تمر اليوم 28 من سبتمبر، الذكرى الـ 49 على رحيل زعيم الأمة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، الذى ترك خلفه تاريخا طويلا، بدأ بكاريزما قوية، مرورا بحركته الثورية لتحرير مصر والتي كانت الشرارة الأولى والمحرك الأساسي لكل الثورات التحررية العربية تجاه المستعمر الأجنبي، وصولا لبناء الدولة المصرية.
وفى مراحل بنائها، وضع عبد الناصر اللبنة الأولى فى صرح الدبلوماسية المصرية، ربما طرأت عليها تغيرات طبيعية السنوات الماضية، لكنها لا تزال عصب الدبلوماسية المصرية، حيث رسخت لفكرة أن النهوض بالأمة العربية يأتى فى المقام الأول عبر حماية الأمن القومى العربى والتفاعل الإفريقى والترابط الإسلامى، تلك الأسس التى وضعها عبدالناصر قبل أكثر من نصف قرن، وغابت طويلا عن صانع القرار فى مصر قبل أن يعيد أحيائها الرئيس عبد الفتاح السيسي بدبلوماسية عابرة للحدود، وضع الأمن القومى العربى نصب عينه، وانطلق لتعزيز علاقة مصر بالقارة السمراء.
زعيم الامة
وفى ذكرى رحيل عبد الناصر، وفى ضوء فهم كتابه "فلسفة الثورة" الذى قدمه فى السنوات الأولى لثورة يوليو 1952، رسم الرئيس الأسبق رؤية ونهج فى الداخل والخارج، مكناه خلال تلك الحقبة من إحداث انتصارات ضخمة، تخللها تجارب مريرة، وفترات إنجاز وقصور شكلت فى مجملها مرحلة تاريخية من أدق المراحل التى مرت بها مصر ليحمل عن جدارة لقب "زعيم الأمة".
وشكل الكتاب التراث الفكري للرئيس جمال عبد الناصر، الذى شرح من خلاله الإطار والخطوط العامة لبرنامج العمل بعد رحيل الملك فاروق، وجاءت السياسة الدولية المصرية فى البند الرابع، وشرح مرتكزات 3 فى "فلسفة الثورة"، والتى ظلت تمثل المرجع الأول لسياسة مصر الخارجية.
عبد الناصر وياسر عرفات
الدائرة العربية
قسم عبد الناصر السياسة الخارجية المصرية إلى دوائر ثلاثة، الأولى الدائرة العربية، ثم الدائرة الافريقية والأخيرة الدائرة الإسلامية، فى الدائرة الأولى نجد أن عبد الناصر أولى اهتمامًا بالغًا بالأمن القومى العربى، الذى رأى أن أى تهديد لأى بلد عربى يعد تهديدًا لكافة البلدان العربية.
وفى كتابه "فلسفة الثورة"، قال ناصر: "دوائر الحركة الخارجية لمصر يجب أن تبدأ بالدائرة العربية التى يربطها بمصر تاريخ مشترك ومصالح عميقة، وأن أى تهديد يوجه لدولة عربية يكون، موجها بنفس الدرجة إلى كل الدول العربية، واعتبر كتابه أن أهمية البترول العربى وما ينتظره من دور حيوى فى السياسة الدولية وما يمكن أن يوفر مصدر قوة للعرب".
الدائرة الأفريقية
أما الدائرة الثانية من دوائر مرتكزات السياسة الخارجية المصرية، فتمثلت فى "القارة السمراء"، وأولى عبد الناصر الدائرة الأفريقية أهمية كبرى، باعتبار أن مصر البوابة الشمالية لإفريقيا، وقدم شرحا تفصيليا عن شكل الدبلوماسية المصرية على الخريطة الإفريقية، حيث يقول فى كتابه "لسوف تظل شعوب القارة تتطلع إلينا، نحن الذين نحرس الباب الشمالى للقارة، والذين نعتبر صلتها بالعالم الخارجى كله".
ليست الحكومات الإفريقية وحدها التى كانت فى طليعة اهتمام عبد الناصر، بل حمل على عاتقه أيضًا مساعدة الشعوب الإفريقية، قائلًا: "ليس فقط بحكم موقعنا الجغرافى فى القارة، ولكن بحكم تطلع شعوب القارة إلى مصر، لمعاونة هذه الشعوب التى تنشد النور والحضارة فى أعماق القارة"، ودعا عبد الناصر من خلال كتابه بفكرة إنشاء معهدًا ضخمًا لأفريقيا يعمل على كشف أسرار القارة ودعم شعوبها ورفاهيتها، قائلًا "لسوف أظل أحلم باليوم الذى أجد فيه فى القاهرة معهدًا ضخما لإفريقيا، يسعى لكشف نواحى القارة أمام عيوننا ويخلق فى عقولنا وعيا أفريقيا، مستنيرا ويشارك مع كل العاملين فى كل أنحاء الأرض على تقدم شعوب القارة ورفاهيتها، وتم بناء معهدا بالفعل عام 1960".
وأقر الزعيم الراحل أن النيل شريان حياة مصر وأمنها القومى، قائلًا "النيل شريان الحياة لوطننا يستمد مكانه من قلب القارة.. ورأى ناصر فى السوادان "بلد شقيق وصفة بالحبيب، تمتد حدوده إلى أعماق أفريقيا، وترتبط بصلات الجوار مع المناطق الحساسة فى وسطها".
واللافت أيضًا أن عبد الناصر لم يؤسس فقط لسياسة دولية مصرية، بل حذر أيضًا من مخاطر المتربصين للأمن القومى المصرى، وحذر فى كتابه من مساعى تقسيم بلدان الجوار، قائلًا "المؤكد أن أفريقيا الآن مسرح لفوارن عجيب، مثير، وأن الرجل الأبيض الذى يمثل عدة دول أوروبية يحاول الآن إعادة تقسيم خريطتها، ولن يستطيع بحال من الأحوال أن نقف أمام الذى يجرى فى أفريقيا ونتصور أنه لا يمسنا ولا يعنينا".
عبد الناصر
الدائرة الإسلامية
وينتقل عبد الناصر بالشرح إلى الدائرة الثالثة للدبلوماسية المصرية، وهى الدائرة الإسلامية باعتبارها إحدى دوائر سياسة مصر الخارجية، آملا فى إرساء تعاون قوى بين مختلف الدول الإسلامية يساعد على توظيف إمكانياتها الهائلة لصالح شعوبها.
وعبر عن إيمانه بتقوية وتعزيز العلاقات بين البلدان الاسلامية، وقال: "لقد ازداد إيمانى بمدى الفاعلية الإيجابية التى يمكن أن تترتب على تقوية الرباط الإسلامى بين جميع المسلمين، أيام ذهبت مع البعثة المصرية إلى المملكة العربية لتقديم العزاء فى وفاة عاهلها الراحل الكبير" (الملك عبد العزيز آل سعود الذى توفى فى نوفمبر 1953.
هكذا وضع الزعيم المحنك أسس السياسة الدولية المصرية، لتحصين بلاده وثورة يوليو 52 من المتربصين بها ممن تحطمت أحلامهم الاستعمارية على يده، تلك الأسس أحياها الرئيس السيسي بما تتطلب المرحلة، فالأمن القومى العربى شكل بوصلة سياسة مصر الخارجية، ودعم القارة السمراء والتفاعل الافريقى كان ولايزال أحد مرتكزات السياسة الخارجية المصرية فى افريقا، والترابط العربى الاسلامى لحماية مصر من أخطار جماعات ارهابية تقف خلفها بلدان انتهازية تترصد للنيل من مصر.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع