سماع شهادة الشهود في المحاكمات أحد أهم محطات ومراحل نظر القضايا حيث يتم تأجيل الحكم فيها لحين الانتهاء من سماع الشهود سواء الإثبات أو النفي بغرض التحقيق والتدقيق في الأحكام ليطمئن قلب المحكمة، قبل صدور أي من الأحكام سواء بالإدانة أو البراءة، الأمر الذي يطرح معه العديد من الأسئلة حول سماع شهاد الشهود.
والشهادة وفقا لأحكام القانون المصري تنص المادة 110 من قانون الإجراءات الجنائية على سماع الشهود كأحد إجراءات التحقيق الابتدائي بقولها: "يسمع قاضى التحقيق شهادة الشهود الذين يطلب الخصوم سماعهم، ما لم ير عدم الفائدة من سماعهم، وله أن يسمع شهادة من يرى لزوم سماعه من الشهود، عن الوقائع التي تثبت أو تؤدى إلى ثبوت الجريمة وظروفها وإسنادها إلى المتهم أو براءته منها".
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية مدى جواز سماع الشهود الذين لم يبلغ سنهم 10 سنوات بدون حلف يمين، ومدى جواز الأخذ بأقوالهم على سبيل الاستدلال إذا أنس القاضي فيها الصدق، وهل يشترط في الشاهد أن يكون بالغاً لسن الرُشد حتى تُقبل شهادته؟ وهل للشهادة نصاب أم يكفي شاهد واحد؟ وما هي الحالات التي يلزم فيها إحضار شاهدين على الأقل؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض عماد الوزير.
المشرع المصري قد أجاز سماع الشهود الذين لم يبلغ سنهم 10 سنوات بدون حلف يمين على سبيل الاستدلال، ولم يحرم الشارع على القاضي الأخذ بتلك الأقوال التي يدلى بها الشاهد على سبيل الاستدلال إذا أنس فيها الصدق، فهي عنصر من عناصر الإثبات يقدره القاضي حسب اقتناعه، كما أن من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مآخذه الصحيح في الأوراق – وفقا لـ"الوزير".
سن الشهادة
والواقع يؤكد أن الإثبات عن طريق الشهادة يشكل جانبا أساسيا في البحث الإجرائي إذ تدور حوله إجراءات التحقيق الابتدائي والنهائي، وأن إقرارات الشاهد تعتبر من أهم الأدلة التي يستعن بها القاضي في الخصومة الجنائية، إذ ينصب على وقائع مادية أو معنوية يصعب إثباتها بالكتابة، والشهادة عماد الإثبات لأنها تقع فى أكثر الأوقات على وقائع مادية لا تثبت فى مستندات، حيث أن ماهية الشهادة، هي إثبات حقيقة واقعة معينة علم بها الشاهد من خلال ما شاهدة أو سمعة أو ادركه بحواسة الأخرى عن تلك الواقعة بطريقة مباشرة، ووفقا لنص المادة 64 من قانون الإثبات: "لا يكون أهلا للشهادة من لم تبلغ سنه 15 سنة على أنه يجوز أن تسمع أقوال من لم يبلغ هذا السن بغير يمين على سبيل الاستدلال"، وبالتالي لا يقبل شهادة من لم يبلغ سن 15 عام، وأن كان يمكن الاستماع للشاهد الذي يقل سنه عن 15 على سبيل الاستدلال.
نصاب الشهادة
ولكن هل يوجد نصاب للشهادة بمعنى هل يلزم إحضار شاهدين؟ - يُجيب "الوزير" - الأمر يختلف ما بين كون محل الشهادة أمر من الأمور التي تحكمها قوانين الأحوال الشخصية والأسرة والتي يلزم فيها إحضار شاهدين ويتعين أن يكونا رجلان أو رجل وامرأتان تتوافر فيهما باقي الشروط إعمالا لأحكام الشريعة الإسلامية، وبين غيرها من المنازعات المدنية والتي نرى أنه يجوز إحضار شاهد واحد فيها لكون القانون خلا من النص على وجوبية إحضار شاهدين أو أكثر وبالتالي يحق لكل خصم إحضار شاهد واحد كما يحق له إحضار شاهدين أو أكثر وهنا الأمر قاصر على المنازعات المدنية فقط بينما منازعات الأسرة أو الأحوال الشخصية يجب فيها إحضار شاهدين.
تطبيقات النقض حول الشهود
وقد سبق لمحكمة النقض أن تصدت لمثل هذه الأزمة فى عدة أحكام حيث قضت فى الطعن رقم 2870 لسنة 53 القضائية بأن القانون قد أجاز سماع الشهود الذين لم يبلغ سنهم عشرة سنوات بدون حلف يمين، وجواز الأخذ بأقوالهم علي سبيل الاستدلال إذا أنس القاضي فيها الصدق، و تعييب الحكم اعتماده علي أقوال المجني عليها بصفة أصلية بحجة عدم استطاعتها التمييز لصغر سنها يعد بمثابة جدل موضوعي فى تقدير الدليل، فهى عنصر من عناصر الاثبات يقدره القاضي حسب اقتناعه.
وقضت محكمة النقض أيضاَ: "للشهادة في فقه الشريعة الإسلامية ضوابط وشروط منها أن يشهد على شهادة كل أصل رجلان أو رجل وامرأتان، ولو كان أحد الشهود الأصل إمراة فلو شهد على شهادة كل أصل شاهد واحد أو رجل وامرأة أو امرأتان لم تقبل هذه الشهادة لأن الفروع إنما تشهد أمام القاضي على شهادة الأصول وتعتبر شهادة كل أصل حق يراد إثباته أمام القاضي ولا يثبت الحق أمامه بدون نصاب كامل"، وذلك في الطعن رقم 35 لسنة 34 جلسة 1967/11/15.
إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعن تمسك بتملكه لعين النزاع بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية امتداداً لوضع يد سلفه عليها لمدة تزيد على خمس عشرة سنة سابقة على نفاذ القانون 147 لسنة 1957، وذلك بعد انتهاء تخصيصها للمنفعة العامة ودخولها فى عداد الأموال الخاصة للدولة واستدل على ذلك بقيامه وسلفه بالبناء عليها بعد أن زالت معالم تخصيصها للمنفعة العامة غير أن الحكم المطعون فيه أغفل هذه الوقائع وطرح ما انتهى إليه خبير الدعوى من أن أرض النزاع من أملاك الدولة الخاصة.
وأن الطاعن يضع اليد عليها خلفاً عن سلفه لمدة تزيد على عشرين سنة سابقة على سريان القانون 147 لسنة 1957 بقالة أن تقرير الخبير بنى على أقوال شاهدين لم يبلغا سن تحمل الشهادة فى بداية حصول واقعة وضع اليد، على حين أن المقرر قانوناً أن العبرة فى سن الشاهد بوقت الإدلاء بالشهادة لا وقت حصول الواقعة التي يشهد بها، كما قضى بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى تأسيساً على أن عين النزاع من أملاك الدولة المخصصة للمنفعة العامة دون أن يبين سنده أو المصدر الذى استقى منه ذلك فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال، وذلك طبقا للطعن رقم 3687 لسنة 78 جلسة 2016/01/03.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع