أتعجب من أناس لا يشعرون بالحرج و هم يحاولون إقناعنا بأن التحرش مرتبط بالملابس ،، يا سادة التحرش في العقول المريضة و ليس في الملابس!
إن التحرّش الجنسي ليس مجرد لمس مناطق معينة في الجسد بل أيضا الكلمات الغير مرغوب في سماعها و الأفعال ذات الطابع الجنسي التي تنتهك الجسد و الخصوصية أو المشاعر و الإيحاءات الجنسية و النظرات و الترويع و عدم الاحترام إن التحرّش الجنسي لا يعتبر غلطة الشخص المتحرّش به أو المعتدى عليه ! فالتحرّش بأحدهم هو اختيار يتخذه المتحرّش بغض النظر عن ملابس الشخص المعتدى عليه أو تصرفاته بدليل أن نسبة التحرش بالمحجبات أعلي من نسبة التحرش بغير المحجبات و أحدثكم و لا حرج عن التحرش بالأطفال من الجنسين و هذا إن دل علي شيء إنما يدل علي أن المتحرش حيوان و شخص غير سوي و مجرم لا يجب أن نلتمس له الأعذار! لكن يجب فهم الأسباب و من ثم وضع خطة للوقاية و العلاج ! إن المتحرش و السادي و الحرامي جميعهم يحملون تهديدا للمجتمع و بحاجة لأخصائي نفسي لأنهم يحملون طاقة بدائية همجية يمكن استغلالها و تفريغها بشكل هادف لتحويل الغرائز إلى شكل مقبول من المجتمع و إعادة توجيه الطاقة في الإبداع لتحقيق أهداف محددة ،،
في القرن التاسع عشر كان هناك جراح ألماني عظيم إسمه ( يوهان فريدريك ديفنباخ ) عندما كان صبيا كان اناني و سادي للغاية إذ كان يقطع ذيول الكلاب الضالة بغية المتعة المنحرفة لكن لاحقا كبالغ نضج ليصبح جراح خبير غير أناني و ماهر و هو الذي توصل الى اكتشافات رائدة في مجال الترميم و عمليات التجميل و عندما قرأ سيجموند فرويد قصة هذا الطبيب شعر أن هذا التطور من شخص كان يستخدم السكين بسادية في الايذاء إلى شخص يستخدمها بنبل في الإصلاح ليس مجرد صدفة و فكر ماذا لو كان هذا الفعل ينتمي إلى نمط واسع النطاق من السلوك حيث يتعالى دافع فطري ضار و مشين ليخرج بشكل معاكس و تتحول كمية الطاقة السلبية إلي طاقة إيجابية و شعر فرويد بأن هذه الرغبة في التعويض كامنة في قلوب العديد من العظماء في مجال الفنون و السياسة و العلوم لذلك فإن السياسي المهتم بمحنة الفقراء قد يكون صعد أو تسامى مع دافع بدائي من الجشع المتفاقم
يقول فرويد في مقالة عن ليوناردو دافينشي عام 1910 أن دافينشي كان طفلا نشطا جنسيا للغاية الشيء الذي جعله بعد ذلك يتسامي علي حياته الجنسية في البحث العلمي والفن ،، ويقول فرويد إن الرغبة المحرمة للمتعة الجنسية تحولت في دافنشي إلى رغبة في المعرفة !
