يبدو أن المجازر الوحشية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، لم تشبع نهمها إلى المزيد من الدماء، فلم تكتفى دولة الاحتلال بقصف المدنيين في مساكنهم، ومستشفياتهم وفي دور العبادة والمدارس، لتقتل آلاف البشر، معظمهم من النساء والأطفال، ليخرج أحد الوزراء في الحكومة الإسرائيلية، وهو عيمحاي إلياهو، متحدثا عن إمكانية استخدام القنبلة النووية في القطاع، وهو ما يمثل امتدادا صريحا للنهج الإرهابي الذي تتبناه حكومة بنيامين نتنياهو، بينما في الوقت نفسه "نقطة تحول" مهمة في تاريخ الصراع الحالي، في ضوء التداعيات الكبيرة لمثل هذا التصريح غير المسؤول، سواء على مستوى الداخل الإسرائيلي، أو على المستوى الدولي، بالإضافة إلى انعكاساته على الوضع العسكري، في ضوء ما يشير إليه من عجز الجيش الإسرائيلي بإمكاناته الكبيرة عن تحقيق الأهداف العسكرية في القطاع.
وبالنظر إلى التصريحات غير المسؤولة، نجد أن حديث الوزير الإسرائيلي ليس جديدا على الإطلاق، فقد سبقته في هذا الإطار النائبة تاليف جوتليف، وهي عضوة بالكنيست عن حزب الليكود، وقد تبنت الدعوة نفسها، معتبرة أن استخدام القنبلة النووية ضد المدنيين هو الرد المناسب على عملية "طوفان الأقصى"، والتي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي، وهو ما يعكس الطبيعة الانتقامية للعدوان الإسرائيلي على غزة إلى حد "الإبادة"، وهو الأمر الذي ترجمته العديد من المشاهد الدموية التي هيمنت على تلك الرقعة الجغرافية الصغيرة في غضون أيام معدودة، بدءً من قصف مستشفى المعمداني، مرورا بمخيم جباليا، ومجمع الشفاء الطبي، وحتى استهداف مدرسة، في شمال القطاع.
الإرهاب الإسرائيلي، لم يقتصر على قصف واستهداف المدنيين بآلته العسكرية الوحشية، وإنما امتد إلى تجويعهم، وحرمانهم من الأدوية، عبر محاولات مستميتة لمنع دخول المساعدات إلى القطاع، وهو الأمر الذي تصدت له الدولة المصرية عبر دبلوماسيتها، حيث نجحت في حشد توافق دولي، حول ضرورة تمرير قوافل الإغاثة، بينما فتحت أبوابها أمام المصابين لتلقي العلاج على أراضيها.
وفي هذا الإطار، يقول الوزير الإسرائيلي المتطرف "لا يوجد شيء اسمه مدنيين غير متورطين في غزة"، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بالقول بأن شمال القطاع ليس له الحق في الوجود ومن يلوح بعلم فلسطين لا يحق له العيش على وجه الأرض.
وللمفارقة، فإن الوزير الإسرائيلي الذي أثار ضجة كبيرة بتصريحاته، ينتمي إلى حزب " عوتسما يهوديت"، وهو الحزب الذي يترأسه إيتمار بن غفير، والذي تورط بنفسه في اقتحام المسجد الأقصى تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية، وذلك بعد توليه منصبه كوزير في حكومة نتنياهو مباشرة، مما يعكس النوايا الاستفزازية للحكومة، والتي تمثل سببا رئيسيا في اندلاع دائرة العنف مجددا، والتي بلغت ذروتها في أكتوبر الماضي.
والحديث عن الأقصى، يكشف بعدا دينيا متطرفا، تجسده الحكومة اليمينية في إسرائيل في ضوء حرص مسؤوليها على إضفاء غطاء من القدسية، على المعركة التي يخوضونها في القطاع، ضد مواطنين عزل، وهو ما بدا في الخطاب الذي أدلى به نتنياهو حول "نبوءة أشعياء"، والذي يعكس محاولة صريحة إلى تحويل الحرب في غزة إلى "حرب دينية"، بينما تحمل في طياتها رغبة في إبادة سكان القطاع.
إلا أن تصريحات نتنياهو ليست الوحيدة في هذا الإطار، ففي رسالة نشرتها صحيفة إسرائيلية، موقعة من 100 طبيب، طالبوا فيها بقصف المستشفيات، باعتبارها وكرا للسلاح المستخدم ضد الدولة العبرية، بينما كتبوا فيها أنه لا يمكن للفلسطينيين المتواجدين بالمستشفيات "التمسك بقرون المذبح"، وهو تعبير توراتي يعني أن الممسك بأحد أركان المذبح اليهودي، يمكنه النجاة من القتل، وهو ما يمثل مغالطة كبيرة يسعى الجانب الإسرائيلي لترويجها حو استخدام المستشفيات لاختباء المقاتلين، وذلك لتبرير انتهاكاتهم غير المقبولة أمام العالم.
على جانب آخر، تحمل التصريحات الإسرائيلية المستفزة في طياتها تداعيات كبيرة على الأوضاع في قطاع غزة، في المرحلة الحالية، سواء على الداخل الإسرائيلي أو فيما يتعلق بالمواقف الدولية، حيث أنها تمثل في جوهرها دليلا على فشل جيش الاحتلال في تحقيق الأهداف المرجوة من حملته، رغم مرور ما يقرب من شهر من اندلاعها، بينما تمثل في الوقت نفسه مقامرة غير محسوبة بحياة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، وهو الأمر الذي سيثير حفيظة المواطن الإسرائيلي بصورة كبيرة، خاصة مع تراجع ثقة الإسرائيليين في أداء الحكومة وإدارتها للصراع في غزة.
وعلى الجانب الدولي، تبقى التصريحات سببا آخر في تراجع التعاطف الدولي، تجاه الدولة العبرية، خاصة بعدما أثارت ممارستها استفزاز شعوب العالم، حيث وضعت الحكومات بين مطرقة النهج المنحاز لإسرائيل، رغم ما ترتكبه من مجازر، وسندان الشعوب التي باتت تنادي بضرورة وقف المذابح، ضد المدنيين في القطاع.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع