هذا العام هو الأكثر استدعاء لقدرة الدين السياسى على الخراب. الذكرى الـ20 لأحداث 11 سبتمبر 2001 تستدعى 100 درس وعبرة. ولعل أبرزها أن كلًا منّا عقله فى رأسه يعرف خلاصه. هناك مَن يرى أنه «تمام» وليس فى الإمكان أفضل مما هو عليه. وهناك مَن يعتقد أن المؤامرات التى تُحاك له من آخرين تتربص به. وهناك مَن يرى أنه «كينج العالم» وقوته العظمى الوحيدة. وهناك مَن يرى أنه صفر على الشمال، وعليه أن يأتى بأفعال شمال حتى يحظى بحماية ودعم. وقائمة الاعتقادات طويلة.
فى الذكرى العشرين لأحداث 9/11 التى فتحت صفحة جديدة من صفحات «النظام العالمى الجديد»، حرىٌّ بنا أن نتوقف ثلاث دقائق. دقيقة لنتذكر مَن هلَّل وكبَّر لما جرى فى أمريكا فى مثل هذا اليوم قبل 20 عامًا باعتباره نصرًا للإسلام والمسلمين وبينهم ناس يعيشون بيننا اليوم، ودقيقة لننظر إلى ما جرى لأفغانستان من «تأديب وإصلاح» لأنها تؤوى جماعات الإسلام السياسى العنيف (وجميعها عنيف بالمناسبة) مع نظرة أشمل لدول «المنطقة الإسلامية» وحالها اليوم. ودقيقة حدادًا على الضحايا الذين فقدوا حياتهم فى هذا اليوم الدامى قبل 20 عامًا، بالإضافة إلى آلاف الضحايا الذين قضوا على أيادى الإسلام السياسى بدرجاته وفئاته من إخوان مسلمين وداعش والقاعدة وطالبان والنصرة، والقائمة أيضًا طويلة جدًا، وبالمناسبة على قيد الحياة وتعمل بكل همة ونشاط فى مدارس ومعاهد ومساجد وأحياء ودوائر عمل وغيرها.
ولأن هناك ميلًا كبيرًا إلى تعليق كل الإخفاقات والتعثرات على شماعة المؤامرة الغربية الصهيوليبرالية، التى تُحاك ضد المتدينين المسالمين، فإن رأيى المتواضع هو أن نضع مسألة المؤامرات فى المرتبة الأخيرة، ونبدأ فى تطهير أنفسنا بأنفسنا، فأمريكا حين توجهت إلى أفغانستان لـ«اقتلاع جذور الإرهاب» و«بناء دولة ديمقراطية» تركتها بعد عقدين وسلمتها «على المفتاح» إلى الحركة نفسها التى دعتها إلى خوض حرب هى الأطول فى تاريخها. ولأن هناك إغراقًا فى تصديق أن الغرب لا يفهم سماحتنا ولا يهضم مقدار المحبة والسلام والوئام التى ينضح بها «مفهومنا» عن الإسلام، والذى تفجر عن بكرة أبيه فى سبعينيات القرن الماضى وقبلها بعقود من خلال تأسيس جماعة الإخوان، وأنه غارق تمامًا فى «الإسلاموفوبيا»، فإن البشرية حين تستيقظ بين الحين والآخر على أحدهم طعن أو فخّخ أو فجّر أو ذبح البعض وهو يُكبِّر، أو جماعة أو حركة تعتبر النساء رجسًا أو خيمة ينبغى أن تلتزم البيت لاستخدامات معينة، أو فتاوى تصدر لتشرح ما إن كانت المرأة إنسانًا أم شيطانًا، وهل تحية غير المسلم حلال أم حرام، بينما مَن صدّروا لنا هذا الفكر المدمر لا يكتفون فقط بتحية غير المسلم، بل يتاجرون وينتفعون ويفاوضون ويفيدون ويستفيدون منه بلا أى حرج الآن، فربما حان الوقت لفصل الدين عن السياسة. ولنلعب سياسة بقواعدها، ونعتنق الدين بقيمه دون خلط ما لا يمكن خلطه.
أخبار متعلقة :