بوابة صوت بلادى بأمريكا

إدوارد فيلبس جرجس يكتب: الديمقراطية بين الوجود والعدم

قانون فيزيائي يقول " المادة أو الطاقة لا تُفنى ولا تستحدث من العدم " ، ويمكن أن نستعيره للديمقراطية أيضاً ، إذا كانت الديمقراطية موجودة بالفعل فهي لا تُفني ، لا يستطيع حاكم أن يفنيها مهما بلغت ديكتاتوريته ، لأنها كالهواء بالنسبة للشعوب التي اعتادتها ، فهل يستطيع أن يغلق الهواء على شعب بأكمله ، تنفسه أصبح محصورا من خلالها ، بل كل إسلوب معيشته تكيف معها وبوجودها.

أما لو ذهبنا إلى الشق الثاني وهو عدم الاستحداث من العدم فهو أيضا يقول نعم أنا هنا وأنادي بأعلى صوتي يا ترى من يستطيع أن يخلقني من لا شيء كما خلق الله العالم ،  القدرة الإلهية لم تعط للبشر الحق في الخلق من العدم ، والديمقراطية أيضا لا يمكن أن تخلق من العدم ، والمقصود هو عدم وجود الوعي الشعبي أو الأسس و الركائز وأهمها الأحزاب السياسية القوية التي تقوم عليها الديمقراطية ،  لا بد من وجودها وإلا فمن الباطل حتى مجرد ذكر اسمها ، والفشل فى تواجدها معناه أن الديكتاتورية أو الحكم الديكتاتوري سيرفع السوط في وجه الشعب ، ومن ذا الذي يستطيع أن يلفظ بحرف واحد إذا تأغول الحاكم في ديكتاتوريته . هذه الكلمات البسيطة أعطتنا الضوء لكي نقول أن الديمقراطية ليس لها سوى وضعان ، إما موجودة " وبكامل أوجها "  ، أو، غير موجودة نهائيا " معدومة كالعدم " ، لا يوجد وضع وسط أو محايد ، ولا تقبل الرقص على السلم ، فلا يمكن أن تكون موجودة وترقص على السلم ويُفقد الإحسلس بها ، فلا الذين من أعلى رأوها والمقصود بهم الحاشية التي تأتمر بأمر الديكتاتور ، ولا الذين من أسفل رأوها وهم طبقات الشعب بجميع مستوياتها ، سياسة كسر الأنفاس لمن هم في المستوى الأعلى وخنق الأنفاس لمن هم في المستوى الأسفل . المستوى الأعلى يتحرك بإشارة اليد والمستوى الأسفل يرضخ ولا تُسمع همسة من بين شفتيه .

