تناولت في مقالات سابقة بالصحف العربية وفي ابحاث عدة نشرت خلال الفترة الماضية بعدد من الكتب البحثية والتثقيفية تطورات التجارب العلاجية فيما يخص كوفيد 19 منذ بداية الجائحة واغلب هذه التجارب تنصب على علاجات تقليدية قد تكون معروفة لدى شريحة واسعة من الناس وقريبة من الاذهان والاسماع بحكم شهرتها... عدد كبير من هذه الأدوية التقليدية شق طريقه وسط الصفوف ليصبح بالمقدمة لكن سرعان ما توارى مرة أخرى لأسباب عدة بعدها يتصل بأعراضه الجانبية المفرطة والتي تفوق بطبيعة الحال الفائدة المرجوة وبعضها لأسباب تتصل بعدم ثبوت الفاعلية وبعضها ظل عالقا لا يمكن الجزم بفاعليته مع تضارب الأبحاث وآراء العلماء.
ومع استمرار الجائحة نظل في رحلتنا وسط هذه التجارب العلاجية والتي لن تنتهي على الاقل في الافق القريب.
نبدأ رحلتنا مع العلاج بالبلازما حيث جاءت دراسة ريكفوري Recovery البريطانية والتي نشرتها مجلة ذا لانسيت The lancet الشهيرة مؤخرا لتحسم الجدل بشأن تصريحات منظمة الصحة العالمية العام الماضي حول نتائج علاج كوفيد ببلازما الدم للمتعافين من أنها ليست حاسمة والدعوة لبقائها علاجا تجريبيا حيث أثبتت الدراسة أن العلاج بالبلازما لم يفلح في خفض نسبة الوفيات بعد مضى 28يوما من العلاج او في خفض الحاجة للتنفس الصناعي أو في رفع نسبة التماثل للشفاء.
المحطة التالية مع الدواء الذي وصف في بداية الجائحة بالمعجزة والخارق إنه إيفرمكتينIvermectin مضاد الطفيليات الشهير والذي حصرته منظمة الصحة العالمية مؤخرا في إطار التجارب السريرية لعدم قطعية نتائجه. بالطبع هذا تراجع مثير للخلف ولكن الدراسات الحالية خاصة في الهند تدفع به مجددا للمقدمة ولكن ليس بمفرده هذه المرة حيث اثبتت الأبحاث نجاعته بالجمع بينه وبين فلافوكسامين Fluvoxamine مضاد الاكتئاب المعروف والذي اثبتت الدراسات امتلاكه لخصائص قوية مضادة للالتهاب إضافة لدور واضح لمضاد الحساسية السيبروهيبتادينCyproheptadine في مقارعة السيرتونين المتصاعد مع نشاط الصفائح الدموية الزائدة في الرئة .
نأتي إلى ختام رحلة الحلقة وليس لنهايتها ففصولها مستمرة كما أشرت سابقا مع دواء الكوليسترول الشهير (ستاتينStatins) والذي لا يخلو منه بيت من بيوت مرضى الكوليسترول والسكري والقلب والأوعية الدموية فمنذ بداية الأزمة ولا تنقطع أخباره السارة وآخرها دراسة نشرت في مارس الماضي في مجلة نيتشرNature من كفاءة الستاتين في خفض نسبة الوفيات وخفض الحاجة لدخول وحدات العناية المركزة بالمستشفيات.
كل ما تود معرفته عن لقاح سبوتنيك الروسي
مع اعلان مصر في إبريل الماضي اعتزامها تصنيع لقاح سبوتنيك لديها عبر شركة مينا فارم الدوائية المصرية بالاتفاق مع صندوق الاستثمار المباشر الروسي المسؤول عن تسويق اللقاحات و أصبح هذا اللقاح حديث الناس وسط محدودية المعلومات العلمية عن فاعليته وآمانه.
في حرب ضروس خاضتها الدول الكبرى من أجل الاستحواذ على اسبقية طرح اللقاح الذي يضع حدا للجائحة كان الدب الروسي يحتسي نخب الانتصار مع تسجيله الأسرع للقاحه في 11اغسطس عام 2020 لدى وزارة الصحة الروسية حيث قام بتطوير اللقاح مركز غاماليا الوطني لأبحاث علوم الأوبئة والأحياء الدقيقة وجاءت التسمية بسبوتنيك 5 تيمنا باسم أول قمر صناعي سوفيتي غزت به الفضاء عام 1957.
