بوابة صوت بلادى بأمريكا

يس العيوطي يكتب : أمريكا أسير في قبضة الدستور

لسنا بصدد تحقير نظام الحكم في امريكا. نحن بصدد تحقير ماتنادي به واشنطن من ايمانها  بـأنها خير نظام حكم في العالم مع الاستثناء. هذا الاستثناء هو حكم سليمان في عصر ماقبل التاريخ. من تواضع لله رفعه. وامريكا كنظام حكم لايعرف التواضع. امريكا وهي قارة تتألف من خمسين دولة تسمى بالخمسين ولاية تؤمن بما قاله الرئيس ريجان "نحن مدينة النور فوق قمة الجبل".
هذه المبادئ تدرس في المدارس في مادة اسمها "المدنية" اي civics ابتداءا من اولى ابتدائي حتى رابعة جامعة. على المواطن الامريكي ان يثبت أصالته بالإيمان بـ" الاستثنائية الامريكية". يترجمون الغنى المادى بأنه دليل رباني على ان امريكا خليلة الله. نجم عن هذه النظرية ان وضعوا خطاً فاصلاً بين "الصالح" و "الطالح".
آمنوا بـأن كل ما هو امريكي صالح، وكل من يرفض هذا فهو طالح.
حينما تطأ قدما المهاجر الارض الامريكية، يقولون لهم "كن امريكياً". وان كنت هندياً مثلاً فعليك بالامركة الفورية بالتخلص من موبقات أصلك الحضاري، ولكنتك حين الكلام بالانجليزية.
غير ان التاريخ يكذب هذه الاستعلائية ويصفها بـ "الشوفينية" وهى كلمة تعني "أنصر امريكا ظالمة او مظلومة". لايوجد فى امريكا تاريخ لابادة الهنود الحمر. لايوجد فى امريكا معاهد تدرس الحضارات الاخرى. لايوجد فى امريكا زخم علمي لدراسة العالم كما هو. لكن هناك العديد من وسائل التعليم والرعاية للأمركة.
وأدى هذا كله الى غرق امريكا فى صراعات في بلدان تبعد عن شواطئها بآلاف الاميال. وهذا يتعارض مع نصائح زعيم الاستقلال الامريكي عن بريطانيا أثناء حكم الملك جورج الثالث، وهو جورج واشنطن. ضاعت الجوهرة الامريكية من التاج البريطاني، وهرب الداعون الى المواطنة البريطانية الى كندا التي تعتبر ان الملكة اليزابيث الحالية هي رئيسة الدولة الكندية.
واقع الامر ان النظام الكندي اثبت انه افضل من النظام الامريكي لأنه نظام يجلس في برلمانه الهنود الحمر. أما الهنود الحمر فى امريكا فهم اما في القبور او في مناطق محددة ومحاصرة تسمى Reservations . أي اراضي قاصرة على إقامة الهنود الحمر وهم من بقوا بعد المذابح التى تعرض لها اسلافهم والاستيكة التى محت تاريخهم نوع من خليط بين الابادة العنصرية والابادة الحضارية، قوانينها من صنع وزارة الداخلية الامريكية. وهي وزارة تعني بالارض والبيئة والاشجار والانهار والطيور والاسماك لاعلاقة لها بالامن. انك لاتجد في مجلس العموم البريطاني اوجه سوداء او بنية ولكن تجد فى كندا بقسميها الانجليزي والفرنسي هذا التنوع العنصري. ذلك لان لكندا استقلال كامل بأستثناء الاعتراف بملكة بريطانيا كرئيس للدولة. وهي رمز فحسب ليست لها سلطة الحكم وسلطة وضع القرار.
للدستور الامريكي الذي وضع عام 1787 له قدسية واحترام يجعلان فيه موازاه مع الانجيل. ويوم 4 يوليو من كل عام وهو اعلان استقلال الولايات المتحدة عن الوطن الام يوازي في الاحتفال به مايقوم به العالم الاسلامي بالاحتفال بعيد الهجرة.
وبما ان الدستور في كل دولة هو القانون الاساسي، أي جذر الشجرة القانونية نجد ان الاضطراب في الديمقراطية الامريكية يعود الى العوار فى الدستور الامريكي. وهو عوار يكاد ان يستحيل تصحيحه. لماذا؟ اولاً على مجلس النواب ان يقترح برنامج التعديل. ثم على مجلس الشيوخ أن يوافق على ذلك القرار. ثم على كل مجلس تشريعي في كل ولاية ان يوافق على التعديلات المقترحة بأغلبية عظمى، وهى الثلثان. اهم عوار فى الدستور الامريكي الذي تحتفل به امريكا كل عام في الرابع من شهر يوليو هو السماح لكل مواطن ان يحوز على السلاح ويحمله. هذا على الرغم من ان هذا النص (التعديل الثاني) قد وضع قبل ان يكون فى امريكا ادارة شرطة او حتى جيش اذ كان الجيش مجرد ميليشيات لكل ولاية.
نجم عن هذا العوار شئ غريب بالنسبة للأمن فى الشارع الامريكي. قتل الامريكيون الأمريكيين بمعدل 800 فى العام الماضي. قارن هذه النسبة بما حدث فى كندا. عدد الوفيات ثمانية فحسب نتيجة اطلاق الكندين اعيرة نارية على المواطنيين الكنديين. 800 بامريكا بالمقارنة بـ 8 في كندا اي واحد فى المائة.
