كان بناء الجيل الأدبي والثقافي فيما مضى يتأسس ويتطور بشكل طبيعي وفي انسجام مع الهوية العربية المتسامحة أو غيرها من الثقافات الآخرى، إلى أن حلّ على العالم العربي عاملا أفسد إيقاع هذا التطور الطبيعي وخلق فتنة داخله وأصاباه بعطب مركزي، وأعني بهذا العامل هو التيار الديني السلفي الذي جعل من الإسلام السياسي رأسماله لمواجهة التاريخ الإنساني الطبيعي بالعنف والتشدد، والعودة إلى نصوص ماتت، فحاول إحياءها بنفخ روح التعصب فيها، وأغرق المجتمع في بركة من الفتاوى التي تصب جلّها، إن لم أقل كلها، في فكرة التحليل والتحريم، التكفير والتخوين. وانصبت هذه الفتاوى كلها في وضع المرأة في موقع "الرجم" و"التهمة" و"الفساد".
وتفطن هذا التيار إلى اهمية الإعلام، بكافة صوره فوضع يده عليها لمحاصرة الجيل الصاعد، كل ذلك لضرب مسار تاريخ الإنسانية المعاصرة التي تمثّل فيها المرأة النصف الكامل، وهو الأمر الذي جعلنا نعثر على "تخمة" من النصوص التي أنتجها خطاب الإسلام السياسي السلفي، والذي يدور حول المرأة ولباسها وصوتها وخروجها ودخولها وزينتها وعطرها...
وأمام هذه الثقافة المتحجرة، تقلصت الكثير من القيم التي تربينا عليها وغابة ثقافة التسامح والمحبة، وساد النفاق الثقافي والأخلاقي والديني بشكل رهيب، ودخل المجتمع في حالة تصلب عاطفي وتوجس من كل علاقة إنسانية نبيلة وربطها بالرذيلة وتصنيفها في باب المس بالدين، كما يراه هذا التيار.
وصنّف هذا التيار الموسيقى في باب الحرام، وفرض حالة من البؤس العاطفي الذي تولّدت عنه أمراض نفسية كثيرة وتفشى الهوس الجنسي وازداد التحرش في المجتمع، وأصبحت الأعراس تشبه الجنائز.
كما صنّف هذا التيار السلفي المتشدد قراءة الروايات، في باب ضياع الوقت وإفساد الذوق.
وبهذا المنطق، كانت الأيديولوجية السلفية في العالم العربي ترى أن الاستماع إلى الاغاني وهو كفر فتيار الإسلام السياسي المتعصب السلفي يرى فيها تشويهاً للأخلاق وضرباً للدين وإبعاداً للشباب عن هويته.
فضاعت بوصلة المثقف في البلدان العربية وانهزمت الثقافة بمفهومها المتعدد، وسادت الرداءة في الفن والأدب بحجة الدفاع عن القيم التي تدعو إليها نخب الإسلام السياسي.
أخبار متعلقة :