أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أحد أهم المؤثرات الحالية في تشكيل أراء واتجاهات عموم الناس ، مع وضع الكلمة اسم الجمع (عموم ) بين قوسين ، حيث لاتزال شريحة اجتماعية سواء داخل مصر ، أو في البلدان المجاورة ضمن الناطقين اللغة العربية ، على خط متعارض مع العامة لامتلاكهم درجة كافية من الوعي ، والانتباه ، تمكنهم من الفرز والتحليل ، للتحقق من زخم المعلومات والأخبار المبثوثة على الإنترنت ، تقوم بنشرها جهات ومواقع عديدة ، وأيضًا لدى هذه الشريحة القدرة على تقييم الخبر إن كان صحيحًا ، أو كاذبًا ، و أن النشر في حالات معينه لم يكن هدفه خلط الأوراق لتضليل الرأي العام .
إن السوشيال ميديا شأنها شأن أي منتج تكنولوجي أو اختراع علمي ، لها مالها وعليها ماعليها ، والعبرة في التطبيق .
والحقيقة أن الإعلام فقد دوره الرئيس في نقل الثقافة الهادفة والبنّاءة للمجتمع ، كان المأمول منه إعداد حزمة برامج هدفها تنوير الأفراد والجماعات على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ، ورفع مستوى الوعي بين كافة الطبقات ،
و تهذيب سلوكيات رجل الشارع لكي ما تختفي مظاهر العشوائية ، والسلوك الفاقد معظمه للذوق العام ، ووضح هذا في كل ما تراه أعيننا ونسمعه بأذاننا ، في تعامل الناس مع بعضهم البعض كل يوم ، هذه المهام جزء من كثير يمكن إنجازه من دون كُلفة مادية كبيرة . بدلاً من ذلك تبنى الإعلام المعاصر ثقافة محفزة للاستهلاك بكل صورِه ، كما برع في تقديم وسائل للشراء جاذبة بدءًا من عروض التمليك بالمدن الحديثة ، المعرّفة بال ( كومباوندس ) متنقلاً على شاشات التلفاز لعرض أحدث منتجات السلع المعمرة ، يسيل بها لعاب المشاهد ، إلى الدرجة التي ساهمت في إشاعة الحقد الطبقي ، نتيجة قصر اليد ، وصار الفقر لدى الكثيرين كأنه قدر مقيم ، حائل بينهم وبين تحقيق الحد الأدنى من مجمل أحلامهم . على هذا النحو ينتهج الإعلام سياسات خاطئة ، أضف إلى ذلك التزامه بدوره التقليدي القديم في صياغة تعريفات للهوية ، والانتماء ، وتقديمها للمشاهد بالشكل الذي يتفق والسياسات العامة للدولة ، وصرف النظر عن النقد البناء الإيجابي بتكريس مفاهيم خاطئة ، أو مغلوطة لمفهوم " الصالح العام" ، و "الاستقرار الاجتماعي " ، أتحدث هنا عن " الإعلام الرسمي " وبعض الصحف الموالية .
ويكون المجتمع صحي حين تترسخ القناعة في ذهن القائمين على الإعلام ، ، ومحرري الصحف المطبوعة ، والإلكترونية بأهمية الدور الذي تلعبه هذه الوسائل الإعلامية في تشكيل ثقافة الفرد ، الذي هو في صورته الأولية جزء من الهيكل العام للمجتمع ، أي مجتمع ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يجب على أن تتحرر وسائل الإعلام من الوصايا المفروضة عليها ، طالما أعلنت توقيعها على ميثاق الشرف الصحفي . بعض المبررات في صورة قواعد ومحاذير ، هي في حقيقة الأمر معطّلة لدورها التوعوي والتنويري من أجل إيجاد بيئة صحية المجتمع والأفراد في آنٍ . وفي هذا الخصوص ؛ ينبغي مخاطبة المؤسسات المعنية ،وحثها على المشاركة بإجراءات فعالة ، لدعم حرية التعبير طالما لا تتعارض مع القيم والأخلاق العامة للمجتمع ، كما ينبغي لهذه المؤسسات مقاوِمة لكل أشكال الممارسات الاحتكارية ؛ وليس كما هو المتبع الآن بمعاقبة المخطئين ، بل أيضًا إثابة المجيدين في كل المجالات . أظن أن تلك الخطوات سوف تمثل إضافة بالغة الأهمية في عملية خلق مجتمع صحي ، مساعد للمنظومة التعليمية في معالجة نواحي القصور بها .
يجب الإقرار أن هذه الوسائل بمختلف أشكالها ، ناقلة للواقع ، لكن الخطورة تكمن في المبالغة والتضخيم ، والتزييف أحيانًا لبعض التفاصيل البسيطة المرتبطة بالحدث المنقول في فيديو ، أو غيره من وسائل العرض على الإنترنت ، فكثير مما نشاهده يتم قبل عرضه إضافة بعض التوابل إليه ، لجعل الخلطة المعروضة " حِرشة " ولها نكهتها خاصة ، لكن الأمانة ، والموضوعية تقتضي تحميل العواقب الناجمة عن فعل النشر مناصفةً بين الاثنين : الإعلام وقطاع كبير من جمهور وسائل التواصل ، تلك التداعيات حدثت وتحدث من جرّاء رغبة البعض الحصول على الشهرة ، وإن أمكن المال ، من خلال ما يُعرف بال " تريند " على حساب تشويه سمعة وشرف الأبرياء ، والغير قادرين على الذود عن أنفسهم ، ومن قبيل التجاوز ؛ يتم إفشاء خصوصيات الآخرين ، هذا وأكثر منه يتم تداوله ببساطة ، وبإتاحة كاملة توفرها للانتهازيين وسائل التواصل ، بمأمن من الرقابة الاجتماعية ، وفي كثير من الأحايين تمكنها هذه الوسائل من الإفلات من القانون ..!!
دعنا أولاً نعترف بوجود صعوبة في الاتفاق على مفهوم القدوة ، وإن كان يمثلها شخص ، أو منجز ثقافي ، أو حدث تاريخي له الأثر الأكبر في وجدان الناس ، في عصر أصبحت الغلبة فيه للدافع المادي ، والأولوية له على كل ما عداه من الدوافع .
أخبار متعلقة :