ان السياسة في ابجدياتها هي فن الممكن ، والسياسي بدوره هو واحد في هذا الممكن ، بمعنى اخر هو لا يصنع المعجزة ولا يخرق واقعا يتجاوز هذا الممكن أو بالأخذ به ، اذ أن التجاوز لهذا الإمكان يؤدي حتما إلى السقوط في الظاهرة الفرعونية ، وما يتم عندنا اليوم يكاد يمثل بأمانة هذا الإشكالية ، فأحزاب الإتلاف ظاهرة غريبة عن السياسة اذ لا تشكل شيئا فيما يمسى بصناعة القرار السياسي ولا تستشار حتى في اختيار وزرائها كما تهمش أحيانا لمنا ضليها وتقوله ذلك جهارا لبعض معاتبيها وبالتالي فهى ليست أحزابا بل يمكن القول بأنها مجرد صناديق مثقوبة من الأسفل على حد تعبير(سولينجنستين )
إن التفاهم المتبادل بين السلطة والمعارضة تفاهم واه ولا يمكن بالتالي تقبله، فالكل يكمل حريق الواقع ، والكل مدان للأخر إلى ان يثبت التاريخ ظل أحدهما وتواطؤ الأخر مع هذا الخطأ..يتعين أن لا أحد منهما يستطيع أن يتبرأ من الدم الذي سال يوميا ما ومن أناس أرهقتهم الأيام بأوزارها ما داموا مسئولين وبأيديهم أمكانية فك خيوط اللغز وحصر المأساة ضمن صانعيها بلا خوف ولا توصيف مسبق لها ... إن هذه المأساة هي وشم دام على وجه الذاكرة التاريخية لنا جميعا ولا يمكن لهذا الوشم أن يزول أو يمحى بخطب أو بيانات لا وقع لها في القلب او في التاريخ ، ولكنه يزول تلقائيا إذا تخلصنا فعلا من حنين الاعتداد بالموقف الفردي والحنين المطلق بالموت ضمن دائرة الوجدان الجماعي والاتجاه القوي صوب ضمير الأغلبية التي تقرر ما تراه لها وما عليها وتختار الرماد الذي تحترق به من أجل البقاء...
إن الطحين الايديولوجي لغة كان ، او ثقافة ، او سياسة ، لا يمكن ان يجد طريقه - مهما كانت القوة التي تقف وراءه إلى وجدان الأمة وضميرها هكذا دون تأن او تساؤل .. هذه بديهية يعلمنا إياها تاريخ السياسية وقواعد علم الاجتماع بعد القران الكريم.. ثم إن الطحين التغريبي صنع الكثير من الوجود السياسية والإعلامية والثقافية وعمدت هذه الوجوه منذ الاستقلال إلى اليوم على تمرير خياراتها بالتعاون مع اطرف خارجية غير أن توغلها في مراكز صنع القرار جعلها تحول البلاد إلى ما يشبه الرماد ولازالت تسخر للبقاء ضمن مراكز النفوذ ترسانة الحقد والكراهية لكل ما هو أصيل ووطني فضلا عن كل ما هو إسلامي - لكن ومع الأخطاء التي وقعت - وهي تتعامل مع الأزمة لم تعد حتى أوراق الغش التي استعملتها لعقود من الزمن تستر ماضيها وتخفف من أوارها .. إن مرارة الواقع ليست دائما من مرارة التاريخ ولكن تبقى حاصلا لواقع فرضته أطراف هي في الوا قع من ضمن ثقافة الآخر ونعني بذلك ثقافة الاستعمار.. إن التغيير الحاصل باتجاه التغريب قد يؤدي بدوره إلى تقييد الأزمة إن لم يصنع أزمة أخرى تأتي ببدائل أخرى من الفوضى ومن التواري إلى حيث العمق الجاهلي ، إن إسقطبت عناصر التزوير بدل استقطاب عناصر الحل الشامل للأزمة ، وقد يبدو ذلك من أساسيات الفكر الإستئصالي.. ومادام هذا المنطق هو الذي يحرك السياسية لدى جماعة التوجه الحداثي بالمفهوم اللائكي فإن الاستقرار السياسي ذاته يبدو ضربا من الخيال
ان عمليات الهدم للمؤسسات الدستورية تحت غطاء أن صانعيها أقاموها على أسس ذاتية وتخدم طائفة على حساب طوائف أخرى هي عملية قائمة على الممارسة السياسية المطبوعة بطابع التخمين وربما هو هذا حد استمرار الأزمة على المستوى الفوقي.. مند الاستقلال إلى الآن تتعاقب الحكومات وتتعاقب معها المؤسسات وهذا التعاقب الثنائي هو المحصلة النهائية لأي فوضى تمس جذور المجتمع اذا ظل مستمرا.
اعتقد أن الإخلاص للموقف لا يتم بالضرورة الرفض للمواقف الأخرى خاصة اذا كانت تعبر عن مواقف استقرار مع الزمن في ضمير الامة ، من جهة اخرى فان العمل المؤسساتي هو الأضمن لأي عمل سياسي بل ان العصمة من الانزلاق تجاه الفرعونية لن تتأتي إلا من خلال الاستناد إلى الفكر المؤسساتي، إن الديمقراطية ذاتها ممارسة مؤسساتية ولذلك يبدو الغرب أكثر منا استقرارا واحتراما للقوانين ، وبالانقلاب على ما هو داخل الذات والاتجاه صوب الشد التاريخي للإحداث الايجابية يمكننا الفصل في الكثير من القضايا المطروحة اليوم على واقعنا ويجاد البدائل الممكنة التحقيق والدافعة نحو التمكين دون اصطدام بفكر الاقلية المتغطرسة و اللاعبة بالمكشوف على اوراق الازمة.
أخبار متعلقة :