شعبان هدية
وافقت حوالي 200 دولة من دول العالم في أول أيام قمة COP28 للمناخ التي تستضيفها دبي على تفعيل صندوق الخسائر والأضرار، والمقرر أن يستضيفه البنك الدولي لفترة مؤقته 4 سنوات، وأعلنت عن مساهمات للصندوق.
الوصول إلى هذه النقطة استغرق مفاوضات "شاقة" استمرت عاماً كاملا، منذ أن بادرت مصر ونجحت في طرح فكرة إنشاء الصندوق خلال رئاستها للقمة السابقة cop27 العام الماضي في شرم الشيخ، وإدراجها على جدول الأعمال بعد ما يقرب من 27 عاما من نضال ومحاولات الدول النامية، ليتم تنفيذ المبادرة في النسخة الحالية من المؤتمرCOP28.
وفي الوقت الذي تواجه فيه المجتمعات في كل من البلدان الغنية والفقيرة تكاليف باهظة بسبب الطقس القاسي وارتفاع منسوب مياه البحار، أطلقت الحكومات صندوقا جديدا للأمم المتحدة لمعالجة "الخسائر والأضرار" الناجمة عن الاحترار العالمي في افتتاح قمة المناخ COP28 في دبي.
ومع ذلك، في قمة المناخ COP27 في مصر في نوفمبر 2022، فازت مجموعة من 134 دولة أفريقية وآسيوية وأمريكية لاتينية ودول جزرية صغيرة أخيرا باتفاق بشأن صندوق جديد سيدفع لإصلاح الممتلكات المدمرة، أو نقل المجتمعات المهددة أو الحفاظ على التراث الثقافي قبل أن يختفي.
لكن تفاصيل من أين ستأتي الأموال وتذهب إليها، وكيف سيتم إدارة الصندوق؟ كانت مبهمة ليتم وضعها من قبل قمة المناخ الحالية COP28 للأمم المتحدة في دبي.
نقاشات ساخنة ونقاط خلافية
ووصفت الإمارات، الدولة المضيفة للمحادثات، القرار بأنه "قرار تاريخي" يرسل "إشارة زخم إيجابي إلى العالم"، وأعلنت عن مساهمة بقيمة 100 مليون دولار، مشجعة الدول الأخرى على تقديم تعهداتها.
وقالت ألمانيا أيضا إنها ستقدم 100 مليون دولار للصندوق، حيث تبرعت بريطانيا بمبلغ 40 مليون جنيه إسترليني (50.6 مليون دولار)، والولايات المتحدة 17.5 مليون دولار، واليابان 10 ملايين دولار.
وقال الاتحاد الأوروبي، إن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه سيقدمون المزيد من المساهمات في الأيام المقبلة، لينتهي الأمر حتى الآن بملء خزينة الصندوق تقريبا بحوالي 800 مليون دولار، وهي سابقة هامة لم تحدث في أوعية وآليات صناديق تمويل العمل المناخي ولا مؤتمرات الأمم المتحدة لتغير المناخ من قبل.
ولكن من النقاط الخلافية خلال المفاوضات كانت كيفية التعامل مع الخسائر والأضرار المتزايدة الناجمة عن تأثيرات المناخ.
في البداية رفضت الدول الغنية مطالب دفع تعويضات عن تأثيرات حصتها التاريخية العالية من انبعاثات ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
هذه الانبعاثات، التي ينجم إلى حد كبير عن استخدام النفط والفحم والغاز، هي موجات حر وفيضانات وجفاف وعواصف في جميع أنحاء العالم.
لكن في أوائل نوفمبر الماضي قبل ايام من انطلاق cop28 ، تغلبت لجنة مكلفة بتحديد كيفية تصميم وإدارة الصندوق على الانقسامات العميقة بين الدول المتقدمة والنامية للاتفاق على مجموعة من التوصيات التي وافقت عليها الحكومات في بداية COP28.
وشهدت رحلة مفاوضات تاسيس الصندوق نقاط شائكة أخرى منها تحديد ماهية وحدود الخسائر والأضرار التي يمكن تعويض الدول الفقيرة عنها
حدود ونطاق "الخسائر والاضرار"
حسب تعريف الامم المتحدة تشير "الخسارة والضرر" إلى الضرر الجسدي والعقلي الذي يحدث للأشخاص والأماكن عندما لا يكونون مستعدين للتأثيرات الناجمة عن المناخ ، ولا يمكنهم تعديل طريقة عيشهم لحماية أنفسهم من التهديدات الأكبر والتحولات طويلة الأجل.
