بوابة صوت بلادى بأمريكا

كيف أكون وأنتم تحطمونني ؟.. بقلم المحامية: ناديا سليمان يوسف

 

كيف أطيعك وأنت لاتستمعين لي؟

مازالت ترن هذه الكلمات في أذني كقرع الطبول

 عبارة من يسمعها أو يقرؤها يقول في نفسه مالجديد في ذلك؟؟

 هي ليست مجرد كلمات هي حرقة وغصة في قلب كل فتاة أوشاب في هذا المجتمع الشرقي

  لم يتعود أهلهم والمجتمع  على رؤيتهم و معاملتهم كبشر

هذا ما رأيته للأسف في الحديقة العامة عندما دوّت صرخة الفتاة التي أعتقد أنها لم تبلغ عامها الرابع عشر مع ثلاثة من أشقائها ووالدتها كانوا خلفي تماماً ..

 وأمامي كان شابان صغيران في عمر المراهقة  والنَّاس من حولنا وفجأة سمعت صوت  شيء ما  وصراخ من الفتاة وكلمات كزخ المطر من الشتائم التي لم أميزها جيداً  تُسمعها الأم للشابة الصغيرة  والفتاة تحاول جاهدةً الشرح لوالدتها  ولكن عبث لا تريد الأم معرفة القصة و بغض النظر عن الفعل المرتكب  أو الجرم فهو لايستحق هذا التصرف بأن تضرب أم ابنتها أو ولدها في مكان عام

الكثير منا يقول هذا يحدث كثيراً  و البعض الآخر يقول  أين الخطأ في ضربها لو لم تستحق ذلك لما فعلت الأم وآخرون يستهجنون الأمر و تكثر الآراء وتتباين بين مع و ضد.. ليس هنا مربط الفرس وإنما في خلفية هذه الحادثة والآثار الجانبية التي تولدها ويندرج ذلك في شقين للقصة 

أولاً من ناحية تصرف الأم الذي لايمكن تفسيره إلا بأنها كانت تلقى نفس المعاملة ونشأت عليها أو لعلها تتعرض للضرب من زوجها أمام أولادها. فتفعل هي المثل أو ربما هناك سبب آخر يتعلق بالحالة الاجتماعية والاقتصادية لهم

ومن الناحية الثانية أثر هذا التصرف على الفتاة نفسها ويأتي هذا في منحيين بداية الأثر الآني الذي شعرت به وهي المهانة والذل الذي انتابها وخاصة أنها في عمر يقال عنه أخطر سن يمر به الإنسان وهو المراهقة التي تتطلب معاملة خاصة 

فالمراهق يشعر في تلك الفترة  بكيانه ووجوده واستقلاليته ويحاول  التمرد على أهله

 أما الأثر البعيد أو الذي سيظهر معها في المستقبل معاملة أولادها كما عوملت بحيث تصبح نسخة ثانية عن أمها للأسف مازال مجتمعنا الشرقي يتعامل بهذا الموضوع وكأنه أمر ثانوي مع العلم أن تربية الطفل من أصعب وأهم الأمور هي ليست مجرد طعام وشراب وكساء هي مسألة خلق الإنسان الخلاق المبدع القادر على المواجهة  هي باختصار الحاضر والمستقبل الذي سيكون هذا الشاب هو الأساس فيه وقد وعى الغرب هذا الأمر لذلك أدخل الكثير من الأساليب الحديثة في التربية منها العناية الصحية والنفسية و الحنان والابتعاد عن العنف والحرمان ومقارنة مع الشعوب العربية فمن الملاحظ أن أغلب الشباب العربي يعاني من اهتزاز في الشخصية رغم الانفتاح على العالم الخارجي واتباع أساليب الغرب ومواكبة التطور التكنولوجي والرقمي

وهنا لا أتحدث فقط عن الطبقات الفقيرة حتى في المجتمعات الغنية نلاحظ نفس الأمر إن لم يكن أكثر سوءاً.