تعتمد فكرة هذا اللقاح على نواقل الفيروس الغدي (الادينوفيروس) التي تسبب نزلات البرد الخفيفة لدى البشر حيث تتم إزالة مادته الجينية المسببة للعدوى ووضع شفرة البروتين الشوكي المميز لكوفيد لاستثارة وتحفيز الجهاز المناعي بجسم الإنسان على الاستجابة وإنتاج الأجسام المضادة ضده مما يقي من العدوى.
يستخدم اللقاح نوعين من الادينوفيروس في جرعتيه حيث تحتوي الجرعة الأولى على Ad26 مما يجعله شبيه بلقاح جونسون اند جونسون فيما تحتوي الجرعة الثانية على Ad5 ليشبه في ذلك لقاح كانسينو الصيني المسمى تجاريا كونفيديسيا.
فاعلية هذا اللقاح تصل نسبتها إلى 91.6٪ وهو واحد من لقاحات قليلة لا تتجوز أصابع اليد الواحدة تخطت نسبة 90٪.
فيما يخص قدرة هذا اللقاح على التصدي للاشكال المتحورة من الفيروس فتشير الدراسات لقدرته على التعامل مع المتحور البريطاني B117 بشكل جيد فيما يتضاءل بشكل ملحوظ مع المتحور الجنوب الأفريقي B1351 أسوة بغالبية اللقاحات العاجزة عن التعامل مع هذا المتحور لكن لاتوجد دراسات حتى الآن فيما يتعلق بفاعليته مع المتحور الهندي الأخير.
كما طرح معهد غاماليا أيضا لقاح سبوتنيك لايت وهو جرعة واحدة فقط والمحتوية على Ad26 وتبلغ فاعليته 79.4٪ في اليوم الثامن والعشرين بعد التحصين وتنشد به روسيا تحقيق المناعة السريعة عبر تحصين عددا كبيرا من السكان والتصدير للدول التي تعانى تفشيا حادا وتحتاج اجراءات على وجه السرعة ولكنه في الوقت نفسه ليس بديلا عن سبوتنيك 5.
يمكن حفظ اللقاح في درجة حرارة من 2-8 درجة مئوية مما يجعل فرصة توزيعه سهلة عبر العالم وخاصة بالدول النامية.
فيما يخص آمان وسلامة اللقاح فلا توجد أي بيانات حتى الآن حول تسببه في حدوث تجلطات على الرغم من دخول EDTA والادينوفيروس في تركيبه كلقاحي جونسون اند جونسون واسترازينكا سواء بسواء وقد تعرضنا لدورهما المحتمل في تكوين الجلطات في مقال سابق والحقيقة أن حرية تدفق البيانات والمعلومات وشفافيتها في دول مثل روسيا والصين تظل دائما تحت دائرة الاستفهام والاتهام ؟!
لكن نحتاج إلى مزيد من الطمأنة فيما يخص الناقل الفيروسي Ad5 والذي تسبب في الإصابة بالايدز لدى الرجال ذوي القابلية لذلك في بعض التجارب أثناء تطوير لقاح ضد الإيدز في 2008.
من الجدير بالذكر أن الشركة استخدمت اثنان من النواقل الفيروسية (الادينوفيروس) في محاولة للتغلب على احتمالية تولد استجابة مناعية ضد الفيروس الناقل قبل تمكنه من إيصال شفرة البروتين الشوكي لكن يبقى السؤال هل هذا كافيا وأنه لو أعطى اللقاح لشخص قد سبق إصابته بفيروس الأدينو المسبب لنزلات البرد وتشكلت لديه أجسام مضادة فلن يقلل ذلك من كفاءة اللقاح ويؤدي للفظ الجهاز المناعي لغالبية اللقاح؟! . أسئلة وغيرها الكثير ربما تحمل لنا الدراسات الإجابة عنها.
كل ما تود معرفته عن اللقاح الصيني سينوفارم
على الرغم من أسبقية هذا اللقاح في الظهور وتحمس دول كالإمارات والبحرين ومصر في استخدامه وعلى الرغم أيضا من استخدامه حتى قبل انتهاء المرحلة الثالثة من التجارب السريرية إلا أنه تراجع في مرتبته في قائمة اللقاحات في العالم بسبب محدودية فاعليته التي تتراوح بين 72٪-79٪ أي لا تؤمن الحماية بدرجة عالية جدا على عكس نظيراتها من اللقاحات الإنجليزية والأمريكية وهو باعتراف الصين ذاتها والتي تدرس مسألة خلط لقاحاتها أو إضافة جرعة ثالثة لضمان استمرار الجاهزية المناعية.
