حوار إلهام عيسى
علي لفته سعيد كاتب عراقي يعد أحد كبار الكتاب العرب إعلاميا وروائيا إنسان ابن بيئة عرفت الأدب والحكايات والشعر كتب القصة و الرواية والشعر والمسرح والمقال ولم يفضل اي جنس منها على الآخر ويعتبرها جني المخيلة والإبداع تعددت في روياته الأماكن والشخوص والزمن فوصف الواقع العراقي بحرفية عالية وفق فعل درامي مشوق يعتبر علي لفته الرواية بان الرواية تقرا من قبل الكاتب اكثر من أي قراءة اخرى كما يعتبر الكتابة بحد ذاتها شيءروحي يصنع من الوهم حقيقة ومن الحقيقة وهم ويرى بأن الحياة عبارة عن مجموعة اسئلة تمتد من الولادة إلى الممات وان الإبداع جهد مخيالي يعتمد على الواقع فهو يحاول أن يجعل المتلقي يفكر معه ومايقراه هو الحقيقة في الواقع له عدة مؤلفات منها:12رواية منها حب عتيق ومزامير المدينة واربعة دواوين شعريةاختفي بالضوء كما الف مسرحيتين وست كتب في النقد الأدبي وسبع مجموعات قصصية حضر عدة ملتقيات على مستوى العراق والوطن العربي كما حصل على عدة جوائز قيمة
* من هو علي لفتة سعيد الإنسان والكاتب، كيف تعرّف بنفسك للقرّاء والمتابعين والمهتمّين؟
- أنا إنسان من بيئة لم تكن تعرف الغنى.. لكنها عرفت الأدب والحكايات والشعر.. من بيئة اودعت نقصها الحياتي بانتمائها الاجتماعي المضطرب، فكونت في داخلي ذاك الطفل الذي يبحث عن حضن ليودع فيه البكاء أكثر مما يودع فيه الاحلام.. من بيئة إذا صرخ قال شعرا.. وان عشق غنى.. وإن احتجّ هتف.. وإن حلم لا يفقد بوصلة الواقع.. أنا إنسان ولد وفي أذنه حكايات أبيه الطويلة التي لا تنتهي في جلسة ليل شتائي واحدة، لا يملّ أحدهم من سماعها.. حكايات القصص التي تجعله يتخيّل الحيوانات والطناطل والسعالي وعلي بابا والجن وقصص الحكمة المغلقة بحكايا درامية، زرعت فيه نقطة الاحتجاج على الواقع الذي سرق منه أمّه قبل أن يبلغ الحولين، وقبل أن تبلغ هي الخامسة والعشرين من العمر ليعيش وحيدًا مع المخيلة.. فكان يكتب أحلامه وما يتخيّله على تراب المدرسة حيث يعمل الأب.. أنا ابن بيئة جنوبية اسهمت في (خلق) المعادل الكوني.. إن الانتماء الى الحياة يعني الصراع وإثبات الوجود.. ويعني الطيبة حتى مع الحرف ليكون جميلا لا عصيا على الفهم.
* كتبت في الرواية والقصة والشعر والمسرح والمقال... أي الأجناس الأدبية أقرب اليك؟
- لا تفضيل ولا قرب بين جنس أدبي وآخر.. هي كلها تنتمي الى جني المخيّلة والإبداع.. أنا كما ذكرت ابن بيئة تلوك الحرف مثلما تلوك الخبز، وتطعم أطفالها حلوى المعاني وأثر الغناء ولوعة الكتابة.. لذا فأنا ولدت لأكون أديبا- هكذا أتخيّل ذاتي- وقلت في أكثر من مرّة أنا خيّاط ماهر، والقماش هو الفكرة التي عليّ خياطتها. فكيفما يأتي القماش تكون الخياطة. بمعنى لا يمكن لقماش قميصٍ أن يكون بدلة زفاف.. وأنا اتعامل مع الحرف، فأيّ إنتاج لي يصب في ذات المكان لأن المنبع واحد هو الحرف والمخيلة.. ومن يجد الصعوبة في ذلك ينتقد من لا يجد في الأمر صعوبة.. في الماضي الذي نتمنى أن نكون بمثله، لم يكن المبدع له اختصاص محدّد، فهو عالم فيزياء ورياضات وهو شاعر أو محقّق أو حتى عازف آلة موسيقية.. الإبداع ليس له حدود، فمن عرف السباحة في المحيط لا تصعب عليه الأنهر.. ومن لا يعرف العوم إلّا في المياه البسيطة فإنه يرى الأنهر أكثر اتّساعًا من مخيّلته، لذا فهو يعتقد أن التعدد مضيعة للوقت وتفتيت للجهد.
* في بعض رواياتك ومنها "حب عتيق" تنتهج تقنية الاستطراد من جزء أو فصل لآخر وكأننا امام مجموعة قصصية، هل هذا بوعي منكم أن القارئ المعاصر ينفر من النصوص الطويلة كما الرواية؟
- الرواية تختلف اختلافا جذريًا عن القصة القصيرة، ليس هنا مجال التفريق، ولذا فان التقنية في الرواية هي عبارة عن مجموعة قصص قصيرة لحياة وأجواء من الشخصيات تترابط مع بعضها. لذا يكون التنقّل بين هذه (القصص). في هذه الرواية تعدّدت الأماكن مثلما تعدّدت الشخوص وبالتالي تعدّد الزمن.. فهي تحكي عن واقع عراقي منذ مطلع القرن الماضي حتى عام 1958 حيث تاريخ انتهاء الحقبة الملكية العراقية، وهو يحتاج الى فعل درامي والى تشويق وحكاية وأفعال وبالتالي الى تقنية (القصص) ولا أعتقد أن هناك نفورًا من الروايات الطويلة.. كون الرواية لم تزل متسيّدة على وعي القارئ.. بل أن الأديب ذاته يقرأ الرواية أكثر من أية قراءة أخرى، بمعنى أن الشاعر يكتب الشعر نهارًا ويقرأ الرواية مساء.. الرواية الجيدة هي التي تسحب المتلقّي الى منطقته، وعلى الكاتب/ المنتج أن يكون واعيًا لفن الكتابة.. ولهذا انتهبت مبكّرًا الى الأسلوب واجترحت مصطلحا نقديا أسمته (بنية الكتابة) وهو ما يعني كيفية تدوين النصّ الأدبي، ولي فيه ثلاثة كتب نقدية.. بمعنى أن النص الجيد هو الذي يسحب المتلقّي الى منطقته ولا يجعله مملًّا ونافرًا، والعكس صحيح.. النصّ غير الجيد حتى لو بضعة أسطر فإن المتلقّي سيصاب بالملل.
* ما الذي يعنيه فعل الكتابة الابداعية شعرًا ونثرًا بالنسبة لكم؟
- الكتابة بحدّ ذاتها شيء روحي.. خلق جديد.. صناعة الحقيقة من الوهم وصناعة الوهم من الحقيقة.. اللعبة الكتابية التي لا يمكن أن تكون إلّا بفعلٍ من تمرّن واستطاع وتمكّن من الكتابة.. الكتابة أيضا جسد، ننفخ في داخلها من أرواحنا ما هو غير مقدور عليه من الآخرين، لذا فإنها أيّ الكتابة الإبداعية أكثر الفنون تعبًا وإرهاقا وخسارة مادية، كل الفنون الأخرى لها مردود مادي، إلّا من يمتهن الأدب لأنه ينفخ من روحه الى ما لا نهاية من العمر ولا يتقاعد عنه إلّا بتقاعده من الحياة كلها. لذا فأنا حقا أعد الكتابة فعلًا إنتاجيًا كما أسمّيه، وأيضا أطلق عليه (اللعبة) في كتاباتي النقدية الأخيرة.. لأن من يفهم سبيل اللعبة يدرك طريق الانتاج.. ومن يدرك أين يضع الحرف بحسب الفكرة سواء كانت شعرًا أم نثرًا وحتى مقالًا صحفيًا أم حوارا، فهو قادر على إنتاج المعنى.. الكتابة روح وجسد وكلاهما يعيشان في داخل رأس المبدع.
