بوابة صوت بلادى بأمريكا

3 تحولات في البوصلة العالمية تجاه غزة.. قمة القاهرة للسلام أسقطت ذريعة الدفاع عن النفس وعززت دعوات التهدئة.. والدعوة العالمية لوقف إطلاق النار استجابة لمطالب مصر في مؤتمر الرياض

تحول كبيرة تشهده أزمة العدوان الوحشي على قطاع غزة، في اللحظة الراهنة، بعد مرور أكثر من شهر كامل من اندلاعه، إثر الدعوات الدولية لـ"وقف إطلاق النار"، وهو ما بدا في العديد من المشاهد التي هيمنت على الساحة الدولية، خلال الأيام الماضية، أبرزها خلال القمة العربية الإسلامية التي انعقدت في الرياض، والتي أعقبها دعوات مماثلة من قبل المجتمع الدولي، تجلت في تصريحات الممثل الأعلى للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والذي أعرب عن قلقه جراء الأزمة الإنسانية الطاحنة التي يواجهها السكان المحاصرين، جراء الحالة الوحشية التي تتبناها قوات الاحتلال، والتي تستهدف السكان المدنيين والمستشفيات ودور العبادة، في إطار محاولة صريحة لإجبارهم على مغادرة مناطقهم، وإخلاء الأرض.

ولعل الدعوة الدولية لـ"وقف إطلاق النار"، تمثل بما لا يدع مجالا للشك ارتفاعا ملحوظا في "سقف الطموح" الدولي، والذي شهد ثلاثة مراحل متعاقبة منذ اندلاع العدوان، دار أولها حول حق إسرائيل في "الدفاع عن نفسها"، وذلك في أعقاب أحداث "طوفان الأقصى"، بينما تحولت البوصلة الدولية نحو الدعوة إلى "التهدئة"، وذلك في أعقاب قمة القاهرة للسلام، واللقاءات التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع العديد من زعماء العالم الغربي، وهو ما يمثل نجاحا كبيرا للدبلوماسية المصرية، في ظل اعتمادها مسار إنساني، يقوم في الأساس على ضرورة تمرير المساعدات من جانب، ووضع المسؤولية على كاهل قادة الدول المؤيدة للاحتلال أمام شعوبهم من جانب آخر، بالإضافة إلى استغلال حالة الثقة الدولية في قدرات الدولة المصرية على إنقاذ مواطنيهم عبر نقلهم إلى أراضيها، وهو ما أضفى على دورها قدرا من المناورة لفرض المزيد من الضغوط على الاحتلال من جانب ثالث.

بينما يبقى التحول من دعوات "التهدئة" إلى "الوقف الفوري لإطلاق النار" بمثابة مرحلة ثالثة في المواقف الدولية، وهو ما يمثل خطوة مهمة، ليس فقط على طريق إنهاء العدوان الحالي، وإنما استغلال الزخم الناجم عن زيادة الضغوط على إسرائيل، لتحقيق اختراق كبير في مستقبل القضية برمتها.

ولعل الدور المصري الكبير والفعال في ارتفاع مستوى الضغوط على سلطات الاحتلال، تجلى بوضوح في القمة العربية الإسلامية التي عقدت مؤخرا في العاصمة السعودية الرياض، حيث حملت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي نطاقا أوسع من المطالب، ليستكمل ما بدأه بنفسه، خلال قمة "القاهرة للسلام"، عبر الدعوة لإجراء تحقيق دولي، حول الانتهاكات المرتكبة في القطاع، بالإضافة إلى التأكيد الثوابت التي سبق وأن عززتها القاهرة في أكتوبر الماضي، خلال القمة الدولية التي عقدت على أراضيها، وأبرزها الشرعية الدولية القائمة على حل الدولتين، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مع الرفض التام والمطلق لدعوات التهجير، باعتبارها جريمة دولية تقع تحت نطاق "الإبادة الجماعية" بحسب القانون الدولي العام.

المحاور التي دارت حولها كلمة الرئيس السيسي في القمة الأخيرة، تعكس في جوهرها 3 مسارات رئيسية، أولها إنساني، عبر الدعوة لـ"وقف إطلاق النار" لحماية سكان غزة من القصف المتواتر الذي لا يرحم شيوخا أو نساء أو أطفال، بينما يبقى المسار الثاني سياسي عبر تحقيق الحل العادل للقضية، والذي توافق عليه العالم منذ عقود من الزمن، بينما عززته القاهرة مرارا وتكرارا، خاصة في قمة "القاهرة للسلام"، في حين يتجسد المسار الثالث في تفعيل مبدأ "المحاسبة"، عبر الدعوة لإجراء تحقيق دولي، لمحاسبة من تورطوا في سفك دماء آلاف البشر دون اقتراف ذنب أو ارتكاب إثم.

المسارات الثلاثة، تعكس في السياق نفسه، ارتفاع جديد في "سقف الطموح" المصري، ومن وراءه الإقليمي، في التعامل مع الاحتلال، وانتهاكاته، مع العمل على ممارسة المزيد من الضغوط على القوى المنحازة لهم، ليصبح التحول الكبير والملموس في الدعوات العالمية، من مجرد التهدئة، إلى "وقف إطلاق النار" بمثابة دليلا دامغا على قدرة الدبلوماسية المصرية على تغيير توجهات "البوصلة" الدولية، في ظل حالة من الثقة الكبيرة التي تحظى بها، ناهيك عن قدرتها على إدارة الملف منذ اللحظة الأولى.

وهنا يمكن القول بأن الدولة المصرية تمكن من تحويل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، عبر أدوات القصف والوحشي والقتل والتجويع، إلى أداة ضغط دبلوماسية على الدولة العبرية، عبر النجاعة الكبيرة في تغيير المواقف نحو قدر أكبر من التوازن تدريجيا، وهو ما يبدو في المراحل المذكورة التي شهدها الموقف العالمي تجاه العدوان خلال أسابيع معدودة.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع