قد يحتار الواحد فيما رأيناه اليوم من تضارب بشأن رؤية هلال عيد الفطر المبارك، فماذا يعني أن يظهر مفتي الديار المصرية الشيخ شوقي علام ليقول إن غدا هو المتمم لشهر رمضان المبارك، ثم يذاع بيان في الجرائد والقنوات ليقول إن هناك محاولة أخرى لرؤية الهلال بعد العشاء، ثم تظهر دار الإفتاء مرة أخرى لتقول إنه لا صحة لما قيل بأن هناك محاولة لرؤية الهلال؟ ثم ما هو السبب الحقيقي الذي يجعل دار الإفتاء تصرح غاضبة قبيل إعلان الرؤية بأنها هي الوحيدة التي من حقها استطلاع رؤية شهر رمضان وأنها الوحيدة التي يجوز لها إعلان العيد؟ ثم كيف يكون الجميع على يقين من أن هلال شهر شوال قد ولد بالفعل ومع ذلك نستمر في تكذيبنا لولادته لأننا لم نره بالبصر؟
هل تريد أن تعرف العنوان العريض الذي يجيب عن هذه التساؤلات؟.. إليك الحقيقة عارية تماما، ما رأينا اليوم هو حلقة صغيرة في مسلسل سلطوية رجال الدين، فصل من فصول إثبات القوة بين العلم ورجال الدين، لسان حال رجال الدين يقول: كيف لهؤلاء التجرؤ على مكتسباتنا التاريخية ليعلنوا بداية الصوم أو نهايته؟ كيف للعلم أن يسحب البساط من تحت أقدام رجال الدين حتى ولو كان على حق؟
هذه هي القضية بلا تجميل أو تضليل، فعلى ما يبدو فإن حالة ترقب مفتي الجمهورية ليعلن أن غدا العيد أو أن غدا هو المتمم لشهر رمضان غالية على رجال الدين لدرجة أنهم يفزعون كلما أدلى العلم بدلوه فيها، تماما مثل مسألة تحريم شيء أو إباحة شيء، فهذه الأمور لديهم بمثابة منطقة نفوذ يحاربون كل من يتجرأ عليها، ولهذا يقف رجال الدين بشراسة أمام كل من يتجرأ على هذه المكانة المزعومة، وكل من تسول له نفسه القول في أمر يحتكره رجال الدين.
وحتى لا يظن أحد أننا هنا نعادي الدين أن قوله في مقابل أي شيء آخر يجب علينا أن نتأمل فيما يقوله الدين في تلك المسألة الحساسة، والقول هنا يأتي على لسان رسول الله الذي يقول "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له » وهذا الحديث بالماسبة رواه البخاري، كما رواه مسلم بلفظ "أغمي" وفي الروايتين يقر الرسول في حالة الوضوح بأهمية الرؤية البصرية، لكنه يمنحنا رخصة لا مثيل لها حينما يقول "فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له" وهذه الجملة تعني إنه إذا ما تعذرت رؤيه الهلال بسبب وجود أي مانع مثل الغيوم أو دخان أو خلافه فقدروا له أي "أحسبوا له" وقديما في عهد الرسول لم تكن هناك هيئات ولا مراكز بحثية ولا معاهد متخصصة للحسابات والتقديرات، فكان رجال الدين هم الذين يقدرون ويحسبون، تماما مثلما كان رجال الدين هم الأطباء وهم الحكماء، أما الآن فقد صار لكل تخصص علماء، فيجب أن يلتزم كل عالم بعلمه، كما يجب أن تنتهي أسطورة أن رجال الدين هم "سوبر مان" الذي يفهم في كل شيء ويستطيع أن يفعل كل شيء.
هذا الأمر هو ما لا يعترف به رجال الدين وهو الأمر الذي توضحه فتوى لدار الإفتاء حول هذه الأزمة فتقول أنه يجب على كُلِّ أهل بلدٍ متابعةُ إمامهم في رؤية الهلال من عدمها، فإن الرؤية قد تختلف من بلد لأخرى، بشرط إمكان الرؤية وفقًا للحساب الفلكي، مع مراعاة أن الشهر القمري لا يزيد على ثلاثين يومًا ولا ينقص عن تسعة وعشرين، وأن رؤية المشرقي حجةٌ على المغربي إذا اتحد خط العرض" انتهى الاقتباس من قول دار الإفتاء، ويجب هنا أن نتساءل: ما معنى أن رؤية المشرقي (السعودي في حالتنا والباكستاني في حالة السعودي) حجة على رؤية المغربي؟ ولماذا لم يقم فضيلة المفتي هذه الحجة واختلف عن السعودية التي أعلنت أن العيد غدا؟
بلبلة كبيرة، واختلاف كبير، وصورة مزرية انعكست على المجتمع الإسلامي، لماذا؟ لأن دار الإفتاء في مصر لا تريد أن تتبع العلم والعلماء، وتريد أن تستخدم أساليب القرون الوسطى في زمن التقطنا فيه صورا للثقب الأسود، وفي النهاية أتوجه لفضيلة المفتي بسؤال: س لو أثبتت الأشعة وجود كسر بالساق أو ورم بالمعدة هل نسرع بالعلاج أم ننتظر رؤية الكسر أو اللورم بالعين؟
هذا الخبر منقول من اليوم السابع