نيرون الذي حرق روما و عزف الموسيقى على أطلالها أسطورة أمتدت لقرون بل و اتهم بسفاح المحارم و يذكر أن الدافع لإشعال روما هو أنه مجرد معتوه مصاب بجنون العظمة أشعل المدينة لأنه بكل بساطة يستطيع فعل ذلك ! و هناك قصة أخري رواها سويتونيوس بأنه عندما قال رجل لنيرون ( عندما أموت دع النار تأكل الأرض ) فرد الإمبراطور : لا وأنا حي ! و قيل أيضا أن نيرون أراد إعادة بناء روما وفقاً لمخطاطاته الشخصية التي تضمن سكناً جديداً مترفاً لنفسه وهو (البيت الذهبي) و هناك أسطورة تقول إن المكان الجديد بُني فقط لحفلات العربدة ! و حتي الان لا يوجد دليل واحد علي صدق تلك الروايات و لا نعرف إن كانت شائعات أم فيها شيئا من الحقيقة ! هكذا كان الحال قديما عند كتابة التاريخ خصوصا ما يتعلق بالسير الذاتية و البطولات و الأعمال الإيجابية و الفساد و الزلات لكبار الشخصيات ،، نصوص مختلفة و كلا له نسخته في نقل الأحداث سواء لخدمة هدفًا سياسيا أم للمتعة و الإثارة ! و في ظل ندرة المعلومات لا نستطيع ان نعرف الحقيقة خصوصا ان حياة الملوك و الأباطرة الخاصة تحاط بكثير من السرية و ليس مسموح للعامة الإطلاع عليها او الثرثرة و النميمة فيها بل و أحيانا تمتد هذه السرية لتشمل كل من يحيطون بالملك من أفراد أسرته و شخصيات حكومته ،، حتي يحافظ علي هيبته في عقول شعبه !
و إن كان لا يوجد لدينا دليل واحد مؤكد علي أن الإمبراطور نيرون هو من حرق روما كما قالت الأساطير التي امتدت لقرون فالأمر اليوم قد إختلف تماما ! و التكهنات و الثرثرة و الغموض لا يلقي كثيرا من المصداقية و الرواج عندما نتحدث عن حياة الملوك و الرؤساء و لم يصبح محرمًا في معظم دول العالم المتقدمة و يستطيع اي صحفي او إعلامي توجيه اسئلة للرئيس و طلب معرفة معلومات عن شخصه و أفراد أسرته و تفاصيل كثيرة عن حياته و كثيرًا ما يحدث هذا خلال الحملات الانتخابية و تكون هذه اللقاءات و التصريحات بمثابة مرجع و مستند يحاسب عليه الرئيس في اي وقت ،، سواء فيما يخص الوعود الانتخابية او في المميزات التي حصل عليها المقربين من عائلة الرئيس و اصدقائه و تكون هناك مراقبة مستمرة لكل تحركات الحكومة الموالية للرئيس و من حق الشعوب و المنظمات المدنية و نواب الشعب أن يحاسبوا و ينتفضوا الرؤساء والوزراء و يضعونهم قيد المسائلة في اي وقت ! لا أقول ان الامور مثالية تماما في الغرب لكن هناك تعزيز للشفافية و المسائلة أكثر بكثير من منطقتنا العربية و مناطق اخري فيما يسمي بدول العالم الثالث بالرغم انني لا احب هذا التصنيف !
فالشيء الذي أصبح ضرب من الخيال في منطقتنا العربية و الشرق الاوسط هو الحديث عن المحاسبة و المسائلة و القدرة علي اللوم و الحساب للقيادات و تحميلها مسئولية القرارت و السياسات الخاطئة و كأننا نعيش في زمن الأساطير و قرون العصور المظلمة التي انعدم فيها التفكير المنطقي و حل محلها التعصب الدينى و القهر الفكرى و غير مسموح بالتفكير أو إبداء الرأي و من يخالف التعاليم هو معرض للأذى و العقاب و الاغتيال الجسدي و المعنوي ! لذلك انتشرت الخرافات و انحدرت الثقافة و العلم و انشغل الناس بالأمور التافهة و الغيبيات ،، أصبحنا مع الأسف نعيش في حالة من الجمود فى جميع المجالات ليس فقط الجمود السياسي بل أيضا جمود الفكر و التجارة و الصناعة والزراعة و الاختراع ! يسيطر علينا حيتان من رجال السلطة و الأعمال يقومون بدور النبلاء و الإقطاعيين القدامي الذين استعبدوا الشعوب !
و في ظل هذه الظروف تجد من يحدثنا عن التنمية و الحداثة و البناء و الإنجازات و التقدم و محاربة الفقر و الحياة الكريمة دون استقرار حياة المواطن المعيشية او تحسن دخله او الخدمات المقدمة له من تعليم و صحة و غذاء حتي أصبح الحصول علي الخبز و المواد الاساسية هو كل ما يشغل المواطن ،، المواطن الذي لا يهمه كثيرا المدح و التحريض و المزايدة و المكايدة السياسية لكن يهمه ما يلمس حياته اليومية ! و يتسائل البعض هل الوضع مرشح للانفجار أم ان هذا المواطن تم تعجيزه و إنهاكه و تخويفه لدرجة أنه لا يقدر علي المطالبة بأبسط حقوقه ؟ و هناك من يقول ان الأهم من الخبز هو حالة الاستقرار و الامن و تناسوا ان الأمن و هدوء البال لا يأتي في ظل الجوع و الحرمان في أشباه الدول التي تعجز عن توفير الأشياء الأساسية لمواطنيها و يتفشي فيها الفساد و نهب المال العام و الخاص ،، نعم الوضع مرشح بقوة للانفجار لكن لا يعلم توقيته الا الله و ان كانت هناك تظاهرات في بعض الدول مثل إيران و تونس و دعوات للنزول في مصر فإنها بداية لمرحلة اضطربات في المنطقة ستؤثر بلا شك علي الأنظمة الديكتاتورية في ظل أضطرابات عالمية كبيرة و الذكي من يحتوي هذه الانتفاضات الداخلية و يقوي الجبهة الشعبية الداخلية لانها اهم بكثير من الأسلحة الكيميائية و النووية و التحالفات الاقليمية و الدولية ،، صحيح الزمن لا يعود إلي الخلف لكن ان أدركنا الأخطاء و ادخرنا طاقتنا لخدمة الاصلاح الحقيقي و لخدمة المواطن قد ننجو جميعا بأقل الخسائر اما اذا ظل العند و الكبر هو سيد الموقف أعتقد ان نيرون العصر سيتم حرقه قبل ان يحرق روما ربما بيد أعوانه و الكلام لكل نيرون !
أخبار متعلقة :