* ما الذي تعنيه بـ "تشظّي السؤال" وأنت تتساءل عن مغزى الحياة من المهد الى اللحد؟
- السؤال هو الحقيقة التي نبحث عنها، وما يأتي بعد السؤال طريقة طرح السؤال. إن المشكلة ليست في الإجابة لأنها موجودة، ولكن من يخرجها من عمقها واختفائها وغرقها وغيابها هو السؤال.. لذا فإن السؤال هو لبّ الحقيقة. وقلت في مقال.. من الأسئلة نصنع الإجابات.. لذا فإن الحياة عبارة عن مجموعة أسئلٍة تمتدّ من الولادة الى الممات. حين تغيب روح السؤال.. فلا معنى للإجابة حنها.. ولأن السؤال ليس واحدًا على خارطة الحياة، فإن التشظّي فيه هو الأساس لإدراك معنى الحياة والوجود وكلّ ما في الكون.. جمود السؤال يعني جمود الإجابة.. والسؤال هو الفلسفة الأولى التي بدأت فيها الحياة والوجود.. السؤال هو الروح وهو الدين وهو العلاقة ما بين السماء والأرض.. مثلما هو أسّ المعرفة الإبداعية لسؤال.. ماذا سأكتب، أو بماذا أفكر.
* غالبا ما يوصف المفكّر بالمسافر الباحث عن الحقيقة، لكنك كتبت في إحدى رواياتك بأنك "لست معنيا بالحقيقة المطلقة، بل بالحقيقة المتخيّلة" حقيقة يقترحها الكاتب في نظرك لتصنع عالما آخر تتصالح فيه كل مكونات المجتمع العراقي وتتعايش في ظل السلم والتسامح؛ تعددية الأديان والمذاهب داخل وحدة منسجمة... كيف يمكن للخيال أن يصنع هذه الحقيقة في نظرك؟
- الإبداع جهدٌ مخيالي يعتمد على الواقع.. هذا ما وجهة نظري سواء تطابقت مع من يعتقد ذلك أو لم تتطابق، ولذا فإن نقل الواقع كما هو بحجّة أنك كاتبٌ واقعي هذه لا تعني شيئا للمتلقّي في زمن إصدار الرواية التي تتحدّث عن واقعه.. إلّا في النص الذي يتحدّث عن فترة زمنية ماضية لم يعشها متلقّي اليوم، ولكن كيف لي أن أنقل موضوعة الحرب مثلا بواقعها الى المتلقّي الذي هو مشارك في الحرب؟ لذا ففي أغلب رواياتي أحاول أن أصنع مخيالي من الواقع، مثلما أحاول أن أجعل المخيال واقعيًا لكي أجعل المتلقّي يفكّر معي هل ما يقرأه هو الحقيقة في الواقع؟ لأن عملية نقل الواقع كما هو يعني اجترار الأمر وجعله بدلًا من يكون كتابة فكرة رواية الى كتابة حكاية لا تختلف عن الحدوتة.. الكتابة الإبداعية اختلفت الآن، لأن الواقع اختلف وتشظّى وتمدّد وتقاطع وتنافر وتباعد.. ولذا فلابد أن تكون الكتابة مغذية لأشياءٍ جديدةٍ لا تنقل الواقع كما هو، بل تجعل المتلقّي يفكّر معه. ولذا كتبت مرّة مقالا (الرواية بين الحكاية والسرد) توصلت فيه الى أن الكتابة السردية ليست نقل حكاية بطريقةٍ بسيطة، بل نقلَ فكرةٍ بلعبةٍ سردية. وهي اللعبة التي نريدها أن تتعايش مع الواقع والمحيط لنجعل العالم متوحّدًا منسجمًا مع فعل التلقّي، وهو ما يمكن أن يتساوى فيه طرفا الواقع والخيال لصناعة الحقيقة.
* ماذا تقصد بـ "كل مثقّف ساكت على الدم وينتظر كيف ستكون الأمور هو مثقّف انتهازي، وما علاقة ذلك بأحداث 2003؟
- هذه مقولة كتبتها على صفحتي وهي عملية نقد لما يقوم به بعض المثقّفين الذين يتحدّثون بالظلام عن هموم المجتمع ويختفون خلف الجدران التي تصنعها مؤثّرات السلطة ويبقى مراقبًا للحدث، فإن حصل التغيير كان هو معه باعتباره كان يتحدّث أمام فلان وفلان.. وإن فشلت عملية التغيير يخرج من الجدران ليكون مع السلطة.. وهذا ما وجدناه مع بعض مثقفي الانتهازيات بعد عام 2003 وما تلاها من متغيّرات، وهذا أمضّ وأكثر إيلاما من السلطة نفسها، كونه مثقّفا انتهازيا يصنع المشكلة وينتظر حلّها أو يتفرّج عليها وينتظر حصد النتائج.