و يعد ليوناردو دافينشي (1452 - 1519 م) من أشهر فناني النهضة الإيطاليين على الإطلاق وهو مشهور كرسام و نحات معماري و عالم و كانت مكتشفاته و فنونه نتيجة شغفه الدائم للمعرفة و البحث العملي و له آثار عديدة على مدارس الفن بإيطاليا أمتدت لأكثر من قرن بعد وفاته و لا تزال أبحاثه العلمية في مجال علم التشريح و علم الحركة والماء حاضرة ضمن العديد من اختراعات عصرنا الحالي
وقد خلص سيجماند فرويد في كتابه عن دافينشي إلي أن الإنتاج الفني للرسام العبقري ليس إلا انعكاساً لمرضه العصبي و بالتركيز على دافينشي و الحادث المتعلق بكونه مولود غير شرعي و تدليل والدته له كان له الأثر الأكثر حسماً على بنية شخصيته و مصيره الأخير عبر حقيقة أن الكبت الجنسي الذي تبع مرحلة الطفولة جعله يُصعّد طاقته الجنسية إلى عطش نحو المعرفة وحدد ذلك عدم نشاطه الجنسي طيلة حياته كلها ! فرغباته المكبوتة تحوّلت إلى دوافع حفزته إلى الانغماس في البحث و إشباع الفضول حسب رأي فرويد
إن ما يعرف بنظرية الإعلاء و التسامي مشجعة جدا لأن هناك الكثير حول ما نراه مستحيلا يمكن أن يكون مبتكرا فمثلا يمكننا تحويل رفض حب شخص لنا بكتابة رواية و هكذا و كما رأى فرويد فإن التحليل النفسي هو المجال الذي يهدف إلى مساعدتنا على إكتشاف كيف يمكننا استخدام خيبات أملنا بشكل أكثر إنتاجية حديثا أثبت العلم أنه يوجد في مخ الإنسان فص أمامي فيه القيم و الأخلاق و الضمير و التمييز بين الخطأ و الصواب و بين الحلال و الحرام و أن هذا الفص غير موجود في مخ الحيوان الذي يحركه الفص المسؤول عن الغريزة و إذا ما تعطل الفص الأمامي عند الإنسان تغيرت أخلاقه و اصبحت الغريزة هي التي تحركه مثل الحيوان !
نستطيع القول بأن وظيفة الفص الأمامي في مخ الإنسان هي فلترة مدخلات جهاز الدماغ و تعديل الانفعالات لتتوافق بشكل عام مع المبادئ المقبولة اجتماعيًا و بذلك يلعب الفص الأمامي دورا كبيرا في المشاركة في الوظائف العقلية العليا و يتعذي و ينمو بالعلم و المبادىء و الإلتزام بالقانون و التنشئة الإجتماعية السليمة
إن الخلل فى التربية و التعليم و التنشئة أو الإصابة قد تسبب عطل في وظائف الفص الأمامي و تؤدي إلي انخفاض معدل الذكاء و ضعف في التصورات من ناحية المخاطر و قواعد الالتزام و قد ينتج عنها عادات جنسية غريبة كالتحرش أو نقص الإهتمام الجنسي و الاضطراب من الناحية العلمية فإن التحرش يعتبر مسألة معقدة يتداخل فيها العديد من التخصصات من الطب النفسي و العلوم الجنائية مرورًا بعلوم الاجتماع و وصولًا إلى علوم الدين ،، ولعلاج مسألة إنتشار ظاهرة التحرش نحتاج إلي جهود العلماء و المتخصصين و رجال الدين و الاستعانة بأساليب غير تقليدية كالتعلم بالمحاكاة و مراجعة القوانين و تغليظ عقوبة التحرش إن ردود الفعل حول حوادث التحرش مؤخرا لا علاقة لها بالتدين و العادات و التقاليد ،، فعندما نتجاوز الموانع الدينية بالنظر لنمط ملابس معين واعتباره مبررًا للتحرش هذا يعتبر إعطاء إذن بالتحرش ! و عندما نتجاوز الموانع الاجتماعية بالنظر لضغوط اجتماعية و اعتبارها مبررًا للتحرش هذا إعطاء إذن بالتحرش ! و التحجج بعدم قدرة المتحرش السيطرة على النفس لأن الضحية كانت تتصرف بطريقة ملفتة هو أيضا إعطاء إذن بالتحرش !
إن الدين معاملة و أخلاق و ليس ممارسة للطقوس و الذهاب لدور العبادة و المواظبة علي الصلوات !
يقول أحمد شوقي : و إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتمًا وعويلا ،،
أخبار متعلقة :