بوابة صوت بلادى بأمريكا

مدحت سيف يكتب: دروس حياتية من التنمية البشرية ( 80 - بين الاجتهاد والتقدير)

في نيويورك، وفى حديث مع أحد الاشخاص القريبين، كان يقول إنه يشعر بالظلم وعدم التقدير الكافى فى الهيئة التي يعمل بها، وكانت هذه الهيئة من أهم وأفضل الجهات في نيويورك. وقد كان مجتهداً جداً ويبذل مجهود رائع فى عمله، ويفعل ما يطلب منه بجدية وتفانى، وأحياناً يعطى ويقدم أعلى من المطلوب...، وبإختصار هذا هو الشخص الذى تتمنى أية هيئة جادة أو شركة واعدة أن يكون، هذا الشخص، من ضمن فريقها...

ربما هذا الشخص لم يملك طلاقة اللغة الانجليزية مثل المولودين هنا في أمريكا، لكنه يستطيع التعامل مع الجميع كما إنه يستطيع توصيل وجهة نظره ورؤياه إلى الآخرين...

تمر الأيام، والحال على ما هو عليه إلى أن جاءت له فرصة في مكان آخر، فقرر الانتقال إلى الجهة الجديدة، تاركاً عمله، مع ذكريات طيبة، وإحترام وتقدير متبادل...

 

إلى أن أتى فيروس كورونا، وبدأ تكوين لجان في نيويورك لإدارة هذه الأزمة. وهنا كانت المفاجأة! أتدرى عزيزى القارئ ما هي هذه المفاجأة؟

المفاجأة هي أنه يتم إستدعاء هذا الشخص من مكان عمله الحالى، لينضم إلى إحدى لجان إدارة هذه الأزمة في نيويورك.

وأمام هذا الموقف رأيت نقاط مهمة، استلهمتها من هذا الشخص، واحتاج أن اقف عندها:

1- إن لم يكن هذا الشخص مجتهداً في عمله، لما تم استدعاؤه ليشارك فى إدارة الأزمة.

وعلى هذا علينا أن نجهز أنفسنا للفرصة القادمة قبل أن تأتى، فنكون مستعدين لها، حتى وإن لم تأتى عاجلاً.

2- مهارات التواصل مهمة جداً، فالقدرة على التواصل مع الآخرين أحد مفاتيح النجاح، سواء مع الزملاء أو الرؤساء أو العملاء، سواء وجهاً لوجه أو على البريد أو في مواقع التواصل الاجتماعي أو في إدارة فريق.

3- أجمل إعداد يمكن أن تقدموه لأبنائكم، إن لم يكونوا قد وُلِدوا وعاشوا فى بلد تتحدث الانجليزية، هو أن تعلموهم أن يتحدثوا اللغة الانجليزية مثل اللغة العربية. لأن ذلك سيمثل فارقاً كبيراً فى مستقبلهم.

يكفى أن أقول لكم من واقع الخبرة الشخصية، إنه أحياناً تكون هناك وظائف أنت الأكفأ لها فنياً ومهنياً وخبرةً...إلا أنه لا يتم إختيارك، لماذا؟ لأن من متطلبات هذه الوظيفة هو إلمامك وتمكنك من اللغة الإنجليزية (كما يتحدثها أهل البلد وليس ما تعلمناه فى مدارسنا الحكومية). ولنتذكر أن الاجتهاد أهم من المهارة الغير مستخدمة، أو كما قال سقراط: من صح فكره أتاه الإلهام، ومن دام اجتهاده أتاه التوفيق. أو كما قيل:
بمتابعتنا النهر نبلغ البحر.

4 - التنظيم: تنظيم المهام والوقت والمواعيد والحسابات. كلّ هذا يساعد على تكوين صورة جيّدة عن الشخص أمام الآخرين، وعند تنظيم أوقاتكم ستنجزون الكثير في وقت قليل. 

5 - التركيز على الموهبة أو المهارة: فالناجحون هم أولئك المتخصّصون، سواء في قضية محدّدة أو في موضوع معيّن، إضافة إلى القدرة العالية على "التركيز". لأنّ "توزيع" التركيز على أكثر من مجال يضيّع الموهبة والمهارة. 

6 - الحماسة والمبادرة: على الراغبين في التقدّم مهنياً أو اجتماعياً أن يكونوا مصدر ثقة في ما يفعلونه، بأن يفعلوه بحماسة وأن يكونوا مبادرين لا متلقّين، وأن يصنعوا دوماً صورة حيوية عنهم في محيطهم المهني. 

7 - المغامرة والثقة: الناجحون حاسمون. يتّخذون قرارات حاسمة ويتحمّلون مسؤوليتها. وفي هذا ثقة بالنفس إضافة إلى حسّ المغامرة، ويرحبون باستشارة الآخرين وأخذ رأيهم.

8 - الإنجاز: من المهم عدم تأجيل عمل اليوم إلى الغد. من أسباب النجاح القدرة على "الإنجاز". أي إنهاء العمل في الوقت المحدّد، والانتقال من "عمل" إلى "عمل" آخر بعد إتمام المهمات بشكل كامل. 

9 - القدرة على الاستماع أكثر من الكلام: المستمعون هم الذين يكوّنون الخبرات. لا يمكن أن تتكلّم طوال الوقت، لأنك إذا تكلمت كثيراً ستغيب عنك أشياء كثيرة. وكلما استفسرت أكثر، زاد فهمك للموضوع، وأمكن استكمال عملك بشكل إحترافى أكثر. لذا يجب أن تتعلّم كيف تستمع إلى من هم أدنى منك رتبة وخبرة، ومن هم أكثر منك موهبة وقدرة. 

10 - الإيجابية وحسن التقديم: على الراغبين في التطوّر أن يكونوا إيجابيين لا متشائمين. عليهم أن يضخّوا الطاقة الإيجابية فى من حولهم، وأن يقدّموا أنفسهم بمظهر لائق.  

11- من لم يتعلم صعود الجبال، يعيش حياته بين الحفر. فعندما تُعرض عليك فرصة جيدة، وفريدة من نوعها، فكر جيداً، واستشر مَنْ تثق بهم، ولا تكن هيَّاباً من كل شئ جديد، فالحياة تحتاج للمغامرة المدروسة من وقت لآخر.

12- على الانسان أن يتعلم أن تكون نهاية علاقته مع جهة العمل السابق، هي نهاية قائمة على الاحترام والتقدير، وكما قيل: لا تردم البئر فقد تحتاج أن تشرب منه يوماً ما.

وأتذكر أن الهيئة التي أعمل فيها الآن في أمريكا، قامت بالتحدث تليفونياً مع مديرى السابق في مصر قبل قبولى.

13- استثمر إمكانياتك المتاحة، حتى إن لم تكن كثيرة، ومع الجدية والاجتهاد والمثابرة ستنجز الكثير، فقد قالها نابليون يوماً: إنك بالإبرة تستطيع أن تحفر بئراً.

 14- وعلى هؤلاء الذين يتم استشارتهم، والاستماع لرأيهم، عليكم أن تكونوا مخلصين في رأيكم، وتمتعوا بشجاعة الاعتراف بعدم المعرفة، إن لم تكونوا عارفين، فهذا مدعاة أكثر للثقة فيكم، وتجاوبوا بإخلاص مع إهتمامات الآخرين، عالمين أن ايماءة صديق مهما كانت صغيرة، فهي تظل دائما موضع تقدير.

عزيزى القارئ:

الالتزام، أو محاولة تطوير الشخصية لتحسين هذه المهارات، لا تعني الوصول حتماً إلى نجاحات مهنية، لكنّها تقصّر الطرق كثيراً وتجعل احتمالات النجاح أكبر.

 

عزيزى القارئ:

لا شيء يجعلنا سعداء سوى أن نرى أنفسنا ونحن ننجز شيئاً ذا معنى، وهذا ما رأيته في بطل قصتنا هذه. لذا عليك أن تعمل في صمت، ولا يجب أن يكون الصمت هوعملك. اكتف بالعمل، ودع الآخرين يتكلمون. اذا أردت أن تعمل، فعليك أن تهدأ. وعندما تحب عملك فانك تمارسه باحساس فنان. وكن منظماً ومستقيماً في حياتك، وستكون فائق النجاح في عملك

وتذكر أن جودة العمل لا تأتي صدفة ابداً.. أنها نتاج نوايا حسنة، وجهد صادق، وتوجيه ذكي، واخراج متمرس.. فهي تمثل الاختيار الحكيم لبدائل متعددة.

 

وكما أنه بأزمة كورونا عرفنا نموذج مُشرِّف في الجدية والاجتهاد، أيضاً من خلال أزمة كورونا عرفنا كيف تهتم وتشجع الحكومة (سواء الفيدرالية أو حكومة الولاية) مواطنيها.