لقاح سينوفارم أو BIBP واحد من عدة لقاحات تطورها الصين وطورته تحديدا شركة سينوفارم /المجموعة الوطنية الصينية للمستحضرات الصيدلانية ويعتمد تكنولوجيا تقليدية وكلاسيكية قديمة منذ الخمسينات من القرن المنصرم في صناعة اللقاحات ذلك أنه يرتكز على حقن فيروس غير نشط حيث تم عزل الفيروس من مصاب بمدينة ووهان الصينية ثم العمل على اكثاره مختبريا وذلك بتحضينه في خلايا فيرو vero cells ويتم تعطيل نشاط الفيروس وتدمير محتواه الوراثي لاخماد قدرته على التضاعف باستخدام مادة كيميائية هي بيتا بروبيولاكتون عند درجة حرارة 2-8 مئوية ولمدة 48ساعة ويتم إعادة هذه الخطوة فضلا عن إضافة مادة مساعدة هي هيدروكسيد الألمونيوم لتحفيز الاستجابة المناعية للقاح. بمجرد التطعيم باللقاح ودخول الفيروس المعطل ينتج الجهاز المناعي أجساما مضادة تستهدف البروتين الشوكي وتمنع الفيروس من دخول الجسم كما تحتفظ "خلايا الذاكرة ب" بمعلومات عنه ... ولكن يظل السؤال حول مدة استمرار الحماية ضد الفيروس؟! .
إشكالية هذا اللقاح هو نفس اشكالية لقاح سبوتنيك الروسي من حيث القيود بدول المنشأ على سهولة تدفق المعلومات واتاحة النتائج بشفافية تامة. لكن يمتاز بسهولة توزيعه ونقله حيث يحفظ في درجة حرارة من 2-8 مئوية.
يتألف اللقاح من جرعتين عن طريق العضل يفصلهما من ثلاثة إلى أربعة أسابيع.
تبعا لمنظمة الصحة العالمية فاللقاح لا يعطى للمراحل العمرية الأقل من 18 عاما في المقابل فقد أجازت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لقاح فايزر بيونتيك للأطفال من عمر 12 عاما وعلى نفس الخطى تسعى شركة موديرنا.
فيما يخص تطعيم الحوامل فلا تجد منظمة الصحة غضاضة في ذلك حينما تفوق فوائد التطعيم المخاطر المحتملة وينبثق رأيها من مأمونية التقنية التي يعمل بها اللقاح وتبعا لذلك لا تنصح المنظمة بإجراء اختبار الحمل قبل التطعيم أو تأجيل الحمل أو اجهاضه.
فيما يتعلق بالآثار الجانبية فما تم رصده حتى الآن بسيط لا يتعدى إحمرار وتورم موضع الحقن والصداع والإرهاق وارتفاع درجة الحرارة وألم الأطراف وهي أعراض تزول بعد فترة وجيزة.
أما ما يتعلق بقدرة اللقاح على التعامل مع المتحورات من الفيروس فيتعامل بشكل فعال مع المتحور الانجليزي فيما تنخفض فاعليته مع المتحور الجنوب إفريقي شأن باقي اللقاحات ولا توجد دراسات فما يتعلق بفاعليته مع المتحور الهندي حتى الآن.
نأتي إلى سؤال هام يتعلق باللقاحات ككل :هل ينبغي تحليل الأجسام المضادة بعد تلقي لقاح كوفيد للوقوف على مدى فاعليته؟ والإجابة لا جدوى مطلقا فهي ليست معيارا وذلك بحسب توصيات هيئة الغذاء والدواء الأمريكية .
ماراثون أعراض كوفيد19
مع كل موجة من موجات كوفيد 19 المستمرة التي تحط تباعا على عالمنا تأخذ قائمة أعراض الفيروس في التمدد مضيفة مشكلات جديدة تجعل التحدي مستمرا ومؤثرا.
في البداية كانت الأعراض بسيطة الوقع على الآذان غير أنها مع الوقت تبدلت لأعراض مستمرة الأثر ومخيفة التأثير.
من أعراض كوفيد 19 : الحمى والصداع (يمكن علاجهما بالبارسيتامول) والسعال وآلام العضلات وألم الصدر والتعب والانهاك والغثيان والقئ والإسهال والطفح الجلدي وتشوش التفكير .
وقد تعرضنا بشئ من التفصيل في مقال سابق عن فقدان حاستي الشم والتذوق ويعد ذلك من السمات المميزة للإصابة.
