عانت مصر ولا تزال نتيجة السياسات الخاطئة التي رسمتها بغرض النهوض بالعملية التعليمية ، والتي اصبحت مثقلة بكثير من المشاكل جعلتها تعزف منفردة بعيدا عن الدول المتقدمة ، وجعل المؤسسات العالمية المهتمة بالشأن التعليمي للدول تحجز لها مكانا ثابتا في ذيل تصنيفاتها ، جدير بالذكر ان مؤشرات المنتدي الاقتصادي العالمي ٢٠١٧ م وضعت مصر في نهايات تصنيفها فيما يتعلق بجودة التعليم الاساسي والعالي رغم ان المصريين كان لهم السبق في انشاء اول مدرسة ومكتبة في التاريخ الانساني عرفت ب"بير عنخ"
او مدرسة الحياة ، ورغم امتلاك مصر لثاني اقدم جامعة في العالم وهي جامعة الازهر (٩٧٠ م) الا انها او غيرها لم تأتي ضمن افضل ١٠٠٠ جامعة خلال البحث الذي قدمته مؤسسة "QS" المتخصصة في التعليم العالمي عن نشرتها السنويه حول افضل الجامعات في العالم ، حيث تعتمد مؤسسة الQS في هذا التصنيف علي منهجية تنطوي علي ٦ معايير رئيسية تتعلق بجودة التعليم وخبرة الكادر التدريسي ونسبة الطلاب الدوليين ، ولتراجع التعليم في مصر اسباب كثيرة نذكر منها :-
اسناد تطوير التعليم لاصحاب الثقة وليس لاصحاب الخبرة ، وخير دليل علي ذلك ما قامت بها القيادة السياسية المصرية في فترة التسعينات حينما اسندت حقيبة التعليم لطبيب الاطفال حسين كامل بهاء الدين
والذي استمر في عمله قرابة ١٤ عام اصدر خلالها قرارات اثرت بالسلب اكثر منه بالايجاب علي حال التعليم في هذه الحقبة ؛ حيث ادخل علي التعليم الثانوي نظام يعرف بالتحسين فيه يتمكن الطالب من اعادة الاختبار لاكثر من مرة ، كما ان الوزير جرم الضرب داخل المدارس ورغم ما في هذه الخطوة من ايجابيات الا ان بها كثير من السلبيات ، حيث اضاعت هيبة المعلم وجعلت التلميذ يتهاون في اداء واجباته ووضعت المعلم في خانة المتهم وللوزير قرارات اخري كثيرة ربما لن يتسع المقام لذكرها الا اننا نتوقف فقط امام معضلة ان يكون ملف التعليم موكل لطبيب بدلا من ان يوكل لاحد رجالات التعليم ممن يشهد لهم بالخبرة والكفاءة ، والمعلم في كل دول العالم يعتبر هو حجر الاساس الذي تبني عليه الدول كل سياساتها الهادفة للتطوير ، اما في مصر فجميع الادارات التي الزمت بالقيام بعمليات تطوير التعليم استبعدت المعلم من كل برامجها بل وتجاهلت وجوده وبالتالي حرمت نفسها من الاستفادة بخبراته العظيمة في مجال التعليم ، ولان المصائب دائما لا تأتي فرادي فقد اجهزت الحكومة هي الاخري علي ما تبقي من حال المعلم ؛ حيث سلبته مكانته الاجتماعية وجعلت الكثير من مؤسساتها تنال منه وتسخر به ، ولم تكتفي بذلك بل سلبته ايضا التقدير المادي المناسب وجعلته في اقل التصنيفات المالية مقارنة بجميع اجهزة الدولة الادارية الامر الذي جعل المعلم ينصرف بعيدا عن اداء واجبات عمله ليلتحق بأعمال اخري كانت في مجملها تنال من هيبته وتضعف من قيمته وتقلل من احترام المجتمع له ، وفي نفس السياق نجد قسما اخر من المعلمين ليس بكثير اراد ان يحقق لنفسه استقرارا ماديا رأي ان مهنته الاصلية لم تحققه فمارس ما يعرف بالدروس الخصوصية التي اساءت الي العملية التعليمية ، بل واضرت باقتصاد الدولة . . ولعل تغير الوزارات المتعاقبة ادلي بسلبياته علي تطوير التعليم حيث وجدنا خططا بديلة تمحو الخطط السابقة لها مما اضاع الوقت والجهد ولم تأتي بجديد يذكر ، ولعل قطاع التعليم عندما مد يده للقروض يكون بذلك قد ارتكب اثما عظيما في حق التعليم ؛ ذلك لان الدول المانحة كانت تستغل ما تضخه من اموال كقروض لقطاع التعليم في التدخل في سياسات التعليم ، حتي ان الامر كان يصل للمشاركة بوضع مناهج واضافتها او حتي بالحذف . . خلاصة القول انه يجب علي الدولة اذا ارادت بالفعل ان تنهض بحال التعليم ان تمنح المعلم المكانة التي تليق به اجتماعيا وماديا ، وان تجعله علي رأس اهتماماتها وتوفر له الرعاية المتكاملة له ولاسرته حتي يتفرغ بالفعل لاداء مهام عمله التي من شأنها وضع مصر في المكانة التي تستحقها وكفانا ما وصلنا اليه ،وطالما كان محور حديثنا عن المعلم المصري فلا يجب ان نختم حديثنا نلقي الضوء علي الكلمات الجميلة التي هي بالفعل انصاف للمعلم وحفظ لهيبته وكرامته لامير الشعراء احمد بيك شوقي:
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي
يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ
عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أخبار متعلقة :