الإنسان فى مواجهة الرأسمالية المتوحشة، إلى أى درجة سيصل انسحاقه؟ هذه هى «لعبة الحبّار» الذى لا يبخ الحبر فقط، بل يبخ السم فى شرايين وأوصال الحياة، مسلسل كورى التف العالم حول الشاشات والموبايلات والآى بادات لمتابعته، تلهث الأنفاس فى كل حلقة لمتابعة من سيظل حياً ومن سيموت ومن سيكسب ومن سيخسر. لعبة الحياة القاسية التى تصل أحياناً إلى درجة العبث، رائحة شبح كورونا التى تختطف الأرواح بنفس اللامنطق كنت أشمها عبر الشاشة، هى لعبة مقامرة بنفس رهانات لعبة الحبّار، هؤلاء البشر الذين تجمعهم تلك الجزيرة الغامضة ونفس الغرق فى الديون ونفس الحاجة إلى المال، يذهبون بملء إرادتهم للدخول فى سباق ست ألعاب، الخاسر فيها ميت، يدخلون اللعبة وهم لا يعرفون شروطها أو ماهيتها، هل ستحتاج تلك اللعبة إلى القوة أم السرعة أم الذكاء؟ تضيق الاختيارات تدريجياً حتى تصل إلى قتال شخص ضد صديقه وجاره! تنمو علاقات إنسانية بين الجميع، بخيرها وشرها، بالحميمية والجفوة، جدارية بلون الدم، بنفس صبغة أنياب حياتنا اللامبالية.
عبقرية المسلسل فى إيقاعه المتوتر الذى يجعلك على أطراف أصابعك طيلة الخمسين دقيقة مدة الحلقة، ورسم الشخصيات بدقة جواهرجى الألماظ، الأب السائق الفاشل فى حياته الأسرية، المصرفى الفاسد الذكى، رئيس العصابة ذو الوشم الثعبانى الذى بلا قلب، الهاربة من كوريا الشمالية، العجوز الذى يعانى من ورم المخ والذى نكتشف فى النهاية أنه هو المفاجأة، هو الذى دبّر كل تلك اللعبة ليكسر ملل ورتابة حياته هو وأصحابه المليارديرات، فئران تجارب يلعبون لعبة الموت، اختيار الألعاب يجعلك تستعيد طفولتك بشقاوتها وبشرها أيضاً، تتحول الألعاب من دعابة وقتل فراغ إلى كابوس وقتل روح، لعبة إشارة خضراء وحمراء مثل الكراسى الموسيقية لكن من يتحرك بعد النداء يُقتل، لعبة شد الحبل، من يخسر يسقط فى القاع، فطيرة العسل، من لا يضبط الشكل الهندسى يُقتل، لعبة الكريات الزجاجية، من يخسر الرهان ويخطئ التخمين يُقتل، لعبة ممرات الزجاج، من يدوس على الزجاج الهش يتهاوى، حتى نصل إلى لعبة الحبار الأخيرة، حيث المهاجم والمدافع، والتى لا تنتهى إلا بموت متنافس وحياة الآخر.
شاهدت لقاء مع كاتب ومخرج المسلسل الذى قال إنه بدأ فى كتابته منذ عشر سنوات وتبلورت رؤيته فى زمن ترامب، وقال إنه خسر عشراً من أسنانه من فرط التوتر أثناء كتابته وصناعته، وله كل العذر، فدرجة حرارة المسلسل تتجاوز حرارة قلب المفاعل النووى، بالطبع الحديث عن الإمكانيات والديكورات والتصوير وقيادة الممثلين والبيرفيكشن فى كل تفصيلة يحتاج إلى مجلدات، ويأتى السؤال الأخير فى الحلقة التاسعة عندما طرح العجوز سؤالاً: هل ما زلت تثق بالإنسان؟ وراهن على أن العجوز السكير الملقى فى الشارع مثل كيس القمامة لن يسأل عنه أحد، لكنه خسر الرهان، هناك ثمة أمل فى أن تنتصر الإنسانية على العبث، ولا بد من إعادة المنطق للعبة الحياة، حتى تصير متعة وبهجة بدون دم وبدون خوف.
أخبار متعلقة :