ويمكن أن يحدث من كوارث الطقس سريعة الحركة التي تصبح أقوى أو أكثر تواترا بسبب ارتفاع درجات الحرارة - مثل الفيضانات أو الأعاصير - وكذلك من الضغوط البطيئة النامية مثل الجفاف المستمر ومستويات سطح البحر التي تزحف إلى أعلى.
يمكن قياس حصة كبيرة من "الخسائر والأضرار" من الناحية المالية، مثل تكلفة المنازل المحطمة والبنية التحتية.
ولكن الخلاف هو هل هناك خسائر أخرى غير اقتصادية يصعب تحديدها كميا؟ مثل المقابر والصور العائلية التي يتم جرفها، أو ثقافات السكان الأصليين التي يمكن أن تختفي إذا اضطر مجتمع بأكمله إلى الانتقال لأن أرضه لم تعد صالحة للسكن.
ووجد تقرير صدر في يونيو 2022 عن منتدى يضم 55 دولة معرضة للتأثر بالمناخ - من بنغلاديش إلى جنوب السودان - أنها كانت ستصبح أكثر ثراء بنسبة 20 في المائة لولا تغير المناخ والخسائر البالغة 525 مليار دولار التي لحقت بها بسبب التحولات في درجات الحرارة وهطول الأمطار على مدى العقدين الماضيين.
وغالبا ما يفتقر أشد الناس فقرا إلى الوسائل اللازمة لاستعادة ما فقدوه، لا سيما مع فشل المساعدات في مواكبة الاحتياجات المتزايدة، كما حدث في عام 2022 مع الفيضانات الهائلة في باكستان، أو الجفاف الذي ترك عشرات الملايين من الجوع في القرن الأفريقي.
توفير التمويل وتوزيع الأموال
ثالث النقاط الخلافية بعد تحديد ماهية ونطاق "الخسائر والأضرار" ورفض الدول الغنية دفع تمويل يناسب حصتها العالية في الانبعاثات الضارة التي تتأثر بها بشكل أكبر الدول الفقيرة والنامية جاءت مسألة توفير التمويل.
وحتى الآن، لم يكن هناك سوى القليل جدا من الأموال المتاحة باستثناء المساعدات المقدمة من خلال النظام الإنساني الدولي للاستجابة للكوارث - التي تواجه نقصا كل عام.
ووجدت دراسة أجرتها منظمة أوكسفام الخيرية لمكافحة الفقر عام 2022 أن احتياجات المساعدات استجابة لكوارث الطقس قد قفزت بأكثر من ثمانية أضعاف في السنوات العشرين الماضية.
لكن النداءات التي تنسقها الأمم المتحدة لتلبية الاحتياجات الطارئة لا يتم تمويلها في المتوسط سوى 60 في المائة.
ووفقا لدراسة أجراها باحثون في مركز "الباسك" لتغير المناخ في عام 2018، فإن تكاليف الخسائر والأضرار في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل يمكن أن تصل إلى ما بين 290 مليار دولار أمريكي و 580 مليار دولار أمريكي سنويا بحلول عام 2030.
لكن الدول الغنية كافحت لتحقيق هدف توجيه 100 مليار دولار سنويا إلى البلدان المعرضة للخطر للحد من الانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ.
وقبل COP28 ، وافقت بعض الحكومات المانحة ، بما في ذلك عدد قليل في أوروبا وكندا ونيوزيلندا ، بالفعل على توفير تمويل للخسائر والأضرار للدول الفقيرة ، مع تعهدات يبلغ مجموعها حوالي 275 مليون دولار أمريكي.
وبلغت المساهمات الإضافية التي تم الإعلان عنها خلال افتتاح COP28 ما يزيد قليلا عن 300 مليون دولار أمريكي، بما في ذلك 278 مليون دولار أمريكي لصندوق الخسائر والأضرار الجديد.
ومع ذلك، اقترحت البلدان النامية أن يوزع الصندوق الجديد ما لا يقل عن 100 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.