1- عندما بدأت أزمة كرونا وبدأ بعض الناس يفقدون وظائفهم، لم تقف الحكومة مكتوفة الأيدى، إنما صرف الرئيس Trump مبلغ 1200 دولار لكل شخص، ومبلغ 500 دولار لكل طفل، بصرف النظر عما كان هذا الشخص يعمل أو لا يعمل، مع اشتراطات منطقية خاصة بالضرائب.

2- وماذا عن أصحاب الشركات، والعاملين فيها؟

يتم منح قرض لا يُرَد لصاحب الشركة بحيث يستطيع دفع المرتبات للعاملين.

3- ولغير العاملين؟ هم أيضاً لهم مرتب شهرى.

4- وللحفاظ على الصحة، يتم تعقيم مترو الانفاق، وفى نفس الوقت وزيادة عدد الاتوبيسات لتعويض توقف المترو، (حل موضوعى، مع وجود بدائل).

5- العاملين فى المجال الطبى لهم الحق، إن أرادوا، أن يعيشوا فى أى فندق، لوشعروا بأية مخاوف أى   على اسرهم من العدوى.

6- وأحياناً، تتجمع بعض سيارات الشرطة حول بعض المستشفيات، كعلامة تشجيع وتقدير للعاملين فى مواجهة الفيروس، لمجرد المساندة المعنوية. 

7- مشاركة قوات الدفاع الجوى في المساندة والتشجيع من خلال وجود طلعات جوية محددة التوقيت فى سماء نيويورك بالقرب من بعض المستشفيات تقديراً للعاملين فى المجال الطبى، وكأنها علامة تحية وتقدير، والجميل إن أحياناً يكون بعض الأطباء والممرضين فوق أسطح المستشفيات وكأنهم يردون علامة التقدير، بعلامة شكر.

8- وماذا عن دفع إيجارات الشقق؟ لا يمكن إخراج مستأجر من شقته إن لم يدفع الايجار، وله مهلة حتى شهر اغسطس.

9- وماذا عن مالك المنزل والاقساط المطالب بسدادها للبنك؟ هو أيضاً معه مهلة بتأجيل الدفع.

10- وماذا عن إمتحانات المدارس؟

يمكن أن تكون الامتحانات على الكومبيوتر، مع توافر أجهزة كومبيوتر لمن يريد، أو التليفون المحمول، أو...

 ليس هذا فحسب بل الامتحانات التى لها رسوم، أصبحت مجانية. وكل من سبق ودفع رسوم هذه الامتحانات، ستُرَد إليه كنوع من مساعدة ودعم الاسرة. 

11- بل هناك أمور لم أكن  أتصور أنها ستكون من ضمن إهتمامات الولاية، وهو تصوير الأوراق، وإذ بالرسائل تصل إلينا على تليفوناتنا المحمولة تبلغنا أن من يحتاج مساعدة فى تصوير مستندات عليه الاتصال بال helpline.بالإضافة لما تم إنجازه فى نيويورك من قبل:

 12- تم توفير ثلاث وجبات يومية لطلاب المدارس، فى أماكن متعددة، بالرغم من أن المدارس مغلقة.

13- وكذلك استعداد الجيش لتوصيل الطعام لمنزل من يحتاج إلى طعام مرتين اسبوعياً.

13- وهناك من يعملون طوال أيام الاسبوع للمساهمة فى التعامل مع هذه المحنة.

14- ومن لمسات الإعتراف بالجميل للعاملين فى المجال الطبى، انه فى المنطقة التى أسكن فيها، أجد كل يوم الساعة السابعة مساء، يخرج المواطنون أمام منازلهم مصفقين بأياديهم، وبصيحات وتهليل لمدة دقائق كعلامة تقدير وشكر وتشجيع للعاملين فى الجال الطبي.

 15- وكتابة Thank you فى الأماكن العامة للتعبيرعن الاعتراف بالجميل للعاملين فى المستشفيات.

16- وعلى Google، هناك تشجيع وشكر يومى لسائقى المواصلات العامة، وللعاملين في السوبر ماركت، وللعاملين في النظافة...

 

وجديراً بالذكر أن نعلم أن كثيرين يعملون كل يوم وفى أى وقت، بما فيها يوم العيد، لأن هؤلاء وضعوا على عاتقهم مساعدة الآخرين، سواء فى المجال الطبى، أو المجال الإدارى الذى يتولى استيراد المستلزمات والاجهزة الطبية من كافة الولايات ومن كافة الدول. 

ولدروسنا بقية...

 

أخبار متعلقة :