كتاب عن التاريخ: نشأته , ومدارسه المتعددة ,وأهم أعلامه, وأشهر المذاهب في وتفسيره, وفلسفته, ومكانته بين العلوم.
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب الذي شغفت به بعد أن قرأته أول مرة، منذ فترة طويلة، و الذي له مكانة كبيرة في نفسي وعقلي، أما مؤلفه فهو يتمتع بمكانة أكبر مما ذكرت سابقاً:
((وفي هذا الكتاب إيجاز لعلم التاريخ عند الغرب وأهله، ونظراتهم فيه في درسه وفهمه، وقد اجتهدت في أن أوجز الكلام فيه قدر الكافة، ورجوت أن ينفع الله به أهل التاريخ ممن فرغوا له وتخصصوا فيه، وكذلك الفكر عامة ممن تستهويهم كتب التاريخ ويطلبون من قراءته زادا للعقل وعتادا لمعرفة أسرار الحياة))
تحدث" حسين مؤنس" في الفصل الأول عن التاريخ باستفاضة وأستاذية لا تبارى فليس هذا مجال تخصصه وفقط، بل مجال عشقه الأثير وهوايته في الوقت ذاته، فألقى الضوء على التاريخ ومكانته بين العلوم وما تعرض له من ذم ومدح، فقد أثنى على التاريخ بذكره الاعداد الضخمة، التي تصدر كل عام من كتب التاريخ، ومع ذلك فما زالت حقيقة التاريخ ،ومكانته بين العلوم، وطبيعته وفائدته موضع شك، فهناك رأي طريف ممن نقده من المسلمين يتهم فيه المؤرخ بأنه بتناول الغائبين بالذم والنقد ،ويكشف عن عيوبهم، والإسلام ينهي عن الغيبة والنميمة، وهناك الرأي الذي يبرز أهمية التاريخ ودراسته وهذا الرأي للعلامة ابن خلدون الذي قال عنه ((في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لهذا أصيل في الحكمة عريق.))
أما الفصل الثاني فتناول فيه الدكتور حسين مؤنس ثقافة المؤرخ التاريخية و ما يجب عليه من استحضار المادة وكيف ومن أين يستقيها ،قبل القيام أن يشرع في الكتابة،و أن يهتم بكل التفاصيل التي لا تبدو أحيانا ذات بال، وهذا لكل من أراد أن يصبح مؤرخا، أو باحث في التاريخ، وأهم هذه المواد التي يحرص على جمعها: تأتي في مقدمتها الوثائق وأن يهتم المؤرخ أيضاً بكل :ما هو مكتوب ومصنوع ومبني فالنص المكتوب أيا كان موضوعه يعتبر وثيقة حتي الأحجار والقبور يعتبرها وثيقة أيضاً.
أما مؤرخو القرن العشرين الذي تناولهم المؤلف في الفصل الثالث والذين كتبوا متأثرين بنظريات فرويد وأينشتاين وكارل ماركس فقد صرفوا النظر عن الي حد بعيد عن الموضوعية التاريخية، وابتكروا ما يعرف عادة بالنسبية التاريخية، رغبة منهم في البحث عن قوانين تعطي نتائج أكثر صدقا وأكثر عمقا لتفسير الأحداث، تحدث أيضاً باستفاضة وشرح وافي عن" جيبون "وهو صاحب مدرسة وعن ودوره في تطور علم التاريخ في الغرب وفلسفته ومنهجه في : الكتابة، مفاد نظرية جيبون الذي وهب حياته كلها، لدراسة التاريخ فإنه ظل يعتقد أن الكتابة عن التاريخ ضرب من الأدب وقال عن كتابته: ((أنه يذيع ضروب من الأدب)) وهناك رأى أنه من يقرأ جيبون وفولتير على أنهما أديبان يقدرهما أكثر مما يفعل من يقرؤهما على أنهما مؤرخان لأنهما كتبا التاريخ بأسلوب أدبي رشيق جذاب وهذه فقرة من مقدمة كتاب اضمحلال الدولة الرومانية لجيبون (( إن كل صفحة من صفحات التاريخ ملطخة بدماء البشر، وعنف الصراع بين الناس وغرور النصر، واليأس من التوفيق، وذكريات المظالم الماضية، والخوف من الأخطار المقبلة، وهذه كلها أمور تثير العقل، ولكنها تسكت صوت عاطفة الاشفاق)) أنتهي الاقتباس من كلام جيبون فقرة تعتقد أنها لشاعر أو أديب وليست قطعا لمؤرخ محترف.
وتناول أيضاً حسين مؤنس في هذا الفصل المؤرخ الألماني الشهير:رانكة ومدرسته ،والذي رأى من وجهة نظره التي تبناها: أنه بناء على ثورة المعلومات الضخمة وتزاحم الأحداث في القرن التاسع عشر فقد أحدثت هذه الثورة زلزال حقيقي في كل ميادين العلوم ولابد أن يكون للتاريخ نصيب من هذه الثورة ، فلابد أن يعتقد المؤرخ أثناء الكتابة عن التاريخ : أنه هواية أو أنه يكتب مثلما يكتب في الأدب ،فلابد أن يكون التاريخ علم من العلوم ذات الأصول والمناهج .
وذكر أيضا المؤلف المؤرخ وفيلسوف التاريخ الكبير: فيكو الايطالي وهو مفكر تشوب نظرته في التفكير بعض الفوضى جعلت البعض يتهمه بالجهل ولكن الرجل كان على عكس ذلك فكان ينظر للتاريخ نظرة أعمق مما فعله الكثيرون فقد نظر للتاريخ نظرة عامة وأصبح من فلاسفة التاريخ التي لا تكتفي بالحوادث بل نستخلص منها العبرة والحكمة.
أخبار متعلقة :