عشرات البلاغات والمحاضر حُررت خلال الفترة الماضية على مستوى الجمهورية من إدارات التفتيش الصيدلي بالمديريات – أصحاب الضبطية القضائية - ضد عدد كبير من مالكى الصيدليات بالتعدي عليهم بمعاونة أهليتهم والعاملين معهم فى تلك الصيدليات، وذلك أثناء منعهم من تحريز أدوية مجهولة المصدر تم ضبطها لديه وأدوية أخرى مُجرم بيعها أو تداولها في الصيدليات إلا بتصريح رسمي.
التحقيقات فى معظم تلك البلاغات والمحاضر بين مفتشى الصيدليات الحاملين لصفة مأموري الضبط القضائي وبين أصحاب وملاك الصيدليات تدور حول أحقية مفتشي الصيدليات الحاملين لصفة مأموري الضبط القضائي من الناحية القانونية تفتيش الصيدليات دون إذن قضائي وفي غير أحوال التلبس طبقا للمادة 50 من قانون مكافحة المخدرات، ما يؤدى معه إلى حالة من الشد والجذب والاشتباك بالأيدي أحياناَ.
في التقرير التالي "اليوم السابع" يلقى الضوء على تلك الإشكالية من الناحية القانونية، وهل القانون تصدى لمثل هذه الظاهرة، ودور محكمة النقض فيها ومدى علاقة المادة 50 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر فاروق الأمير.
محكمة النقض وطريقة التصدى للأزمة
محكمة النقض ذهبت في حكم حديث لها طبقا للطعن رقم 4356 لسنة 88 جلسة 2018/11/24، أنه يجوز لمفتشي الصيدليات الحاملين لصفة مأموري الضبط القضائي تفتيش الصيدليات دون إذن قضائي وفي غير أحوال التلبس طبقا للمادة 50 من قانون مكافحة المخدرات، وذلك بعدما أجرت تفرقة بين مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص الخاص المقصور على جرائم معينة تحددها طبيعة وظائفهم ومنهم مفتشي الصيدليات طبقا للمادة 50 من قانون مكافحة المخدرات ومأمورى الضبط القضائي ذوي الاختصاص العام طبقا للمادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية – وفقا لـ"الأمير".
المادة 50 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بشأن مكافحة المخدرات
وبحسب المادة 50 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها فقد خولت لمفتش الإدارة العامة للصيدليات بوزارة الصحة دخول مخازن ومستودعات الاتجار في الجواهر المخدرة والصيدليات، وذلك للتحقق من تنفيذ أحكام هذا القانون وخولت لهم الاطلاع على الدفاتر والأوراق المتعلقة بالجواهر المخدرة ويكون لهم صفة رجال الضبط القضائي بما يتعلق بالجرائم التي تقع بهذه المحال.
التنسيق بين وزير العدل والوزير المختص
ويبين من نص المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم 26 لسنة 1971 أن مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص العام وبعضهم ذو اختصاص خاص مقصور على جرائم معينة تحددها لهم طبيعة وظائفهم، وهم الذين عنتهم المادة 23 بقولها، ويجوز بقرار وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة للجرائم التي تقع في دائرة اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم.
كما نصت المادة 50 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 على أن: "لمفتش الصحة دخول مخازن ومستودعات الاتجار فى الجواهر المخدرة والصيدليات والمستشفيات والمستوصفات والعيادات ومصانع المستحضرات ومعامل التحاليل الكيمائية والصناعية والمعاهد العلمية المعترف بها، وذلك للتحقق من تنفيذ أحكام هذا القانون، ولهم الاطلاع على الدفاتر والأوراق المتعلقة بالجواهر المخدرة، ويكون لهم صفة رجال الضبط القضائي فيما يتعلق بالجرائم التي تقع بهذه المحال، ولهم أيضاً مراقبة تنفيذ أحكام هذا القانون في المصالح الحكومية والهيئات الإقليمية والمحلية، ولا يجوز لغيرهم من مأموري الضبط القضائي تفتيش المحال الواردة في الفقرة السابقة إلا بحضور أحد مفتشي الصيدلية.