بالنظر إلى ذلك، جادل نشطاء العدالة المناخية بالحاجة إلى إيجاد مصادر مبتكرة لتمويل الخسائر والأضرار ، بناء على الرسوم والضرائب.
ويشمل ذلك اقتراحا - يدعمه الأمين العام للأمم المتحدة - للحكومات الغنية بفرض ضرائب على الأرباح غير المتوقعة لشركات الوقود الأحفوري.
وتشمل الأفكار الأخرى التي اكتسبت أرضية فرض رسوم رمزية على الرحلات الجوية الدولية - التي تساهم في انبعاثات ارتفاع درجة حرارة المناخ - وضريبة عالمية على معاملات السوق المالية ، والتي يمكن أن يوزعها الصندوق الجديد.
عقبة وضع خطة عالمية
اجتمعت "لجنة انتقالية" بانتظام هذا العام لوضع شكل ونطاق صندوق الخسائر والأضرار الجديد، وكيفية ملء خزائنه، لكنها واجهت صعوبة في الاتفاق على خطة.
وانقسمت اللجنة المؤلفة من 24 عضوا بشأن ما إذا كان ينبغي للبنك الدولي استضافة الصندوق كما اقترحت الولايات المتحدة بدعم من دول غنية أخرى.
وجادلت الدول النامية بأن هذا من شأنه أن يرجح كفة ميزان القوى لصالح الحكومات الغنية، التي تهيمن على البنك، ويجعل من الصعب عليها الاستفادة من التمويل.
وفضلت البلدان النامية صندوقا مستقلا يضع قواعده الخاصة ، أو صندوقا مقره في وكالة تابعة للأمم المتحدة.
لكن في نوفمبر الماضي قامت اللجنة بمحاولة أخيرة للتوصل إلى حل وسط ووافقت على أن يستضيف البنك الدولي الصندوق خلال سنواته الأربع الأولى مع شروط لضمان تلبية احتياجات الدول النامية الضعيفة بشكل خاص.
وشابت المحادثات بشأن الصندوق أيضا خلاف بشأن مصدر موارده حيث تقاوم بعض الدول الغنية - وخاصة الولايات المتحدة - الضغوط لتكون الجهات المانحة الرئيسية وتقول إن الاقتصادات الناشئة التي تعد انبعاثاتها الآن من بين الأكبر يجب أن تساهم أيضا.
وتقول توصيات اللجنة إن الدول المتقدمة يجب أن تقود بتعهدات لإنشاء الصندوق وتشغيله، لكنها يمكن أن تتلقى أيضا مساهمات من مجموعة واسعة من الممولين، بما في ذلك المصادر الخاصة والمبتكرة.
هل يفي الصندوق بحجم الأضرار؟
يهدف برنامج تمويل الخسائر والأضرار الأكثر واقعية حتى الآن، وهو "الدرع العالمي ضد مخاطر المناخ"، إلى تعزيز التغطية التأمينية للبلدان والمجتمعات الضعيفة، حيث اجتذب حوالي 200 مليون دولار أمريكي - معظمها من ألمانيا - عند إطلاقه في COP27.
وسيوسع نطاق المبادرات - من التغطية التأمينية المدعومة إلى خطط الحماية الاجتماعية الأقوى والتمويل الطارئ المعتمد مسبقا - التي يمكن أن توجه الدعم بسرعة إلى خطط الطوارئ الخاصة بالبلدان الفقيرة التي ضربتها الكوارث.
لكن العديد من نشطاء المناخ يقولون إن التأمين لا يمكن أن يكون حلا دائما ، حيث من المتوقع أن ترتفع الخسائر بل وتصبح غير قابلة للتأمين مع اشتداد الكوارث.
وحث تقرير صادر عن تحالف زيورخ للمقاومة للفيضانات في عام 2023 الجهات المانحة على عدم إعادة تسمية مساعداتها في حالات الكوارث على أنها تمويل للخسائر والأضرار ، وإيجاد مصادر جديدة للتمويل الإضافي.
كما شدد على الحاجة إلى استخدام الأنظمة الحالية لتوفير التمويل للخسائر والأضرار بسرعة، وإيجاد طرق لإيصال الأموال إلى الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، والعمل مع الجماعات على الأرض.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع