الثقب الأسود أو الوحش الجائع.. لا شك أن حدث الكشف عن أول صورة له التاريخ، لن يمر مرور الكرام، بل سيشغل تفكير العديد من المتخصصين للعديد من السنوات القادمة، نظرا لما يمثله من ثورة سوف تساعدنا على فهمنا لكثير من الأمور التى ما زلت تشكل غموضا كبيرا بالنسبة لنا.
وبما أن الثقب الأسود، أو الوحش الجائع، هو مستنقع فلكى، لا يمكن لأى شىء الفكاك من قوته، سواءً كان الضوء، أو المادة، إلا أن ما حدث اليوم، هو بمثابة الوقوف على عتبته لأول مرة، تلك العتبة التى بمجرد المرور منها، تتعطل جميع القوانين الفيزيائية.
مؤتمر الكشف عن أول صورة لأثر الثقب الأسود
وما حدث اليوم، لم يكن ليحدث، إلا بمساهمة لن ينساها التاريخ، فمنذ 3 سنوات قامت طالبة فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تدعى كاتى بومان، بإنشاء خوارزمية جديدة لإنتاج أول صورة على الإطلاق تمكنا من رؤية الثقب الأسود.
كاتى بومان التى أعدت خوارزمية التقاط أثر الثقب الأسود منذ 3 سنوات
كاتى بومان، التى سبق وأن تمت استضافتها فى محافل دولية، وعلمية، للحديث عن الخوارزمية، أوضحت كيفية مساهتمها فى العمل على رؤية الثقب الأسود، وفى ذلك الوقت، قالت كاتى بومان، إن هناك احتمالية لأن يتم التقاط أول صورة للثقب الأسود، وستكون مسئولية موكلة لفريق دولى من العلماء، وذلك من خلال تليسكوب بحجم الأرض تقريبا، وخوارزمية تعمل على وضع أجزاء الصورة النهائية معا.
وقدمت كاتى بومان، التى تعمل على أبحاث تجريها فى مختبر علوم الكمبيوتر، تهدف إلى جعل الكمبيوتر يبصر من خلال الصور والفيديو، شرحا للتصور العملى الذى سوف يسهم فى تحقيق المشروع، وهو ما كتب له النجاح اليوم.
فى البداية قالت كاتى بومان، خلال حديثها مع الجمهور: إن غادرت المدينة ذات ليلة، وسرت مسافة طويلة، بعيدا عن الأضواء، فلربما يحالفك الحظ، وتستطيع أن تشاهد منظرا رائعا لمجرة درب التبانة، وإن استطعت أن تقرب الصورة متجاوزا ملايين النجوم، لمسافة 26 ألف سنة ضوئية باتجاه مركز درب التبانة المتلألئ، فسوف نصل نهاية المطاف إلى مجموعة من النجوم فى المركز تماما، وبإستخدام تيليسكوب بالأشعة تحت الحمراء لكى تخترق الغبار الكونى، تمكن علماء الفلك من مراقبة تلك النجوم طوال 16 عاما، ولكن الأكثر دهشة، وهو ما لا يقدرون على رؤيته، إذ بدا أن هذه النجوم تدور حول جسم خفى، وبتتبع مسار هذه النجوم، توصل علماء الفلك إلى نتيجة مفادها، أن الشئ الوحيد الصغير والثقيل القادر على التسبب فى هذه الحركة، هو ثقب أسود هائل.
مجرة درب التبانة
وبما أن الثقب الأسود، شئ كثيف جدا لدرجة أن يمتص أى شئ يقترب منه، حتى الضوء، فإن السؤال الذى طرح نفسه، ماذا لو تمكنا من تقريب الصورة أكثر؟، فهل سيكون من الممكن أن نشاهد شيئا يفيد تعريفه بعدم القدرة على رؤيته؟.
وأوضحت كاتى بومان، أنه تبين فى حال إذا ما قمنا بتكبير الصور على مستوى موجات الراديو، فمن المتوقع أن نرى حلقة مكونة من الضوء، ناتجة عن الجاذبية الكبيرة للبلازما الساخنة، التى تدور حول الثقب الأسود، وبمعنى آخر، فإن الثقب الأسود يلقى بظله على هذه الخلفية من المواد المشعة، ناحتا بذلك كرة من الظلام، وتكشف هذه الحلقة المشعة أفق الثقب الأسود، حيث تكون قوى الجاذبية كبيرة للغاية لدرجة أن الضوء لا يمكنه الفرار منها.
الثقب الأسود
وأشارت كاتى بومان، إلى أن معادلات آينشتاين تنبأت بحجم وشكل تلك الحلقات، ولهذا، فإن التقاط الصور لها لن يكون مذهلا فقط، لكنه سيكون برهانا على أن تلك المعادلات صحيحة، حتى فى الظروف المتطرفة التى توجد بقرب الثقب الأسود، إلا أن الثقب الأسود على بعد كبير من مكاننا، ولهذا فإن هذه الحلقات تبدو صغيرة جدا للغاية، كحجم ثمرة برتقال على سطح القمر، وهو ما يعنى أن مهمة التقاط صور لهذه الحلقات أمر شاق للغاية.
مؤتمر الكشف عن أول صورة لأثر الثقب الأسود
ورأت كاتى بومان أن الأمر فى مجمله يعتمد على معادلة بسيطة، تنص على أنه إذا رغبنا فى رؤية أصغر الأشياء، فيجب أن يكون حجم التيليسكوب أكبر بكثير، ولكن حتى باستخدام أقوى التيليسكوبات البصرية على الأرض، فلن نتمكن من الوصول إلى الدقة المطلوبة، لصورة جسم ما على سطح القمر، وبالتالى فإنه بإجراء الحسابات، يتضح لنا أننا سنكون بحاجة إلى تليسكوب بحجم كوكب الأرض، ولهذا فإن تمكنا من بناء هذا التليسكوب، فسوف نتمكن من أن نبدأ فى ملاحظة حلقة الضوء المميزة تلك، التى تدل على وجود ثقب أسود فى الأفق.
أحد التيليسكوبات المستخدمة فى تصوير أثر الثقب الأسود
وأوضحت كاتى بومان، أنه بما أننا لن نتمكن من بناء تيليسكوب واحد، يساوى حجم طبقه حجم كوكب الأرض، فإننا إذا ما تذكرنا مقولة مايك جاجر الشهيرة: "لا يمكنك دوما الحصول على ما تريد، ولكن إذا ما حاولت فلربما تحصل على ما تحتاجه"، وبالتالى فإننا إذا ما قمنا بإيصال تيليسكوبات من جميع أنحاء العالم، فإن تعاون دولى يسمى تليسكون أحداث الأفق يعمل على إيجاد تليسكون يدار بالكمبيوتر بحجم الأرض، قادر على تحليل تركيبة حدث بحجم أفق الثقب الأسود، وهذه الشبكة من التليسكوبات، سوف تقوم بالتقاط أول صورة.
تليسكوبات لتصوير أثر الثقب الأسود
وأشارت كاتى بومان إلى أن هذه التيليسكوبات، بعد أن يتم ربطها معا من خلال توقيت دقيق باستخدام الساعات الذرية، سيقوم فرق من الخبراء فى كل موقع بتجميد الضوء عن طريق تجميع آلاف "التيرابايت" من البيانات، ثم تتم معالجة هذه البيانات فى مختبر ماساتشوتس.
وقالت كاتى بومان إن الأمر سيكون أشبه بجعل كوكب الأرض، مثل كرة كبيرة لامعة فى نادى للديسكو، وبالتالى فإن كل هذه المرايا، سوف تتمكن من التقاط الضوء، ومن هنا سوف يمكننا تجميعه لكى نكون الصورة.
— National Science Foundation (@NSF)وأشارت كاتى بومان إلى أنه أثناء دوران الأرض، كما تدور كرة الديسكو اللامعة، فإن مواقع المرايا، التى تمثل التليسكوبات، فإننا سوف نتمكن من رؤية أجزاء أخرى من الصورة، ومن هنا، فإن خوارزمية الصور، التى طورتها تمكنا من تعويض النص فى كرة الديسكو، لكى نتمكن من صنع صورة للثقب الأسود.
أثر الثقب الأسود ومحاكاة للثقب الأسود
وأوضحت كاتى بومان ان خوارزمية الصور التى طورتها تستخدم بيانات التيليسكوب المحدودة لكى تدلنا على الصورة التى تطابق ما هو موجود فى كوننا، وباستخدام هذه الخوارزمية، سوف نتمكن من أن نجمع معا قطع الصور.
محاكاة للعديد من الثقوب السوداء
واليوم، بعدما تم الإعلان عن أول صورة حقيقية للثقب الأسود، أظهرت الصورة حلقة ساطعة تتشكل عندما ينحني الضوء في الجاذبية الشديدة حول الثقب الأسود، والذي يزيد حجمه بمقدار 6.5 مليار مرة عن الشمس، وهى نفس ما تصوره آينشتاين.
خطوات نقل معلومات حجمها 5 مليون جيجا بايت لحساب شكل الثقب الأسود
ولكن هذا يعنى أننا نرى الثقب الأسود حقا؟، إن الثقب الأسود لا يرى بحد ذاته، فهو شديد الجاذبية ويمتص الضوء تماما، ولهذا فإن ما تم تصويره إنما هو آثاره، أثر تحطم النجوم، حيث استخدم العلماء عدة تلسكوبات راديوية بساعات ذرية تضبط القراءات مع بعضها، ومن خلال المعلومات التي صورتها التلسكوبات، والتى يبلغ حجمها بيتا بايت، أو 5 مليون جيجا بايت، لشكل الثقب الأسود، فإن فريق العمل لم يتمكن من نقلها باستخدام الإنترنت، بل قام العلماء بجمعها على أقراص صلبة، من أجل إدخالها على كمبيتور فائق للقيام بالحسابات الدقيقة، ولتجميع صورة الثقب الأسود، أو بمعنى أدق أثر الثقب الأسود.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع