منذ الصباح الباكر، وشاشات التلفاز تعلن كل ساعة تقريبا أن هناك نيزك ضخم سوف يسقط على الأرض، ويحولها إلى قطع صغيرة تتناثر في الكون الفسيح .. إنها النهاية إذا.. سوف تختفى الحياة من على وجه الأرض .. سوف يختفى ذلك الصخب الإنساني، والضجيج الذى يأتي من رحم الطمع والمحن والحلم المستحيل والممكن معا ..سوف يتوقف الفلاسفة عن التنظير والفكر، ويتوقف الساسة عن الصراع حول أنظمة الحكم ..لم أكن خائفا، فالخوف بالنسبة لي هو الحياة لقد كنت في حالة من السلام الغريب ..تركت المنزل، لأتجول في الشارع ..كان كل شيء يوحي بالنهاية، لقد توقف الناس عن الذهاب إلى العمل، ووسائل المواصلات عن الحركة الدؤوبة في الطرقات، لقد كان كل شيء هادئا تماما ..فضل الناس قضاء لحظاتهم الأخيرة في المنازل مع أحباءهم ..الزوج مع الزوجة وأطفالهم الصغار حتي الذى كان يفضل عشيقته في هذه اللحظة المصيرية أدرك أن محور حياته هو الأسرة.. تذكرت أنني لا أملك أسرة، فغمرتني حالة من الرثاء على عمري الذى ضاع هباء في الكتابة وندوات الشعر والأدب دون أن أختبر دفء الأسرة، ولهفة الأطفال إلى أبيهم، وكلمات التعزية بأن كل شيء سوف يؤول للأفضل..عدت إلى المنزل، لأغط في نوم عميق الذى هو أفضل ملجأ لي في حالات اليأس.. النوم هو العالم الآخر الذى ينقذني من التفكير، والتعاسة التى يحدثها عالمنا الفوضوي هذا.. أستيقظ على صوت أنثوي رقيق.. أنها زوجتي توقظني، للذهاب للعمل..جلست على السرير أفكر لدقائق هل أنا في حلم أم عدت لواقعي من جديد؟!
- طلبني المدير على عجل.. انتابتني فرحة غامرة، فقدت طلبت منه أمس علاوة أستحقها بعد أن قضيت هذه السنة في عمل مجهد ومثمر ودؤوب لتحقيق الأهداف المرجوة للشركة تبعا للخطة الموضوعة من قبل صاحب العمل، وقد حققت نجاحا باهرا، وأبليت بلاءا حسنا فيما قمت به.. فكرت أن المدير يدعوني، ليخبرني بالخبر السعيد، فرحت أرتب للمستقبل.. هل سوف أدخر ذلك المال أم سوف أنفقه ؟ وصلت لمكتب المدير مشغولا الذهن بحساباتي تلك.. عندما شاهدني؛ دعاني للدخول.. قدمت عليه بوجه بشوش ..طلب مني الجلوس، فأتخذت مقعدا متهللا ومنتظرا أن يخبرني بقيمة العلاوة التى سوف أحصل عليها، فربما قدر صاحب العمل ما بذلته، وبسخاءه المعتاد سوف يجزل العطاء والمنحة.. لم أتحدث، وانتظرته ليبدأ هو الكلام..سكت للحظة وهو ينظر إلى ثم أخيرا بادرني قائلا:
- لقد وضعت الشركة خطة لتوفير النفقات، ومنها أن ننهي عقود بعض الموظفين من ذوي الدخل الكبير، وللأسف كنت أنت واحدا منهم.
أخبار متعلقة :