بوابة صوت بلادى بأمريكا

الأستاذ الدكتور صبري أبو حسين يكتب: دور الأزهر الشريف في تحقيق الأخوة الإنسانية

​الأخوة الإنسانية(human brotherhood) قيمة كونية عليا، وشعار عالمي عالٍ، يشيع في آننا هذا، ويدعو إليه القادة الدينيون والحكماء فيإرساء كل حضارة وكل ثقافة وكل نظام؛ محاربة لكل تعصب وكل عنصرية وكل استعلاء وكل إقصاء ونبذ وكل فوبيا! مما نجده كل يوم في بقاع وحضارات مختلفة بالكون!ويقصد بـ(الأخوة الإنسانية) ذلك السلوك السامي الذي يرتبط بالعلاقة بين أفراد البشر، تلك العلاقة التي ينبغي أن يكون قِوامُها الاحترام والإحسان والرحمة، وأن الإنسان يرى في الآخر أخًا له، عليه أن يؤازره ويحبه، وأن يقدم له الخير، لا سيما من كان من الضعفاء والأكثر احتياجًا وعوزًا.  والأخوة إنسانية فكرة مثالية تنظر نظرة سواء إلى البشر جميعًا، وتدعو إلى أن الإنسان لا يختلف عن غيره إلَّا بالتقوى والعمل الطيب الصالحالإيجابي البناء، فيعتني بالخليقة والكون كله إعمارًا وإصلاحًا. ودعاة الأخوة الإنسانية يرون أن الإرهاب البغيض الذي يهدد أمن الناس، سواء في الشرق أو الغرب، وفي الشمال والجنوب، ويلاحقهم بالفزع والرعب وترقب الأسوأ، ليس نتاجًا للدين - حتى وإن رفع الإرهابيون لافتاته ولبسوا شاراته - بل هو نتيجة لتراكمات الفهوم الخاطئة لنصوص الأديان وسياسات الجوع والفقر والظلم والبطش والتعالي!

فليست الأخوة الإنسانية شعارًا أجوف، بل إنها ذات مبادئ فكرية رئيسة، هي: 

وحدة الأصل البشري:
فالناس كلهم من أصل واحد، من آدم وحواء؛ فهم إخوة في الآدمية والبشرية، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[الحجرات:13]، وهذا المفهوم القرآني الكريم هو المذكور في قول الإمام علي بن أبي طالب–رضي الله عنه-: "الناس صنفان :إما أخ لك في الدين أو أخ لك في الخَلْق".

 الأصل الكريم المفضل على بقية المخلوقات:
قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾[الإسراء:70].

مبدأ الرحـــمـــة للـعــالمـين:
قــــــــال تـعـــــــــالـى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. وفي الحديث النبوي الشريف عن سيدنا أبي موسى الأشعري أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال:"لَنْ تُؤْمِنُوا حتى تراحمُوا. قالوا : يا رسولَ اللهِ ! كلُّنا رَحِيمٌ. قال : إنَّهُ ليس بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صاحبَهُ، ولَكِنَّها رَحْمَةُ العَامَّةِ". نعم رحمة عامة للناس جميعًا: مسلمهم وغير مسلمهم، وعربيهم وعجمهم، أبيضهم وأسودهم، غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم...

التحاور والتعارف:
 حيث يتقابل الناس، ويتحاورون ويتعارفون، وهذا من وظائف الخلق البشري في هذا الكون. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات:13]، وقال الله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَاوَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت:46]، وقال: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾[البقرة:83]، أي: كلموهم كلاما طيبًا، ولينوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف.

السلام والخـير والمحبة للناس جميعًا:
وإن المسلم-في ظلال السنة النبوية الشريفة والسيرة النبوية العطرة- مطالب بأن يقدم السلامة لكل الناس بلا تمييز أو عنصرية. وهو كذلك مَنهيٌّ ومُحَذَّرٌ بألا يصدر عنه رعب أو عنف أو ترويع لأحد سواء أكان مسلمًا أو غير مسلم؛ ففي الحديث :"المسلم من سلم (الناس) من لسانه ويده"، وروي في خطبة حجة الوداع أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- قال: ألا أخبركم بالمؤمن؟ مَن أَمِنَه (الناسُ) على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم (الناس) من لسانه ويده".كما قال  -صلى الله عليه و سلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس"، فالسلام والأمان والنفع متطلبات نبوية شريف من كل مسلم ومسلمة في كل زمان ومكان للناس، كل الناس جميعًا، بلا استثناء أو تمييز أو إقصاء!.

6-التعايش بين الناس بلا تعصب لدين أو لغة أو جنس أو عرق:
 فالعصبية محرمة ومرفوضة في الإسلام، نهى عنها النبي فقال:" دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ، وقال:" يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتعظمها بالآباء، الناس من آدم ، وآدم من تراب" وقال: "ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو من قاتل من أجل عصبية، أو من مات من أجل عصبية". 
أداء الحـقــوق الإنسانية السامية :
وهي حق الحرية والاعتقاد، وحق العدل والمساواة، وحق حفظ الدماء والأعراض والأموال، وحق الأمن والحماية من الاعتداء، وحق الكرامة الإنسانية وحسن المعاشرة. قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ﴾[المائدة:1]، وقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَمَسْئُولًا﴾[الإسراء:34]، فللآخرين ما لنا، وعليهم ما علينا، فنتجنب سبهم وسب معبوداتهم، وأذيتهم، وغشهم وخداعهم، وعلينا الجدال والنقاش مع الآخرين بالتي هي أحسن، والتسامح معهم والعفو عنهم، والتعاون معهم على البر والإحسان والصلاح والإصلاح؛ فالأخوة الإنسانية في الإسلام تقوم على التكريم والمساواة والاتحاد والتعاون والتعارف والتسامح والود والتراحم،وقد شاعت هذه التعاليم والمبادئ وطبقها المسلمون في جميع أرجاء الأرض، فتأثرت بها أهل حضارات وثقافاتو أديان... من ذلك تلك المقولة المأثورة عن  الأديب الفرنسي الكلاسيكي “ميشيل دي مونتين[ت1562م]، ورائد فن المقالة الحديثة”: “كل إنسان يحمل في داخله الشكل الكامل للشرط الإنساني”، وتلك المقولة المأثورة عن المهاتما غاندي(ت1948م): "يصبح الإنسانعظيماً تماماً بالقدر الذي يعمل فيه من أجل رعاية أخيه الإنسان"، وتلك المقولة المأثورة عن (“مارتن لوثر كينغ) –الناشط السياسي والإنساني المعروف المتوفي سنة 1964م:" علينا أن نتعلم كيف أن نتعايش جميعا كبشر وكإخوة، وإلا فسوف نموت جميعًا كأعداء وكأغبياء"...

وهكذا تكثر المقولات الإنسانية الراقية والجامعة للبشر، عن كل حكيم وعن كل عاقل في عصرنا هذا، وقد دعا إلى القيمة الإنسانية العليا إسلامنا الجميل منذ أربعة عشر قرنًا، في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية الشريفة، وطبقت في سلوكيات بالسيرة النبوية العطرة، وبالتاريخ المجيد للصحابة والسلف الصالح، رضوان الله عليهم أجمعين ...نسأل الله أن يجعل كل المسلمين صالحين مصلحين في هذا الكون ووسط هؤلاء البشر أجمعين، وأن يحفظ وطننا وأمتنا وكوننا من الإرهابيين والمتطرفين والمتشددين الموتورين، ودعاة الحرب والصراع والخراب والفتن والفوضى...

هذا، وللأزهر الشريف دور بارز فاعل في الدعوة إلى الأخوة الإنسانية، وذلك من خلال( وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك (Document on Human Fraternity for World Peace and Living Together) ، التي هي بيان مشترك وقعه البابا فرانسيس من الكنيسة الكاثوليكية والشيخ أحمد الطيب الإمام الأكبر للأزهر،  في 4 فبراير 2019 في أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة.وثيقة تقرر أن التعاليم الصحيحة للأديان تدعو إلى التمسك بقيم السلام وإعلاء قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك، وأن الحرية حق لكل إنسان: اعتقادًا وفكرًا وتعبيرًا وممارسة، وأن التعددية والاختلاف في الدين واللون والجنس والعرق واللغة حكمة لمشيئة إلهية، قد خلق الله البشر عليها، وجعلها أصلاً ثابتًا تتفرع عنه حقوق حرية الاعتقاد، وحرية الاختلاف، وتجريم إكراه الناس على دين بعينه أو ثقافة محددة، أو فرض أسلوب حضاري لا يقبله الآخر، وأن العدل القائم على الرحمة هو السبيل الواجب اتباعه للوصول إلى حياة كريمة، يحق لكل إنسان أن يحيا في كنفها، وأن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءا كبيرا من البشر، وأن الحوار بين المؤمنين يعني التلاقي في المساحة الهائلة للقيم الروحية والإنسانية والاجتماعية المشتركة، واستثمار ذلك في نشر الأخلاق والفضائل العليا التي تدعو إليها الأديان، وتجنب الجدل العقيم، وأن حماية دور العبادة، من معابد وكنائس ومساجد، واجب تكفله كل الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية، وكل محاولة للتعرض لدور العبادة، واستهدافها بالاعتداء أو التفجير أو التهديم، هي خروج صريح عن تعاليم الأديان، وانتهاك واضح للقوانين الدولية"، ولا يقوم بالدعوة إلى هذه القيم الإنسانية غير الأزهر شيخًا وشيوخًا، جامعًا وجامعة ومجمعًا، حيث الفكر الأزهري الوسطي المستنير، للإسلام الحنيف قرآنًا وسنة، الذي يحقق الأمن الفكري لجميع الخلق، ولكل المخلوقات، إن شاء الله تعالى...

 

أخبار متعلقة :