بعض وسائل الإعلام المختلفة تصور حياة الترف والبذخ والبلطجة التي يعيشونها المجرمون إضافة إلى طابع البطولية لشخصية المجرم وجعله نموذجاً يحتذى به، وتنمية الشعور بالعطف على المجرمين وذلك كون أنه ارتكب الجريمة بسبب فقره أو كونه يعيش يتيماً أو لم يحصل على عمل فيلجأ إلى طريق السرقة والنهب والبلطجة.
أيضاً تعرض وسائل الإعلام أساليب إبتكار الجرائم وتوضح جانب التخطيط والتنفيذ والتحضير وتعلم المشاهد كيف يحمل السلاح ويستخدمه وتعلمه كيف يخالف القانون والنصوص دون أن ينال عقاب، بالإضافة إلى أنها تعرض الجريمة بشكل مثير الخيال وتصور المجرم بأنه شخص ظريف تبين مدى الشهرة التي يحصل عليها من يخالف وهي مطالب للكثير من المراهقين والمجرمين وذلك لتحقيق مبدأ خالف تذكر، ذلك يتوقف على مدى إستجابة الفرد لما يسمع ويشاهد ومدى استعداده لارتكاب السلوك المنحرف المجرم.
أن الإعلام لا يقوم دائما بهذا الدور الايجابي أو ينهض بهذه المسؤولية . بل يمكن أن يقوم أيضاً بدور مغاير فيطمس الحقائق ويشوه المفاهيم ويحرض على البغضاء والكراهية والأحقاد والعنصرية ويهبط بذوق الأفراد ويبث الأكاذيب ويستلب وعي المجتمعات ويدمرها ،فهو على هذا يكون أداة تشريد وفصل عن الذات وعن الهوية الثقافية والخصوصية الحضارية التي تكون ظاهرة الأجرام واحدة من نتائجها السلبية.
أنّ غياب الصحافة المتخصصة عن المشهد العام، وسعي الوسائل الإعلامية إلى تحقيق السبق الصحفي، جاء على حساب المهنية في تغطية أخبار الجرائم، وتحديدا عند مقابلة ذوي الضحايا واستنطاقهم من قبل الصحفيين أو الإعلاميين، فتكون ردود أفعالهم وأقوالهم غريبة إلى حد ما من هول الفاجعة، وتحديدا التصريحات التي تذهب باتجاه الانتقام، وفي ذلك دعوة مبطنة لنشر الجريمة،
كما تلعب الصحافة والقنوات الفضائية الآن دورا أساسيا في التكوين الإجرامي حيث تعيش على أوجاع الناس فنجاح أو إنجاز فرد في المجتمع ليس بخبر كبير لكن الاعتداء على سيدة عجوز أو هتك عرض طفل صغير يحتل الصدارة ويشكل مادة دسمة ثم لا مانع من بعض المبالغات والمزايدات ووضعها في قالب من التشويق والإثارة.
الإعلام المقروء والمسموع بشكل غير مباشر حتى لو كان بدون قصد بهدف التوعية أو عن قصد لزيادة عدد المشاهدين والمتابعين والإعلانات، قد أصبح يشارك في صناعة العنف والجريمة في المجتمعات بشكل أو بآخر، وما يحدث من كثير من جرائم حقيقة هي تطبيق واقعي لحالة تمثيلية أو رمزية قدمت عبر الشاشة أو الصحف، حيث يعيد الفرد إنتاج ما تم مشاهدته فتتحقق المأساة الحقيقية.
إن تدني فكر الأفراد وتآكل عقولهم بفعل الفقر والجهل وتحكم رأس المال في منابر الإعلام و الصحف يساعد كثيرا فى نشر الجرائم ذات الأبعاد الجنسية والفكرية وازدياد العنف والسيطرة وتولى الإعلام منصب القاضي والمحقق، والجلاد، والطبيب، واحتكار للآراء، خالقا تشوها واختلالا وصراعا فى المجتمع، وحالة من الارتداد الاجتماعي والفكري تزيد من نمو الجريمة وتصاعد وتيرة الصراع، وارتداد إلى الأصول والمرجعيات الأولية والجاهلية.
فإن الصناعة التليفزيونية أو السينمائية ركزت كثيرا على أدوار تجار المخدرات أو تجمعات العصابات، والمثير للإنتباه هو التمادي في وصف تفاصيل إرتكاب الجرائم وبالتفصيل الممل و بدقة شديدة شاغلة حيزا زمنيا مهما من المنتوج السينمائي والتليفزيوني، مصورة إياه في مشاهد كوميدية تجعل المنحرف شخصا خفيف الظل محبوبا للمشاهد بل قد يتعاطف الكثير مع المجرم عوض الضحية، في حين أن الجزاء لا يأخذ غير ثوان غالبا لا يتذكرها المشاهد.
هذا الإعلام لابد أن يواجه بإعلام مؤمن مؤثر ملتزم ونظيف تكون أحدى فضائله الاجتماعية والإنسانية الحد من ظاهرة الأجرام التي كان واحداً من أبرز أسبابها الإعلام السلبي (العربي والغربي).
على العاملين في مجال الإعلام في كل وسائل الاتصال الإعلامي والجماهيري (المقروء والمسموع والمرئي) أن يتمتعوا بالجانب الإنساني في كل نشاطاتهم وفعالياتهم وأن يكون واضحا لجمهورهم أنهم يسيرون بهذا الاتجاه وأنهم مؤمنين بأهمية الإنسان كقيمة عليا في المجتمع، مكرسين جهودهم الإعلامية في خدمة المجتمع قولاً وفعلاً، لأن الجانب الإنساني في هذا المبدأ يكون رمزاً ناجحاً في برامج الإعلام .
أخبار متعلقة :