هذا من ناحية الامن اللذي يسمح لأي امريكي او امريكية ابتداء من سن الـ 16 شراء اي نوع من الاسلحة ولو كانت أسلحة حربية من عيار 15 RA كما لو كان يشنري ايس كريم او هامبورجر او رغيف. والامر بنفس البشاعة بصدد الانتخابات. انا كمصري مقيم بالخارج لي الحق فى انتخاب رئيس جمهورية مصر العربية. وحينما اختار الرئيس السيسي مثلاً يتم احصاء صوتي مباشرة للرئيس السيسي. ولكن حينما اصوت في الانتخابات الامريكية كمواطن امريكي فإن صوتي يوجه الى مايسمى بـ " المجمع الانتخابي" electoral college هذا تشويه للديمقراطية. صوتي يذوب في مياه هيئة لااعرف اعضائها ولا ادري بإنتمائاتها الايدلوجية.
طيب الامر لله ولاحيلة لنا في تغيير هذا النظام وهو "لانظام" ان حاز المرشح الرئاسي على 270 صوت او اكثر من اصوات المجمع الانتخابي دخل البيت الابيض على سجادة حمراء، وأنشدوا والنشيد القومي Say Can You See Oh، ثم دقت موسيقى المارينز أنغام Hail To The Chief يحيا الرئيس وكأنه موسوليني في روما او Heil Hitler في برلين.
ثم ماذا من مصائب الدستور الامريكي؟ لكل ولاية عدد من النواب بحسب آخر إحصاء رسمي وهو كل عشر سنوات. ولكن السيارة الامريكية تنقل الناس من ولاية الى ولاية إذ هناك عرف اسمه عرف الثقة بالولاية State Faith and Credit. كل ولاية تعتبر ذات سيادة، وكل السيادات الخمسين متساوية. إن ارتكبت جريمة فى نيويورك، وهربت الى كاليفورنيا فإن كاليفورنيا مرغمة قانونياً إن تسلمك الى الولاية التى هربت منها مكبلاً بالأساور الحديدية.
ولكن القوانين الداخلية فى كل ولاية تختلف عن قوانين الولايات الاخرى.
نجم عن هذا أن الشركات التى تبغى التسجيل تختار الولاية التى يسهل فيها التسجيل وتخفيض التكاليف. وأهم هذه الولايات هى ولاية ديلاوير Delaware. ولذا تسمى بولاية الشركات. تسجل الشركة فى ديلاوير وتدير الشركة فى ولاية بنسلفانيا. ولذا تتضاعف أرباح الهاربين من ولاية الى ولاية. ويتجلى هذا التناقض فى مسألة الاجهاض. قالت المحكمة الامريكية العليا أخيراً أن ليس للمواطنة الأمريكية حق الإجهاض نتيجية لإلغاء قانون Roe vs.Wade وردت المواطنة الامريكية بما يعادل حظ فى المحكمة الامريكية العليا التى يتسود فيها المبشرون الإنجيليون!! سوف اسافر الى الولاية المجاورة حيث بها عشرات عيادات الاجهاض. 
قرار منع الإجهاض الذى صدر من المحكمة الأمريكية العليا قد يؤدى الى إضعاف المحكمة ذاتها عن طريق زيادة اعضائها من 9 الى 15 وهى محكمة لم يحدد الدستور الأمريكى صلاحياتها. الدستور ترك هذه الأمور غامضة إذ أن الغموض هو طريقة الحلول الوسطى التى تؤجل الحلول الحقيقية.
وماذا عن المال؟ قررت المحكمة الامريكية العليا، وهى تضارع محكمة النقض كأعلى محكمة، أن للمال حق التعبير؟ جعلوا الدولار ينطق بقدرة قادر؟ الورقة الخضراء تتكلم وتملى ولها حق تأخير صياغة القوانين عن طريق ممارسة الـ Filibuster ومؤداها اللجوء الى الأساليب التعويقية لتأخير عمل المصادقة على مشروعات القرارات.
يقولون ان الـ Filibuster هو جزء من حرية التعبير. ولكن ماذا عن كونه يمنع حرية الآخرين من التعبير او حتى المصادقة على مشروعات قرارات . انه سرطان حرية التعبير.
التناقضات تتزاحم وهذا شئ اصبح طبيعياً في النظام الامريكي. يقولون ان المناظرات الكلامية تؤدى الى الخروج بأحسن الحلول. ياسلام؟! اين المفر من ادوات التعطيل، خاصة ان المحكمة الامريكية العليا اصبحت نفسها اداة التعطيل؟
الخلاصة ان المال اصبح له لسان، وهذا اللسان أصبح فى امكانه ان يشترى رجال ونساء الكونجرس. والتبرعات المالية للمرشحين معفاة من الضرائب وهذا يفسر صعود ترامب الى البيت الابيض. هذا على الرغم من أن الكونجرس قد قرر مرتين أنه أساء استخدام صلاحياته كرئيس للجمهورية، وضحك ترامب من هذه التهم التى لن تؤدى به الى السجن ولن تمنعه من الترشح عام 2024 للعودة الى البيت الابيض.
بل ان اعلانه بالنية على الترشح، أدت الى استمرار تمويله وضخ الملايين من الدولارات الى منظمة ترامب. يقول أنصار ترامب ان انتخابات عام 2020 كانت فاسدة لأن أجهزة إحصاء الأصوات كانت من صناعة الصين. 
هذه هى الاستثنائية الامريكية . القانون يخلد الفوضى وامريكا اسير في قبضة الدستور.

أخبار متعلقة :