من حقي أن أسأل بحرية ، هل نحن كمصريين عرفنا أو عشنا كلمة الديمقراطية منذ ثورة يوليو عام 1952 وحتى هذه اللحظة ؟ ، ومن حقي أيضاً أن أجيب بحرية تامة ، لا عرفناها ولا ذقناها لا في الأحلام ولا في اليقظة ، كان يمكن أن تبدأ بعض حروفها مع بداية الحكم الناصري ، لكن لا هو ولا من معه من قادة الثورة أرادوا أن تكون وقد تكون لهم أسبابهم في البداية ، لكن العذر انعدم من بعد سنوات من قيامها ، ولو حتى كبداية بوضع حجر الأساس فقط ثم الصعود تدريجيا ، وقد تكون هزيمة يونيو 1967 إحدى النتائج الواضحة والظاهرة لانفراد عبد الناصر بالحكم كديكتاتور لا يقبل المناقشة ، وبالتبعية اختفت معها كلمة الحرية التي كانت تطلق في ذلك الوقت فقط على التحرر من الاستعمار ، لكن حرية الشعب لم يكن لها أي وجود حتى ولو بالأسم ، وكان شعار أرفع رأسك يا أخي فلقد مضى عهد الاستعمار هو المُشبعْ " بضم الميم " الوحيد الذي يقدم للشعب وكأنهم يقولون له لا تزداد في الطمع فلقد حررناك من الاستعمار وعلى أقدامكم ألا تزيد خطوة واحدة وتطالب بما يسمى بالحرية للشعب ، بالرغم من أن الحرية هي المطلب الأساسي والمهم ولا يمكن الاستغناء عنه ، فكلمة الديمقراطية وحدها ، من الطبيعي أن تُعلن عن نقصها ، وكلمة الحرية وحدها من الطبيعي أن تُعلن عن نقصها ، الاثنان بينهما رابطة شديدة ولا يمكن فصلها . وانتهت مرحلة الحكم الناصري على هذا الوضع ، ثم أتت مراحل أخرى أُطلق فيها ما يسمى بحرية التعبير ، لكنها كانت حرية  لها خطها الأحمر ، حرية راقصة مجرد المحاولة  للخروج عن المساحة المحددة لها يمكن أن تواجه من القمع ما يجعلها تلعن اليوم الذي حاولت فيه أن تهز وسطها . كانت كل المحاولات مجرد أنات لا صوت لها ولا صلة للديمقراطية بها . ولذا بصوت مرتفع أقول ، لكي تنجح الديمقراطية في مصر يجب أولاً أن نبعد عن أذهاننا تماما نظم الحكم في البلاد العربية التي لا يمكن أن يكون لها أسم آخر سوى أنها " حكم ديكتاتوري سياسي وديني " صبغ المجتمعات بهوية عنفية قاتلة بدلاً من تعزيز ورفع الهوية الحضارية التي تُنسب انتماءها لتاريخها  ، غير واعية أن كل ديكتاتورية هي مملكة موت على جماجم شعوبها حيث الانهيار لها وللدولة والمجتمع هو النتيجة لا محالة . فلا يمكن لمنظومة الإقصاء واللون الواحد في كل شئ أن تنتصر ، فالمنظومة التي توحد الشعوب فقط تحت شعار التشابه بالعقيدة أو بالدين أو بالتوجه السياسي أو حتى باللغة ، إنما تصنع مجتمعات طائفية تتبنى النزعة العنصرية وتساند القاتل الذي يقتل انتصاراً لمعتقدها الديني أو السياسي ، في مجتمع متعدد الانتماءات الدينية والعقائدية أصلاً ، وهي غالبا مجتمعات آيلة للسقوط أو التقسيم في أي لحظة ، فالأحداث المتعاقبة والممارسات العنفية لتلك الديكتاتوريات ليست إلا طلقات متتالية في بيت النار ، وليس الآتي إذن إلا حريق يطيح بالجميع ، فمن ربيع الثورات العربية إلى ربيع الديكتاتوريات العربية ، نجد من يقوم ضد الديكتاتورية السياسية وهو يدعم الديكتاتورية الدينية ، أو من يجد في الديكتاتورية السياسية مبرراً لمواجهة الديكتاتورية الدينية ، حتى تفاقمت وتعالت هامات الديكتاتوريات في انهيار فاضح للقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان ، الجميع في حالة سقوط مجتمعي .

