صدر ديوان “صَمتُكَ وحَناجِري” عن دار فكرة كوم الجزائرية أيلول 2022، للشاعرة الجزائرية نُسيبة عطاء الله. الديوان مؤلف من 167 صفحة
الإهداء:
فأمّا ذاك الذي لن يعودَ
وقد يعودُ في هيأَةِ الطَّيْرِ
رابِتَ الجناحِ
هامِسَ الغِناء
وقد يعودُ في نَوْبَةِ الحُلمِ
في تراتيلِ الذّاكرة
ينفخُ فيما أحَبَّ حياةً
فنبكي الروّحَ في الأشياء…
لا فَرْقَ بيننا وبين المجانين
حينَ يعودُ لَنا من رِحلة اللّامآبِ
صَوْتٌ نَسيناهُ
ليبُثَّ فينا انتظارَهُ… ثمَّ يمضي
سوف يأتي ليأخذَ وَجْهَهُ
وما أعددنا مِن الصّبرِ
والإيمان.
سوف يأتي
إلى بَعضي.. في حياةٍ ما!
الخاتمة:
اللّامعنى
لا معنًى لصِياغتِه
ـــــــــــــــــ
قصيدة الغلاف:
– سَكرات –
أعـطيتُـكَ الحُبَّ الجميـلَ ونفـحَـتي
ومَـــلامِـحَ الشِّـعــرِ الجـميـــــلِ كِــتابـــــَـا
أعطيتُكَ الصّوتَ النّدِيَّ وصورَتي
وتـــــــعانُـــــقَ السُّــكْـــرِ النَّـــقِيِّ عِــــتابــــَــا
وتــركــــتَ لي ضوءَ المساءِ وشُـعلـــــــةً
وسَحـابــــةً بـيـنَ السّـحـابِ سَـرابـــــَـــا
يـنـتابُـنــي سِـحـرُ الحَـديـثِ وخُـــــلــوَةٌ
ومــــَتــــاهَــــةٌ بـــيـــنَ الجِــــراحِ عَـــــذابـــــــــَـــا
ـــــــــــــــــــــ
مقدمة الديوان:
كتبت مقدّمته الدكتورة سوسن ابرادشة:
“… تقول عن نفسها سَروًا؛ ولا تدري أنّها غابات مشكّلة من كلّ الصنّوف الخضراء البّهية التّي تنمو في كلّ الظّروف وتعشعش رغم المآسي والمعاناة.
وأنا أقلّب في صفحات هذا الدّيوان أدركت أنّه يتوجّب على القارئ أوّلا أن يتهيّأ ويستعدّ لفعل التّطهير الذّي سيُحسّ به بعد أن يقرأ قصائده الجَليّة.
ثمّ إنّك حين تقف عند العتَبة تخجل من أن تلِجه بنعليك، فتنزعهما على مضَض وتمضي حافيا كي لا يمسّ وسخٌ طُهرَ هذه القصائد أو يدّنسها أثر...
قصيدة “صمتُك وحناجِري” وحدَها كفيلة بأن تغرقك في الدّوائر والأضواء والهالات، لتتلقّفك مرّة ثانية نحو الظّلمات والفراغات ومتاهات الذّاكرة… فسُلطة اللّغة أقوى وأعسَر من أن يتخلّص من روعتها القارئ، أو يتحرّر من نفوذها الشّاعر ليبدع بشكل مخالف ومغاير عن المعتاد قوله والمسموع، كما حدث مع الشّاعرة...
حين صادفت قصيدتَها “ضدّ النّداء” أرسلتها إلى إحدى حبيبات الشّهداء، فردّت والحزن بادٍ على بوحها: هل كان حبيبها معهم؟ قلت: لا … لكنّها شاعرة.
حين قرأت لها “مطلّقة” تبادرت إلى ذهني صور العديد من المطلّقات اللّاتي كتمن وجعهنّ، وراحت نُسيبة تعوّض عنهنّ البوح.
في قصيدة “حشرجات الغياب” اعتمدت البحر الكامل لتؤكّد أنّها تتحكّم بمقاليد الشّعر، تكتب العموديّ كما الحرّ، لذلك هي حرّة في اللّغة والمعنى… لنكتشف معها في هذا الدّيوان أشكال النّصوص الشّعرية المعاصرة وجماليّات التّداخل النّصي فيها، والتي غالبا ما تطرح علاقات تعيد بناء المعنى الرّاسخ للخطاب الشّعري في الذّاكرة الشّعرية، للبحث عن الصّورة المعلنَة الواضحة والمضمرة المشوّشة التي قدّمتها نصوصها الشّعرية، عبر طَرقها المعلوم وغيره، والمجهول وما تلاه، وكأنّها وليّة قادمة من زمن غابر، جاءت لتشكّل إضافة للشّعر الجزائري المعاصر؛ فبقراءة أشعار “نُسيبة عطاء الله” والتّعمق في فهم كنهها، يعي القارئ ما فيها من تداخل في المستويات، وبهذه الصّورة يقوم النّص لها كإفساد وخلخلة لاستقرار المخيال الشّعري، وابتداع لمحتوياته، بعيدا عن نهائيّته أو موته.
إنّ الخطاب الذي اعتمدته الشّاعرة في قصيدة “فلسفة الرّحيل” تأسّس من أجل تقويض الرّؤى والفرضيّات التي تجعله معدما معدوما، بعيدا عن الأضواء ومتخفّيا في الخانات الضّيقة والقصيّة أطرافُها؛ لتُعاكسه تماما في آخر قصيدة من قصائد الدّيوان والتي عنونَتها بــ “كراكيب” حين تفرض سلطة “لُوليّات” نبوءتها وتحكي عن تفاصيل ما سيحدث في هذا الزّمن الرّهيب وبكلّ حيثيّاته فتتنبّأ للحَراك، نبوءة بعد آخر الأنفاس تكمّم فم الشّاعرة، وتفرض عليها النّحيب بعد تقييدها.
الشّاعرة نُسيبة عطاء الله ومن خلال هذا الدّيوان تبدو أنّها شاعرة باحثة عن ذاتها وعن روحها، وهو ما يجعل شعرها يعجّ بالتّداخلات النّصية التي تصعّب من تفكيكه وقراءة ما بين سطوره، فكلّ القصائد التي تضمّنها الدّيوان هي اعترافات أنثويّة محضة، لعديدات يصعبُ عليهنّ البوح بما يخالجهنّ، وجاءت هذه القصائد لتؤدّي مهمّتها في التّعبير عنهنّ، فما الشّعر إن لم يكن صادقا معبّرا مؤدّيا مهمّته الوظيفية.
هكذا إذن؛ هو شعر نُسيبة عطاء الله يأتي باذخا ثريّا محمّلا بالدّلالات ومشبّعا بالأحاسيس والمشاعر، لا يمكن الملل منه ولو قرأتَه مرّات ومرات، وفي كلّ مرّة تكتشف نسقا جديدا أو تستنطق عالما مغايرًا لما رصدته من قبل.
كلّ إنسان خُلق من أجل أن يؤدّي مهمّة ما، ونُسيبة عطاء الله خُلقت لتكون شاعرة.”
الدّكتورة: سوسن ابرادشة/ جامعة الجزائر2
أخبار متعلقة :