر تكتيك على أعلى مستوى من الناحية النظرية، أما من حيث التطبيق فالاولاد اللعيبة الانجليز والمحترفين بكل فرق الدوري الانجليزي من شتى أرجاء المعمورة أشبه بالشياطين، فالانتشار داخل المستطيل الأخضر وأخذ المراكز يتم في لمح البصر، أما حسن التصرف في الكرة وأخذ القرارات بسرعة فحدث عن ذلك ولا حرج، تستطع أن نقول أن عقل اللاعب من هؤلاء وقدمه متفقان سويا على التنفيذ في نفس اللحظة في انسجام تام بينهما، ينتقل بالكرة أحيانا ستة من اللاعبين أو سبعة من فريق واحد ،وكأنهم في نزهة ،تتخلل رحلتهم هذه عدة باصات قصيرة فيما بينهم، حتى يصلوا بها خط الستة ياردة للفريق الخصم في مهارة يحسدون عليها وكأنهم في نزهة، وجميع الستة أو السبعة نفر يستطيع أي لاعب منهم إحراز الهدف ببراعة ولا شك، أو حتى يدخل بها أي منهم شباك الفريق الخصم .
أما مدينة ليفربول نفسها التي يتحدث عنها المصريون وكأنها جزء من مصر مثل السنبلاوين أو بنها أو دمياط وكأنها على مرمى البصر ، وليست على خريطة أوربا، ولهذا سبب، فمحمد صلاح لم يوقع لفريق ليفربول منفرداً ،فقد وقعت أيضاً معه جماهير الكرة المصرية والعربية والإسلامية أو أغلبها عقد التشجيع والانتماء لليفربول معنويا في إتفاق حضاري شبه صامت، وضم المدينة معنوياً لهذه الجماهير نفسياً، فبعد أن استعمرتنا إنجلترا في الماضي ونهبتنا وحولتنا لحقل يزرع قطن فكان الرد من صلاح انتزاع اعجاب جماهير ليفربول حضارياً رياضيا فقربت الرياضة بين الشعوب، ما فرقته السياسة سابقآ، فقد دمج وقرب محمد صلاح بين جماهير مصرية و أخرى عربية ،وببن جماهير ليفربول الإنجليزية و وحدت الكرة بين نفوس الجماهير من الطرفين المختلفين عقيدة وثقافة شيئاً مشتركا يجمع بينهما ونقاط تماس نتفق عليها مع الإنجليز أعداء الأمس سويا ،ونجحت القوة الناعمة التي تمثل كرة القدم إحدى هذه القوى في تحقيق ما فشلت فيه قوة الاستعمار التي تجبر الشعوب بالترغيب تارة والترغيب تارة أخرى على تبني وجهة نظرها فتفشل وتنجح الكرة أحد طقوس القوة الناعمة .
آخر مباراة شاهدتها أول أمس بين ليفربول ومان شيستر سيتي تلبية لدعوة من أحد الأصدقاء ، والتي انتهت بفوز ليفربول هدف دون مقابل أحرزه محمد صلاح بطريقة جمالية ساحرة ممتعة، ولكن هناك ما اغضبني أثناء مشاهدة المباراة وكاد أن يخرجني عن شعوري ، وهو أداء مهاجم يلعب في صفوف ليفربول يربط شعره ديل حصان سألت من بجواري ولكني نسيته، أما دولته قال: بأنه من اوروجواي ,ومن المفروض بأنه يعلب مهاجما فوظيفته الأساسية أن يحرز أهدافا بالطبع ،ولكنه على العكس من ذلك تماما ،فهو يمارس شيىا آخر وهو إهدار الفرص الواحدة تلو الأخرى ولكن بطريقة غير تقليدية في الإطاحة بها، فهو بطئ كسلحفاة بارد مثل شخص أعرفه، يتأخر بأخذ القرار حتى يعود دفاع الفريق الخصم, ويتمترس أمامه فلا يجد هذا المهاجم الذي يربط شعره ديل حصان إلا أن يسقط أرضا مدعيا الإعاقة، دون أن يقترب منه أحد من المدافعين ،ومرة أخرى يطيح بالكرة بغرابة شديدة فوق العارضة بمسافات قريبة من السحاب ، ومرة أخرى يعطيها هو لحارس مرمى الفريق الخصم في يده وكأنه يدربه.
أعتقد أنه لو كان يتدرب على إهدار الفرص لم يحقق هذه النسبة الكبيرة من النجاح في فن إهدار الفرص التي يصنعها له صلاح لتصل نسبة النجاح في إهدار والإطاحة بها نسبة مائة في المائة, ذكرني هذا اللاعب الذي هو من اوروجواي الذي يربط شعره ديل حصان، والذي لا احفظ اسمه بمهاجم قديم لنادي الزمالك اسمه "نصر إبراهيم" ولاعب آخر أو مهاجم للنادي الأهلي حديث نسبيا اسمه مروان محسن أعتقد أن وجود هذا اللاعب في فريق ليفربول خطأ أحسب أن مكانه الصحيح فريق السكة الحديد.
أخبار متعلقة :