ذكر لوتمان أن القافية تنتمي إلى أنظمة مختلفة، منها ما هو إيقاعي، ومنها ما هو صوتي، ومنها ما هو دلالي، ومن هنا يمكننا القول بأن القافية " ليست أداة أو وسيلة تابعة لشيء آخر، غير أنها عنصر مستقل، صورة تضاف إلى الصور الأخرى، ووظيفتها الحقيقية لا تظهر إلا إذا أضيفت في علاقة مع المعنى) ("، فحيث يوجد تماثل وتشابه لأصوات القوافي يوجد أيضا بعض التماثل من ناحية الدلالة، وليس هذا مطردا على جميع القوافي، ولكن الأمر متروك لذوق الشاعر، وقدرته على الاتيان بقوافٍ متماثلة. ومن أمثلة التماثل الدلالي في شعر عبد السلام هاشم حافظ قوله:
من أنتَ ؟ قوليها لأسمعَهـــا ممــوسقةً بصـوتِ أنوثتــكْ
لأضمَّ همسَكِ في الجوانــحِ..بل أغنيـكِ الحيــاةَ ببهجتكْ
أنا فيضُ روحك عذبت.. لكنهــا عــادتْ إليك.. لفتنتك
فيضٌ يصوغك للخلودِ رفيقتي.. نحيــا معــا.. وبروعتـكْ
هذا أنا الشادي.. بحبك صانعُ الكلماتِ.. صُغْتُ محبتك) (
فالكلمات (أنوثتك – بهجتك – لفتتك – روعتك – محبتك) مبعثها الدلالي متماثل إلى حد كبير، فالبهجة والفتة والروعة والمحبة تنتمي إلى عالم الأنوثة الثري بمثل هذه الألفاظ ذات الدلالة المتقاربة.
وكذلك قوله في قصييدة " الحياة أحلى على القمر ":
أراكَ هنالكَ رمزَ النقـاءْ وقلبي يدقُّ.. يدق الفضاءْ
يوشِّحُكِ النورُ أبهى رداءْ وينتثرُ النجمُ عبرَ الجواءْ) (
فكلمة(الفضاء) وكلمة (الجواء) كلاهما ذواتا تماثل دلالي، حيث إن دلالة الكلمة الأولى قريب جدا من دلالة الكلمة الثانية،فكل من المحتوى الدلالي المادي للكلمتين عن طريق الأصل الجذري للكلمتين والذي يحمل معنى الاتساع والخلاء. هذا التماثل الدلالي يقابله أو يتوازى معه تماثل صوتي ناشيئ من كون كل من الكلمتين اسما – وليس فعلا -، وكل منهما ذو إيقاع صوتي متماثل مبعثه وجود صوتين متبوعين بحركة مد طويلة، ومنتهيا بحرف الهمزة (فضاء / جواء). ومن ذلك أيضا قوله:
جئتِ بالأشواقِ تصحو من رؤى عينيكِ في قلبي الشقيّ
أنتِ يا نايَ الهوى.. النارُ والأشجانُ في شعري الشجيّ) (
فكلمة (الشقي) وكلمة (الشجي) بينهما فرق يعود إلى اختلاف في صوت القاف والجيم، وأن بهما من التقارب الدلالي ما يؤكد قول كوين السابق، مع أن الموقع الإعرابي لهاتين الكلمتين من حيث وقوع كل منهما صفة للقلب مرة وللشعر مرة أخرى ينمي وجه الاتفاق الدلالي، فالشقاء والشجا كلاهما ينبع من الحزن والألم.
من عيوب القافية:
هذا، ولم يخلُ شعر عبد السلام هاشم حافظ من بعض العيوب، خاصة في تعامله مع القافية؛ فإذا نظرنا إلى قصيدة " مغترب) ("، وفيها يقول الشاعر:
قدْ كنتُ أحملُ عِلَّتي وغيومَها ورجوتُ أن أجدَ العِلاجَ يُزيلُها
وأتيتُ بالأملِ الكبيـرِ لعلَّــهُ يُهْدِي إليَّ ندى الحياةِ ونورَهـا
ففي هذين البيتين " ارتكب الشاعر خطأين واضحين في قافيته، فالبيتان منتهيان بهاء الغائبة، وقد اعتبرها روياً لقافيته، ثم ضم اللام التي قبلها في البيت الأول (يزيلُها) وفتح الراء في البيت الثاني (ونورَها)، والمقرر في علم القافية أن الروي في مثل هذه الحالة هو الحرف الذي قبل هاء الغائب، فيجب التزامه بحركته الخاصة مع الهاء أيضاً( ) " وهذا العيب يسمى (سناد الإشباع) " وهو تغيير حركة الدخيل فيرد مضموماً ومكسوراً أو مضموماً ومفتوحاً أو مكسوراً ومفتوحاً. وورود الضمة مع الكسرة غير معيب، أما ورودها مع الفتحة فمعيب) (".ونجد عيباً آخر من عيوب القافية في قوله ( ):
كنا كحُلمٍ جميــلٍ ضَــمَّ مأْمَلَــَنا
وجاءتِ الريحُ تذرو نورَ شُعْلَتِنا
فقد جاء حرف اللام في كلمة (مأملنا) مفتوحا، وحرف التاء في كلمة (شعلتنا) مكسورا
ومن المآخذ أيضا قوله في قصيدة الشاعر)
هو عالَـم سحَرَتْهُ رباتُ الخيــالِ ولقَّنتْه لُغاتِهــا
وسقته كأسا من ضراوتها تناسـى نفسه ولداتِها
ويعيش يحلم هائما بالشعر، بالذكرى يودُّ حياتَها
ومن الأخطاء قوله):
حكَّامُهُ الدخلاءُ البُهمُ في نهمٍ
عاثُوا بهِ، واستبدوا بالمدى كُلَّه
بفتح حرف اللام مع أن حق اللام الكسر.
أخبار متعلقة :