فبين الديكتاتورية الدينية والديكتاتورية السياسية ، يقبع الفرد العربي كهدف لجهة ما ، رغم أنه ليس بالضرورة أن يكون هدفا لدولة ، بل قد يكون هدفا لشخص ما هو إلا نتاج هذه الديكتاتوريات الدينية أو السياسية ليرمي به في خانة كافر أو خائن وينتهي هذا الأخير برصاصة يظن مطلقها أنه يدافع عن حق باسم إله أو دين أو حاكم في بلاد لا تؤمن بالتعددية الفكرية والسياسية والدينية رغم وجودها التاريخي ، ومن هنا أسأل ، ما هو الحل ؟! ، لقد جربت الشعوب العربية الديكتاتوريات والقمع بكافة أشكالهم ، ورغم من قيام ما سمي بالثورات العربية والتي قامت شعوبها على الديكتاتوريات السياسية ، إلا أن هناك أغلبية شبه متفقة على الديكتاتورية الدينية في تكفير وتخوين من يكتب أو يقول مغرداً خارج السرب ، والأخطر أيضا أنها تجمع على ضرورة قتله أو معاقبته ، فيقتل من سُمي بكافر في وضح النهار ، في وقت تخلت فيه الدولة عن دورها وحيث الأنظمة السياسية العربية شريكة رجال الدين في هذا لأن الإثنين وجهان لعملة واحدة . ولهذا أقول كواحد ضمن منظومة فكرية توافقني الرأي أنه لكي تنجح مصر في أن تخطو خطوات مسرعة نحو الديمقراطية وشريكتها الحرية ، يجب أن تبتعد عن هذه الدول ابتعادا كاملا في جميع الاتجاهات إلا ما قد يكفل الارتباط الاقتصادي فقط إن وجد ، فلم يعد لدينا وقت للنعرات والتشدقات الباطلة بعروبة أثبتت أنها عروبة المصالح التي تعمل في الخفاء وتحاول أن تزين وجهها في العلانية بأصباغ الغانية . لست أعلم إذا كان من الواجب أن أعرف الديمقراطية بالرغم من أن كل من هب ودب عرفها ، ألا أنه من باب إرضاء الضمير سأعرفها بأنها هي ، حكم الشعب ، من قبل الشعب ، ومن أجل الشعب ، والحكومة الديمقراطية ، هي الحكومة التي تكون فيها السيادة لجميع أفراد الشعب ، وليست حكرا على فرد كما في الحكم الفردي ، أو على فئة من الشعب كما في حكم الأقلية ، فالديمقراطية هي نظام حكم يتميز بمشاركة المواطنين في إدارة شئون الدولة . والسؤال هل نحن مستعدون لأن نقول أننا نطرق أبواب الديمقراطية ؟؟!! .. أو الأفضل أن أقول ، ما هي الخطوة الأولى لإنجاح الديمقراطية في مصر ،  الحوار المجتمعي الذي ساد خلال الفترة الماضية منذ اندلاع ثورة يناير ، والذي بلغ ذروته مع إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية وقتها ، ليس من شك في أنه قد أصيب في بعض مراحله بنبرة عالية من التشكيك فيما بين الأطراف التي تديره ، ولعل الأمر المحزن أن هذا الحوار قد أصابه الشطط في أحيان كثيرة ، وجرى خلاله اتهامات متبادلة فيما بين جميع أطراف الحوار . وقد يكون السبب في ذلك هو أننا نشهد ولأول مرة منذ سنوات طويلة أول حالة حقيقية لإبداء الرأي في مسائل لم يكن لنا فيها أي خيار من قبل ! ولعل حالة القمع السابقة وعدم السماح للشعب بإبداء الرأي قد أثرت بشدة ، فأصبح كل واحد لا يريد إلا سماع صوت نفسه ، ويرى في أصوات الآخرين نشازاً أو خطأ لا بد من إخماده وكبته !! ، ومن الممارسات الخاطئة كذلك خلال الفترة السابقة قيام الكثير من الإعلاميين بفرض قناعاتهم وأرائهم في جميع البرامج الحوارية ، وكأنهم أوصياء على أبناء الوطن ! ولعل هذا الأمر كان له أكبر الأثر في قيام عدد كبير من الأغلبية الصامتة بالتصويت لصالح التعديلات الدستورية ، لأنها ترفض أن يملي عليها أحد _ أيا كان _ رأيه ، أو أن يقوم في ذات الوقت بالتشكيك في قدرات الأغلبية الصامتة ومدى وعيها ونضجها السياسي ! . لكن بغض النظر عن كل هذا يجب أن نعلم إن كنا لا نعلم حتى الآن أن من أكبر المخاطر أو المصاعب التي تواجهنا الآن هو كيفية تطبيق الديمقراطية " بكامل وجوديتها ، " فكما قلت في البداية بأنه لا يوجد ما يسمى " نصف ديمقراطية "  ولكي تطبق تطبيقا صحيحا يجب كأول خطوة القضاء على الإمية والفقر ، ففي تفشي الجهل والفقر لا يجب أن نتحدث عن حرف واحد من حروفها ، وهل للجاهل أو الجائع أن يكون صاحب قرار مستقل أو يكون له الرأي الذي يصر عليه ، إن القضاء على الأمية في المجتمع ليس بالمهمة الصعبة أو المستحيل حتى تستطيع تلك الفئات المهمّشة الحصول على مصادر كريمة للرزق تستطيع أن تواجه به أعباء الحياة ، ومن ثم تكون مستقلة في التعبير سياسياً عن رأيها . يجب أن تتضافر كل الجهود على إنجاح مشروع محو الأمية وإلا سنظل ندور في نفس الحلقة من الاستبعاد السياسي الذي يؤدي إلى صعود غير الأكفاء للقيادة ، وعلى الجانب الآخر أسأل ، أين الأحزاب السياسية الناضجة والتي يمكن أن تكون أعمدة للحكم الديمقراطي ، هل سنظل في سذاجة الماضي وأحزاب لا تصلح حتى أن تعبأ الهواء في زجاجات ثم تنتهي الفترة الثانية من الحكم ونبدأ في القيل والقال وظهور وجوه ممسوحة باردة كالثلج لتتقدم لانتخابات الرئاسة ثم نلطم .. وا ديمقراطياه .. فكما قلت أو قال العنوان إما ديمقراطية موجودة بالفعل على قيد الحياة أو معدمة تماما ولا يجب الترحم عليها .                                                      

سؤال في أذن الديمقراطية

*************************

هل يمكن في مصر أن تحققي النجاح دون أن يكون لك الوجود الكامل ؟! ، هل يمكن أن تحققي النجاح ونحن نتحدث عن المواطنة وكأنه شعار  قادم من المريخ ؟! ، أما آن الآوان كي يفارقنا هذا الشعار المريخي ونصبح شعب مصر الواحد ونزيح عنا سوسة أتتنا من بلاد الديكتاتورية الدينية ، تنخر دائماً لتفصل بين الشعب بمقولة رئيس سابق " أنا رئيس مؤمن " وتارة بأن " الأقباط أقلية " ، وتارة بمن يخرج علينا بفتوى كالحة مثل فكرة بأن " الأقباط ذميون " . لا شك أن الرئيس يسعى من أجل إعلاء كلمة المواطنة ، لكن كما قلت لا يجب أن يستمر هذا الشعار المريخي طويلاً وأن يندمج الشعب ككتلة واحدة تحت مسمي الشعب المصري ، نعم زيارة الرئيس للكاتدرائية للتهنئة بعيد الميلاد كان لها جميل الأثر ، فهو  أول رئيس منذ عام 1952 يقوم بهذه الخطوة ، لكن هذا لا يمنعني صراحة القول بأنه لا يكررها في عيد القيامة لأننا حتى الآن نعاني من تكة دينية مريضة أتت علينا من بلاد الديكتاتورية الدينية ، لكن أعود لأحيي خطوات الرئيس الجادة الجميلة في ترميم الكنائس التي هدمها الإرهاب بعد ثورة 30 يونيو وأيضا ما يبذل في تقنين أوضاع الكنائس وإن كانت حتى الآن تواجه بعض العراقيل من أصحاب الفكر المظلم . في الحقيقة كلماتي السابقة قد أكون ذكرتها كمدخل باهت لبدء السؤال الحقيقي في أذن الديمقراطية . هل يمكن أن تقابلي النجاح وجزء من الشعب مهمش تماماً ، ولا بصمات له في الحكم أو القيادة ، أعتقد أنه لا ديمقراطية يمكن أن تقوم في مجتمع يقوم على تهميش جزء من شعبه ، هل يمكن أن نمضي إلى الديمقراطية بساق عرجاء ، هل يمكن أن نقول للعالم أن مصر لا يوجد بها من المسيحيين الأكفاء من يمكنه أن يتولى وزارة أو محافظة أو مديرية للأمن أو أنه حتى الآن تتبنى الوجوه السلفية التي لا تزال تُفتي بأنه لا يجوز أن يكون الرئيس من المسيحيين ، أو ، أو ، أو ، حتى تعلن " أو " عن تمردها . الواجهة اللامعة للديمقراطية لا تكون إلا بإلغاء كلمة مواطنة بالكامل واستبدالها بأننا شعب واحد بالفعل يحكمه القانون وترتفع فيه الكفاءات فوق أي مسمى آخر . نرجو أن نبدأ بهذه الخطوة ثم بعد ذلك نقف على أرض خصبة لنضع بذرة الديمقراطية التي نسمع عنها ولم نر وجهها حتى الآن . لا سامح الله أي فترة أو نظام من أنظمة الحكم السابقة جسمت فوق صدر البلد تخنقه حتى لا يتلفظ بأي حرف من حروفها ، وبارك الله في وقتنا الحالي ويتحقق ما حلمنا به خطوة خطوة حتى لا يكون هناك عودة لخطوة واحدة إلى الخلف . عندما نتحدث بصراحة تامة فهذا إعلان عن حبنا للوطن وأمنية بأن نراه فوق منارة التقدم والديمقراطية ، أما إذا جبنت الكلمات وعادت إلى الخلف من فوق الشفاة ، فهذا إعلان عن أنه لا ولاء لنا ولا وطن ولد على أرضه الأباء وأجداد الأجداد ، وإننا لا نصلح أن نكون سوى نعاج في زريبة العبودية !!!

 

أخبار متعلقة :