جميعنا خبر قشعريرة الحب وتوهج اللقاء الأول لكن شتان بينها وبين قشعريرة كوفيد 19 ولحظات الاستيقاظ من الارتجاف والرعشة المصاحبة للحمى وقد عشتها مع إصابتي بكوفيد في ديسمبر الماضي.
من الأعراض الأخرى سيلان الأنف وجفافها و قد يمتد الجفاف بعد التعافي. كما سجلت بعض الحالات شلل بيل وهو شلل مؤقت في العصب الوجهي نتيجة إلتهاب يصيب الأعصاب التي تتحكم في عضلات الوجه مسببة تورمها .
ونظرا لأن العين من معابر كوفيد وذلك لتوافق PH للفيروس مع PH للدموع فالعين القرنفلية أوالتهاب الملتحمة وضعف الرؤية وإلتهاب الشبكية وتشنجات عضلات العين من أعراض الإصابة.
من الأعراض المثيرة ما يسمى بلسان كوفيد وهو طبقة بيضاء أو صفراء أشبه بالفرو مؤلمة أحيانا والأكثر إثارة ما أدلى به بعض المتعافين من أن كوفيد كان المسؤول عن سقوط أسنانهم.
من المعروف أن الفواق أو الزغطة يرتبط بالعدوى الفيروسية مثل الأنفلونزا و الهربس البسيط أو الهربس النطاقي والعدوى البكتيرية مثل السل لذلك فلا غرو أن نجد هذا العرض ضمن قائمة كوفيد وإن بدا نادرا والزغطة هي تقلص الحجاب الحاجز (العضلة الأساسية في الجهاز التنفسي و الواقعة مباشرة أسفل الرئتين وتفصل بينها وبين منطقة البطن) بشكل لا إرادي بالطبع هي حالة نتعرض لها جميعا لكن استمرارها لأكثر من 48 ساعة هو مدعاة للقلق ولابد من مراجعة الطبيب.
أما كوفيد 19 والجلطات فموضوع شائك بدأ مع الفيروس واستكمل حلقاته مع اللقاحات وقد ربط الباحثون الروس بين دور الفيروس في إحداث الجلطات وبين بروتين (فون ويلبراند VW) في دماء المرضى والذي يعمل على التصاق الصفائح الدموية وتكوين الجلطات.
أما علاقة كوفيد 19 بمتلازمة غيلان باريه والتي يهاجم فيها الجهاز المناعي الأعصاب بدلا من الجراثيم مما يؤدي إلى إصابة الجسم بالشلل فلازالت العلاقة تحت الدراسة بين مؤيد ومعارض لكن تظل دروس التاريخ وعبره نصب أعين الباحثين فهذه المتلازمة أدت إلى توقف التلقيح ضد انفلونزا الخنازير عام 1976 في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهل يمكن أن نغادر مبحثنا هذا دون أن نتطرق إلى أهم عرض ألا وهو ضيق التنفس ونقص الأكسجين وقد استطاع الباحثون من جامعة ألبرتا التوصل إلى أن السبب في معاناة العديد من مرضى كوفيد من نقص الأكسجين هو زحف خلايا الدم الحمراء غير الناضجة التي لا تنقل الأكسجين من نخاع العظام إلى الدورة الدموية لتصل ل 60٪ (الطبيعي 1٪)ومكمن الخطورة في ذلك أن هذه الخلايا هي هدف لهجمات كوفيد لاحتوائها على مستقبلات ACE2 وبروتين TMPRSS2 علاوة على كونها في حد ذاتها مثبطة للمناعة عبر تثبيط إنتاج الأجسام المضادة ومناعة الخلايا التائية مما يفاقم خطورة الأمر .
ومن البالغين إلى الأطفال فقد سجلت الدراسات إصابة بعض الأطفال بمتلازمة كاواساكي (سبق الحديث عنها في كتابي جائحة العصر) علاوة على إصابات بمتلازمة الالتهابات المتعددة MIS-Cوالذي يصيب أجزاء مختلفة من الجسم ويمكن أن يؤدي لمضاعفات بالقلب.
قديما قال ألبرت اينشتاين "الخيال أهم من المعرفة" ولكن الجائحة أبت إلا وأن تعدل من مقولته الشهيرة ليكون الأصح الخيال مهم مع المعرفة فلا نهون من مخاطر الجائحة ونخشى أن نواجه الناس بالاحتمالات فيتعاظم الخطب ولا نهول منه بدرجة فجة تجعل الناس في درجة من القنوط يكون عندها الموت والحياة سيان فالأمل باق ولا ننسى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمريض :أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك (سبع مرات).
د. محمد فتحي عبد العال
كاتب وباحث مصري
أخبار متعلقة :