 الخطأ في الأساس أسلوب التربية ونشأة الطفل حيث يولد وتولد معه المعاناة وتنقصه الكثير من العناية الصحية، والبيئة السليمة للحياة والتربية سواء في المنزل أو المدرسة أو المجتمع لطالما تتردد عبارات في أغلبها عيب حرام الله سيحرقك بنار جهنم الناس ماذا ستتكلم عنك كما أنه يعتمد اُسلوب المنع والشدة والقهر ومن الدلائل المستمدة من الواقع والتي لمسناها لمس اليد هو العنف الأسري والضرب بحجة التربية السليمة وما يحمل الأهل بعض الأفكار الخاطئة بأن الضرب يربيه ويجعله مستقيماً وأكثر أدباً .

والنتيجة  تكون محو شخصيته وخلق حالة من الضعف والخوف الدائم من الفشل ثم العقاب

اذا كنّا نريد للمجتمع أن ينهض فعلينا البدء من اللبنة الأساسية وهي الأسرة التي يبدأ منها تكوين شخصية الإنسان من الضروري منح  الطفل حقه بأن تكون له شخصيته المستقلة والجريئة وزرع الثقة لديه بنفسه أولاً ثم بالآخرين أما ما يحدث في كثير من المجتمعات هو عكس ذلك تماماً حيث يفرض عليه نمط معين من التربية بحجة ان الأهل يعلمون مصلحة أبنائهم  أكثر ويبدؤون بممارسة السلطة وفرض الأوامر وعدم السماح لهم بتحقيق ذاتهم من خلال اختيار رغباتهم حتى أبسطها إن كان الطعام أو اللباس أوالأصدقاء أو نمط اللعب ومستقبلاً فروع الدراسة وهذا ما يؤثر عليهم سلباً ويخلق عندهم تباعاً ضعف الشخصية وعدم القدرة على اتخاذ القرارات

وقد زادت حالة تسرب الأولاد  من المدارس وتجاهل الآباء لرغبات اولادهم بالتعلم وخلق بعض الحجج لإخراجهم مثلاً العلم لاينفع وأن العمل الحر هو أفضل ويدر الأموال والثروة ضاربين بعرض الحائط رغبة الأولاد  بمتابعة الدراسة وخاصة في هذه الأيام وماتعاني منه الشعوب العربية من أزمات و حروب واضطرابات داخلية

 وفي مكان أخر نلاحظ المغالاة في إعطاء الحرية للولد ليخرج من كنف أسرته مودياً به إلى عالم مجهول

حتى هذا غير محبذ فلكل شيء حدود يجب عدم الخروج عنها وإلا تأتي النتائج عكسية

من الواجب علينا تنشئته التنشئة السليمة  والحنو والعطف ومراعاة مشاعره وبأن له شخصيته المستقلة عنا ليس بالضرورة أن يكون نسخة مكررة عني وعندما نتخلص من قيود السيطرة وفرض الرأي وبأنني أدرى بمصلحة أولادي نتخلص من الرواسب المجتمعية وبالتالي نكون قد سرنا في بداية الطريق الذي سيؤدي إلى خلق جيل من الشباب القادر على العطاء وبقدر مانصادق أولادنا ونعلمهم الحب والصدق والثقة والقدرة على الاختيار بين الصواب والخطأ وأن نرشدهم ونكون القدوة الحسنة لهم في كل شيء نحقق مانصبو إليه

هناك الكثير من الأمور التي هي مجال للبحث والتقصي و التي لها التأثير على بنية الطفل سواء إيجابياً أو سلبياً إن أي انحراف للشاب لايأتي منه بشكل مباشر وإنما يكون نتيجة ثقافة ومفاهيم المجتمع والاستقرار الأمني والاقتصادي والحالة الاجتماعية وعندما نتهم الجيل بأنه فاشل واتكالي وعديم الأخلاق والمبادىء فإننا نظلمه ونعتبره الشماعة التي نعلق عليها أخطاءنا وفشلنا لأننا نحن من وضع القواعد ونحن من نمثل له القدوة والإصلاح يبدأ بالفرد نفسه لينطلق للآخرين وخاصة أولاده

عجلة الحياة تدور ولا تتوقف و ما كان بالأمس صواباً ليس بالضرورة أن يكون الآن ملبياً للطموح لأن كل شيء قابل للتغيير والتبدل ولذلك قالوا لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم فإنهم خُلقوا لـزمان غير زمانكم

أخبار متعلقة :