تطبيقات محكمة النقض
وإذ كان ذلك – وفقا لحيثيات الحكم - وكان الثابت من شهادة شاهدى الإثبات أنه صدر أمر من رئاسة تفتيش الإدارة العامة للصيدليات بتكليف لجنة من الشاهد الثاني وآخران معه وهم من مفتشي الصيدليات والذين يتمتعون بصفة مأموري الضبط القضائي لمرافقة الشاهد الأول وهو ضابط بالإدارة العامة لمباحث القاهرة وأحد مأموري الضبط القضائي فى مهمة تتعلق بالتفتيش على صيدلية المتهم وهو من صميم اختصاصات المذكورين وإذا تبين لهم أثناء عملية التفتيش وجود جواهر مخدرة غير مصرح للمتهم بحيازتها أو تداولها إذ إنه وحسبما قرر المتهم طرحه وأمام هذه المحكمة أنه غير مرخص له بحيازة وتداول العقاقير المخدرة ولا توجد ثمة سجلات يتم تدوين أي عقاقير مخدرة بها وكان الهدف الأساسي من دخول تلك الصيدلية من قبل المذكورين هو ضبط ما عسی أن يُسفر عنه التفتيش من وجود عقاقير مخدرة ومن ثم تكون حالة التلبس قد تحققت جلية لهم فإذا ما قاموا بضبطها وضبط المتهم فإن ذلك يكون تطبيقاً لصحيح القانون بل هي إحدى الحالات المثلى لتوافر حالة التلبس التي عناها المشرع ويكون ما أسفر عنه ذلك التفتيش صحيحاً منتجاً لكافة آثاره القانونية ويضحى الدفع المبدی من دفاع المتهم فى هذا الشأن على غیر سند من القانون والواقع متعیناً طرحه.
دخول الصيدليات للاطلاع على الأوراق فقط
وهذا الحكم – بحسب "الأمير" - فيه نظر ويجب أن يؤخذ في الاعتبار لأنه انتقص من حرمة الصيدليات دون سند يزكية فالصيدليات باعتبارها محال عمومية لها حرمة مستفادة ضمنا من المادة 91 إجراءات جنائية أو من اتصالها بشخص صاحبها طبقا لقضاء النقض، حيث أن قانون مكافحة المخدرات قد أجاز دخولها لمفتشي الصيدليات، فإن ذلك لغرض محدد بينه وهو الإطلاع علي الدفاتر والأوراق المثبتة للجواهر المخدرة، وبالتالى لا يجوز لهم تجاوز هذا الغرض وتفتيشها بحثا عن أدلة جريمة، لأن التفتيش عندئذ يكون "قضائي" وليس "إداري" فيلزم لصحته أمر قضائي مسبب أو تتكشف حالة تلبس من جراء الدخول والإطلاع على الدفاتر.
وليس في دلالة ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 50 إجراءات من حظر تفتيش الصيدليات علي مأموري الضبط القضائي ذو الاختصاص العام إلا بحضور أحد من مفتشي الصيدليات ما يجيز للأخير التفتيش إذ أن سلطاته تقتصر على الاطلاع على الدفاتر، وكل ما قصده القانون في الفقرة الأخيرة من المادة 50 هو التأكيد على ألا يجري رجال الضبط القضائي ذو الاختصاص العام تفتيش الصيدليات في الأحوال التي يصح لهم فيها ذلك وهي الإذن القضائي والتلبس إلا في حضور أحد مفتشى الصيدليات على أساس أن الأخير ذو خبرة بنوعية العقاقير المخدرة وغيرها دون أن يقصد المشرع تخويل مفتشي الصيدليات سلطة تفتيش الصيدليات كأحد الإجراءات الإدارية للتحقق من الالتزام بأحكام قانون المخدرات – الكلام لـ"الأمير".
قرار محكمة النقض
بل إن مسايرة محكمة النقض في قضائها يؤدي إلى عدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 50 لتعارضها مع المادة 54 من الدستور التي حظرت تفتيش الأشخاص دون أمر قضائي مسبب إلا في أحوال التلبس وقضاء النقض مستقر علي أن الصيدلية، كمتجر تستمد حرمتها من حرمة الشخص ذاته فلا يجوز تفتيشها إلا عند جواز تفتيشه.
قرار محكمة النقض 2
يشار إلى أن لجنة قطاع الدراسات الصيدلية بالمجلس الأعلى للجامعات أعدت تقريرا مفصلا حول أعداد الصيادلة فى مصر، الأمر الذي كشف مفاجأة كبيرة فى أعداد هذه الفئة حيث أوضحت الدراسة - التى اعتمدت على البيانات المتوفرة فى عام 2017 - أن عدد كليات الصيدلة فى مصر يبلغ حوالي 43 كلية صيدلة منها 22 كلية تابعة لجامعات حكومية "3 تابعة لجامعة الأزهر"، و21 كلية تابعة لجامعات خاصة.
قرار محكمة النقض 3
كما أن عدد الصيادلة فى مصر بلغ 216072 صيدليا بمعدل صيدلى لكل 438 مواطنا، بزيادة أربعة أضعاف على المعدل العالمي، ويزيد عدد الصيدليات فى مصر على 75165 صيدلية بمعدل صيدلية واحدة لكل 1261 مواطنا بما يقترب من ثلاثة أضعاف المعدلات العالمية.
قرار محكمة النقض 4
هذا الخبر منقول من اليوم السابع