بوابة صوت بلادى بأمريكا

توفيق حنا يكتب: نموذج لادب الحوار بين البابا شنوده الثالث وصاحب “عودة الروح” توفيق الحكيم

وجدت بين اوراقى القديمه هاتين الرسالتين اقدمهما هنا.. او اقدم بعض ماجاء بهما كنموذج رائع لادب الحوار بين مصرى قبطى ومصرى مسلم.

نشرت الرسالتان فى شهر ديسمبر عام 1985 فى دفتر الجيب رقم 3 التى نجد هذا الحديث الشريف شعارا لما يسجله توفيق الحكيم فى دفتره:

“ان قامت الساعه وفى يد احدكم فسيله، فان استطاع ، ان لايقوم حتى يغرسها، فليغرسها”

يقول توفيق الحكيم فى بداية رسالته:

“قرأت فى دفترى عباره افزعتنى وسجلتها لاسأل فيها حتى يطمئن قلبى.. عبارة الاصحاح الثانى عشر من انجيل لوقا قال فيها السيد المسيح.

“جئت لالقى نارا على الارض، اتظنون انى جئت لاعطى سلاما على الارض، كلا اقول لكم بل انقساما”

وأتمنى أن اكذب هذا الكلام وأصرح بإنزعاجى باعتباري مسلما جاء فى قرآننا الكريم قول الله تعالى فى سورة البقره” وآتينا عيسى بن مريم البينات وايدناه بروح القدس..” ثم قوله تعالى فى سورة آل عمران: “واذ قالت الملائكه يامريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين..” ثم فى هذه الآيه ايضا:

“ان الله يبشرك بكلمه منه اسمه المسيح بن مريم..” ويتساءل توفيق الحكيم المصرى المسلم المؤمن:

“فكيف والمسيح بن مريم كلمة من الله ، جاء ليلقى نارا على الارض .. والله تعالى هو الرحمن الرحيم، وكما قال عن نفسه فى سورة الانعام:

“قل لله كتب على نفسه الرحمه...”

ويؤكد سؤاله مرة اخرى تعبيرا عن انزعاجه:

“فكيف يكون الله تعالى هو الرحيم وانه كتب على نفسه الرحمه.. ويقول فى قرآنه عن المسيح كلمه منه.. والمسيح يقول فى انجيل لوقا انه جاء ليلقى نارا على الارض؟

ويتساءل توفيق الحكيم:

“ما وقع هذه العباره فى انجيل لوقا على الشخص العادى من المسيحيين والمسلميين ممن لايتسنى لهم البحث والسؤال؟

ويقول توفيق الحكيم “اما فيما يختص بالمسيحيين فمن اسأل غير كبيرهم الذى احمل له التقدير الكبير لعلمه الواقع وايمانه العميق، البابا شنوده”

وفى يوم 9/12/1985 (بعد مقالة توفيق الحكيم فى دفتر الجيب بتاريخ 2/12/1985) نشرت الاهرام رد قداسة البابا شنوده الثالث على تساؤل كاتبنا الكبير توفيق الحكيم.. وفى بداية هذا الرد الذى يتسم بالتقدير والمحبه نقرأ:

“حينما نتحدث عن آيه من الكتاب لانستطيع ان نفصلها عن روح الكتاب كله، لاننا قد لانفهمها مستقله عنه.. فلنضع امامنا اذن روح الانجيل ورسالة المسيح التى ثبتت في أذهان الناس ثم نفهم تفسير الآيه فى ظل المفهوم العام الراسخ فى قلوبنا”

وعن رسالة السيد المسيح يقول البابا شنوده الثالث:

“رساله السيد المسيح هى رساله حب وسلام سلام مع الله وسلام مع الناس احباء واعداء وسلام داخل نفوسنا بين الجد والعقل والروح”

وقد دعى السيد المسيح “رئيس السلام” وقد قال لنا “سلامى اترك لكم، سلامى اعطيكم، لاتضطرب قلوبكم ولاتجزع” وفى مقدمة عظة السيد المسيح على الجبل طوبى لصانعى السلام لانهم ابناء الله يدعون” ثم يقول لتأكيد رسالة السلام والمحبه:

“ودعا السيد المسيح الى السلام حتى مع الاعداء والمقاومين فقال “لاتقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الايمن فحول له الآخر ايضا ومن اراد ان يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا “ ومن سخرك ميلا، فاذهب معه اثنين، ومن سألك فاعطه” بل قال اكثر من هذا : “احبوا اعدائكم، باركوا لاعنيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم لانه ان احببتم الذين يحبونكم، فاى اجر لكم، وان سلمتم على اخوتكم فقط، فأى فضل تصفون”

ثم يقول ردا على تساؤل الحكيم “النقطه الاولى فى سؤالكم وهى قول السيد المسيح:

“جئت لالقى ناراً على الارض.. فماذا اريد لو اضطرمت”

1/ ان النار ليست شرا فى ذاتها. والا ماكان الله قد خلقها.

2/ فالنار ترمز الى عمل الروح القدس فى قلب الانسان... وهذه النار هى مصدر الحرارة الروحية وقد طلب منا الانجيل ان نكون “حارين فى الروح” وقيل ايضا “لاتطفئوا الروح”

3/ والنار ترمز ايضا فى الكتاب الى المحبه وقيل فى ذلك “مياه كثيره لاتستطيع ان تطفئ المحبه”

4/ والنار قد ترمز ايضا الى كلمة الله.

ثم يقول:

“فالذى كان يقصده السيد المسيح: اننى سالقى النار المقدسه فى القلوب فتطهرها، وتشعلها بالغيرة المقدسة لبناء ملكوت الله على الارض، لذلك قال: ماذا لو اضطرمت”

ثم يقول عن النقطه الثانيه: “.بقى آن نتحدث عن النقطة التالية : النقطه الثانيه من سؤالكم وهى قول السيد المسيح بعد الاشاره الى آلامه مباشره “اتظنون اننى جئت لالقى سلاما على الارض؟، كلا، اقول لكم بل انقساما”

ويفسر البابا شنوده اسباب ومبررات هذا الانقسام: “المبادئ الروحيه الجديده التى جاء بها السيد المسيح وهى تختلف عن سلوكيات وطقوس العبادات القديمه وكان اول من انقسم على المسيح وعلى تلاميذه اليهود وقاداتهم ليس بسبب المسيح وانما بسبب تمسك اليهود بملك أرضي  وبسبب تفسيرهم الحرفى للكتاب.. لدرجة انهم تآمروا عليه ليقتلوه لانه شفى مريضا فى يوم سبت.. بل ان القديس بولس لما تحدث عن القيامه حدث انشقاق وانقسام بين طائفتين من اليهود هما الفريسيين والصدوقيين...” ثم يقول ايضا “وانقسم اليهود على المسيح لانهم كانوا يريدون ملكا ارضيا ينقذهم من الرومان، اما هو فقال لهم: “مملكتى ليست من هذا العالم” فلم يعجبهم حديثه عن ملكوت الله.. ولاقوله “اعطوا ما لقيصر لقيصر..”

وهكذا قامت ضد المسيح كهنة اليهود وشيوخهم والكتبة والفرسيين والصدوقين

ويقول “وكان لابد من صراع بين عبادة الله والعبادات الاخرى”

ويتساءل البابا شنوده سؤالا استنكاريا:

“اكان المسيح يترك رسالته لاينادى بها خوفا من الانقسام، تاركا الوثنيين فى عبادة الاصنام؟ ألا يكون هذا سلاما باطلا؟! ام كان لابد ان ينادى لهم بالايمان السليم، ولاخوف من الانقسام، لانه ظارهة طبيعيه، فطبيعى ان ينقسم الكفر على الايمان، وطبيعى ان النور لايتحد مع الظلام” ثم يقرر هذه الحقيقه المسيحيه: “لقد وقف السيف ضد المسيحيه، لم يكن منها، وانما عليها. وعندما رفع بطرس سيفه ليدافع عن المسيح وقت القبض عليه، انتهره ومنعه قائلا:

“اردد سيفك الى غمده، لأن كل الذين يأخذون بالسيف، بالسيف يهلكون” ثم يقول: “وكان نتيجة السيف الذى تحمله المسيحيون، ونتيجة انقسام الوثنيين واليهود عليهم، مجموعه ضخمه من الشهداء” وينتهى الى هذه البديهيه: “الانقسام هنا ليس شرا، وانما ظاهره طبيعيه”

واخيراً يأتى البابا شنوده الى النقطه الثالثه فى سؤالكم:

وهى عبارة “هل المؤمن العادى يفطن لاول وهله الى المعنى الحقيقى لقول السيد المسيح؟”

تكلم السيد المسيح عن الانقسام فى مجال نشر الايمان، اما فى الحياه العاديه، فانه دعا الى الحب بكل اعماقه، وورد فى الانجيل ان “الله محبه”

اجيب انه من اجل هذا وجد فى كل دين وعاظ ومعلمون ومفسرون، وكتب للتفسير فمن يريد عمقا فى فهم آيه – امامه الكتب او سؤال المتخصص..” ثم يختم البابا شنوده خطابه الى توفيق الحكيم: “وختاما اشكركم كثيرا، لانكم اتحتم فى هذه الفرصه لى الحديث معكم ومع قرائكم الكرام. دامت محبتكم” (ومع هذه الكلمات انشر صوره لخطاب البابا الى كاتبنا الكبير توفيق الحكيم)

 

(ارسلت لى الصديقه الراحله د. سعاد انطونيوس بقطر هاتين الرسالتين فة نشرهما.. من القاهره)

والذى دعانى الى نشر هذه النموذج الجميل لآدب الحوار ان رواية “عزازيل” تعرضت لهذه الآيه (ص 152 ، ص 240)

 

هامش:

عندما انتهيت من قراءة رواية “عزازيل” هذه السيره النسطورية لمؤلفها او مترجمها يوسف زيدان خرجت بانطباع واحد. هذا الانطباع بعد هذه القراءه الاولى هو ان الافتعال او التصنع او التكلف فى الشكل وفى المضمون وفى الموضوع.. اوضح واقوى من  الفعل او الصنعه الفنيه الصادقه.. لا ادرى لماذا؟ لن احاول الاجابه – لا الصحه تسعفنى ولا الوقت ولكننى احببت ان اسجل كقارئ فقط انطباعى هذا بعد رحله طويله.. طويله ومرهقه وغير ممتعه (باستثناء هذه الوقائع الدخيله والتى تتعلق بمارتا واوكتافيا، كما صدمنى ان يخطئ - هذا الراهب والطبيب المصرى - فى تسجيل اسم إله الطب المصرى.. مهندس هرم سقاره امحتب Imhoteb فيكتيه آمنحتوب (ص 249) ولعل هذا الخطأ او هذه الخطيئه او زلة القلم هذه لعل هذا هو الذى اكد عندى هذا الانطباع ولا ادرى كيف تجاوز حكام “البوكر” عن هذا الخطأ لا ادرى عن جهل هذا التجاوز.. او هذا التجاهل.. مع كل تقديرى لهذه الجائزه.

 

أخبار متعلقة :