* في سياق مشابه، واحيلكم على "مزامير المدينة" ماذا تقصدون بـ "ليس الخوف من السلاح الذي سيذهب لتحرير الموصل بل الخوف الذي سيعود بعد التحرير لأن السلاح لا يحب أن يكون صامتا"؟
- الكاتب الذي لا يتمتّع ببصيرةٍ تستكشف المستقبل لا أعتقد أنه قادر على صناعة المخلية، صناعة إنتاج نص مخيالي يرتبط بالواقع، بمعنى أن الكاتب رجل متنبّئ، والرواية المذكورة كانت تتحدّث عن فترة مواجهة داعش، لذا كنت أتنّبأ بأن السلاح الذي سيحارب هذه العصابات سينتقل الى الداخل لأنه لا يحب الصمت ولا يحب السلام.. كما فعلت في روايتي (مواسم الاسطرلاب) حين تنبّأت أن ما سيحصل بعد مقتل (الطاغية) هو الخراب.. ولهذا قلت أن الرواية لم تعد حكاية مجرّدة، بل هي فكرة أو تناقش فكرة أو تستحضر فكرة لكي تصنع مخيلة لدى المتلقّي.
* ألا يكون تاريخنا العريق الذي نتبجّح به مجرّد كذبة نحن إليها كما الاطلال، وأن في ثناياه المفبركة الكثير من التضليل لتأجيج الصراعات بين مكونات الأمة الواحدة؟
- التاريخ وقائع حصلت.. هذا أمر مؤكّد، لكن المشكلة في نقل هذه الوقائع والأحداث وما جرى.. ولذا ففي إحدى رواياتي قلت أن التاريخ رجلٌ أعور وصاحب فتنة.. بمعنى أن من ينقل هذه الأحداث ينقلها بعينٍ واحدةٍ هي عين السلطة، وكيف يراد لهذه الأحداث أن تكون من وجهة نظر واحدة.. أيّ حدث في التاريخ المعاصر فيه العديد من وجهات النظر مثلما فيه العديد من زوايا الأحداث، فكيف بالتاريخ القديم التابع للقرون الماضية أو الأقدم فيما يتعلّق بالحياة وتكويناتها.. أعتقد أن التاريخ حقيقة لكن التضليل في نقله والنقّالون يتحمّلون وزر أممٍ وأجيالٍ صدّقت بمقولةٍ تاريخية هي مزيّفة.
* الكثير من الروائيين يعبرون عن آرائهم خلف ستار شخصياتهم، هل علي لفتة سعيد موجود في رواياته كشاهد على عصر، أم يحمل المسؤولية لشخصيات من ورق؟
- قرأنا هذه المقولة التي تعدّدت مصادرها مثل تعدّد مصادر التاريخ.. والحقيقة أن الروائي يصنع عالمًا من أفكار، يريد أن ينجح في عمله، ولذا فهو قائد يوزّع الأفكار وحيثياتها على الشخصيات والوقائع والأماكن وحتى الأزمنة.. ولأن الروائي شخص معروف وله آراؤه كإنسان في بلد ما، يعيش واقعًا سياسيًا ما، فإن أيّة فكرةٍ يطرحها تكون قريبة من آرائه المعروفة يقال عنه أنه يخفي آراءه ويودعها لدى إحدى الشخصيات.. واعتقد وإن كان في بعضها يحمل جزءًا من المقولة، لكن الحقيقة الكليّة أن الشخصيات متعدّدة والصراع متعدّد ولا يمكن للعمل الروائي أن يكون إلّا كذلك بتعدّد مصاد وأفكار الشخصيات.. وهوم ا يعني اختلاف الرؤى والمصادر والصراع والفعل الدرامي.. ومن يديرها هو الروائي الذي ينيب عنه الراوي في تعدّد المتون.. هذا الأمر لا ينطبق كليًا بمثل هذه المقولة، إلا على الكتابة الصحفية والمقال الصحفي.
أخبار متعلقة :