حياتي كانت مليئةً بالكفاحِ الاجتماعيِّ والثقافيِّ والفلسفي ..
عشتُ في كنَفِ أبٍ مكافح، وأمٍّ مثابرة، وأخوةٍ متحابِّين يحترم فيهم الصغيرُ الكبيرَ ..
منذُ الصغَر حاولتُ الاعتمادَ علىٰ نفسب، نزلتُ لسوقِ العملِ مبكراً من عُمري؛ حرصًا منِّي على دورٍ اجتماعيٍّ مميز، وهُويةٍ تسمح لي بالمشاركةِ والوقوفِ بجانب أبي يدًا بيد ..
إذَن فحياتي حافلةٌ بالأدبِ الكفاحيِّ الذي ينأىٰ عن البُرجِ العاجيِّ الذي يدَّعيه البعضُ في محاولةٍ يائسةٍ لتغييرِ واقعٍ اجتماعيٍّ يُخفيه البعضُ لأسبابٍ لا تخفىٰ عليكم ..
- كبُرتُ وكبُرَتْ أحلامي معى، ثم صرتُ أفكرُ في الحب، وأخشاه أيضًا خوفًا وقلقًا من مجهولٍ لا أعرفه ولا أتمناه..
لذا كان زواجي تقليديًا لم أبحثْ فيه عن الحبِّ بقدر بحثي عن الاستقرار؛ علَّ القدَرَ يأتي به يومًا فاتحًا ذراعيه لرجلٍ طال انتظارُه بحثًا عن ذلك الغائب !!
كنتُ أعلمُ أن كثيرًا من الناسِ ما كانوا ليعرفوا الحبَّ لولا أنهم قرأوا أو سمعوا عن قصصه، ومعنىٰ هذا :
- أن الحبَّ ( يتكيَّف) بثقافتِنا ومدخلاتِنا، وأن لكل منا طريقةً في معالجته أو معاناته هي ثمرةٌ للثقافة التي حصلنا عليها من بيئتنا الاجتماعية ومن آدابِنا الموروثة، ولذلك يجب أن نجزمَ بأن هناك فرقًا عظيمًا بين الشابِّ الذي لم يقرأ عن قصصِ الحبِّ سوىٰ ما جاء في كتاب ألف ليلة وليلة، وشابٍّ آخر عاش تجربةً حقيقية، فإن ما يستنبطه أحدُهما من معاني الحب ولذَّاته يختلف اختلافًا جوهريًا عما يستنبطه الآخَر، ولكلٍّ منهما أسلوبُه في الحب تبعًا لهذا الاختلاف ..
وحين دقَّ بابي الغائبُ الحاضرُ -كانت تصغُرني بسنواتٍ لكنها كانت ناضجةً كفاكهةِ الصباحِ شامخةً كالأرز، مثمرةً كنخيلِ العراق، فواحةً كياسمينِ دمشق، ناعمةً كوردِ مصر، رقيقةً كأنداءِ الفجر، محلِّقةً كالفراشة، متقلبةَ المِزاجِ كالموج، عميقةً كالبحر، ساحرةً كعروسِه، ياقوتةٌ ناصعةُ الجمالِ والبهاء ..
أحببتُها عن بُعد، فرَّقتْ بيننا الأيامُ لكنني لم أنسَ يومًا هذا الحب، فلا زالت تتسلَّلُ لأوراقي كلما حاولتُ الكتابة ..
ومثلُ هذا الحبِّ العُذريِّ الذي لا يعرف لقاءً جديرٌ بأن يَحتدِمَ ويدومَ احتدامُه، وبقي هذا الحبُّ لأستمتعَ به رغم البِعادِ ومُعاناةِ لذةِ الفراق الأليمة !!
يحضُرني قول الشاعر:
وأشدُّ ما لاقَيْتُ من ألَمِ الجوى
قربُ الحبيبِ وما اليه وصولُ
كالعِيسِ في البيداءِ يقتلُها الظمىٰ
والماءُ فوق ظهورِها محمولُ
لم يكن إعجابي بأنوثة حبيبتي الطاغية سببًا في أن أغفلَ هذا الحبَّ الغاشمَ، وهذه الشخصيةَ المغامرة المقامرة التي ضحَّت بكل شيءٍ من أجل الحب حتى بالحبيبِ نفسِه!!
شخصيتها المتلألئة علىٰ مسرحِ الحياة كانت السببَ الأهمَّ في فُقدانِ هذا الحبِّ للماءِ والهواءِ بل للحياةِ والوجود !!
لا أنكرُ أن إعحابي بالكاريزما والشخصية كان أهم أسباب هذا الحبِّ رغم السنوات العِجاف !!
-ولعل هناك تفسيرًا آخر هو هذه الرغبةُ العامةُ التي يحسُّها الأديبُ الصادقُ والشاعرُ العاشق في التجربة، كيف يكون الحبُّ رغم البِعاد؟! وكيف نستغني عن العِناق المطفئِ للثورةِ بالخيالِ الذي يشيع في النفس، ويملؤها بمباهجِ الألوانِ والأشكال !!
انني أستطيعُ أن ألتقيَها كلَّ ليلةٍ وكلَّ يومٍ ألفَ مرةٍ ومرة، ودون أن أعكِّرَ صفوَ هذا الحبِّ بما أعيشه من واقعٍ مرٍّ علىٰ أرضِ الواقع !!
إن النفسَ حينما تضعفُ وتمرضُ، ترقُّ ويغمرُها الحنان ...
لكنَّ الحبَّ الحقيقيَّ لا يمرَضُ، ولا يشيخُ مهما تباعدَتِ المسافات !!
أخبار متعلقة :