لم يكن موقف الولايات المتحدة الداعم والمساند والمنحاز تماما لإسرائيل فى حربها الحالية على قطاع غزة جديدا، وإن كان مستفزا ومثيرا للغضب العربى. فمنذ عقود، ساندت واشنطن حليفتها تل أبيب بكل ما أوتيت من قوة عسكرية ومالية وإعلامية، وأيا كان الساكن فى البيت الأبيض، سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا، فإن دعم الدولة العبرية كان واحدا من القضايا القليلة التى اتفق عليها كلا حزبين الرئيسيين فى الولايات المتحدة.
ورغم ذلك، لم تكن السياسة الأمريكية الراسخة إزاء إسرائيل هى السبب وراء احتضان الرئيس الحالى، جو بايدن، للدولة العبرية، وإبداء كل أشكال التضامن والمساندة، وما شمله ذلك فى زيارة لها فى وقت الحرب، فى سابقة لم يفعلها أحد أسلافه، وإقرار مليارات من المساعدات العسكرية وإرسال حاملتى طائرات وقوات أمريكية خاصة، برغم توتر علاقته من قبل برئيس حكومتها بنيامين نتنياهو. فعلاقة بايدن بإسرائيل تشكلت على مدار عقود، بدءا من طفولته، وطوال مسيرته السياسية الممتدة على مدار أكثر من 50 عاما، والتى تفاخر خلالها أحيانا بأنه "ليس بحاجة لأن يكون يهوديا ليكون صهيونيا"، و"يمكنه أن يكون مسيحيا وصهيونيا" كما أخبره والده.
روايات المحرقة وأصوله الإيرلندية
صحيفة نيويورك تايمز تحدثت عن علاقة بايدن الخاصة بإسرائيل، وقالت إنه بالنسبة له ككاثوليكى متدين فى ولاية (ديلاوير) لم يكن بها أعداد كبيرة من اليهود، فربما يبدو بايدن بطلا غير متوقع لإسرائيل. لكن وجهات نظره تشكلت من خلال محادثات العشاء التى أجراها مع والده، الذى كان يشجب المحرقة النازية (الهولوكوست)، إلى جانب القصص التى رواها أحد المساعدين الذى نجا من معسكرات الموت. وقال بعض المقربين من بايدن إن أصوله الإيرلندية جعلته مرتبطا بمحنة (الأشخاص المهمشين تاريخيا) وأن مأساة عائلته تربطه بأحزان من فقدوا الكثير فى حياتهم.
وعلى مدار مسيرته السياسية، سافر بايدن إلى إسرائيل سبع مرات كسيناتور، وثلاث مرات كنائب للرئيس، ومرتين كرئيس، والتقى بكل رئيس وزراء إسرائيلى منذ جولدا مائير. وتجلى ارتباطه القوى بالدولة العبرية عندما وصف نفسه خلال الفترة التى قضاها فى مجلس الشيوخ بأنه "الكاثوليكى اليهودى الوحيد". بينما وصفه أحد المسئولين الإسرائيليين مؤخرا بأن أول رئيس أمريكى يهودى، وهو يحتضن (القومية اليهودية). واعتاد ان يقول طليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا".
وليس هناك ما يعبر عن صلة بايدن القوية بإسرائيل، أكثر من زيارته لها خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية فى بداية الألفية، بصحبة مساعده فى هذا الوقت ووزير الخارجية الحالى أنتونى بلينكن، فى الوقت الذى كان فيه الأجانب يتجنبون زيارة الدول العبرية.
ويروى دينس روس، الدبلوماسى الأمريكى المخضرم ومفاوض سلام الشرق الأوسط السابق، لـ "نيويورك تايمز" كيف أنه شاهد بايدن وبلينكن فى فندق الملك ديفيد فى القدس فى هذا الوقت، وتفاجأ بهما قائلا: "أعلم لماذا أنا هنا، لكن لماذا أنتما هنا؟".
فأجابه بايدن قائلا: هذا هو الوقت المناسب الذى ينبغى أن أكون فيها هنا.
صلة بايدن بإسرائيل الأقوى بين رؤساء أمريكا
ويعلق روس، الذى عمل أو درس الرؤساء الأمريكيين من كلا الحزبين منذ الثمانينيات، على علاقة بايدن بإسرائيل قائلا: هناك بشكل واضح شيئا ما يفسر أمرا متجذرا بعمق فيه. وأشار روس إلى أنه من بين كافة الرؤساء الأمريكيين الذين عمل معهم أو درسهم، فإن صلات بايدن بإسرائيل تبدو الأقوى.
وتحدث بلينكن عن بايدن وعلاقته بإسرائيل، وقال فى تصريح لنيويورك تايمز، إن دعم بايدن القوى لإسرائيل، وبحسب ما شاهد، يسرى من قلبه إلى عقله. وأضاف أن الرؤساء الآخرين قد يعالجون الموقف من خلال منظور السياسة الفكرية، لكن بالنسبة لبايدن، يبدو الأمر أكثر عمقا بالنسبة له.
(أول رئيس أمريكى يهودى)
ويشعر الإسرائيليون بدورهم بهذا الأمر. فقد قال شالوم ليبنر، الذى كان مستشارا لسبعة رؤساء وزراء إسرائيليين متعاقبين، إن بايدن كان أقرب إلى أول رئيس أمريكى يهودى. وهو الآن أكثر شعبية فى إسرائيل من قادتها. وأضاف أن الأمر ليس من اليوم فقط، بل إننا ننظر إلى تاريخ، فقد كان بايدن حاضرا دوما.
ولا يعكس موقف بايدن من إسرائيل سياسة حزبه الديمقراطى. فقد ذكرت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية فى تقرير لها هذا الشهر أن دعم بايدن لإسرائيل ظل قويا على مدار السنين، حتى على الرغم من أن البعض داخل الحزب الديمقراطى دعوا إلى نهجا أكثر انتقادا للدولة العبرية فى ظل احتلالها المستمر منذ عقود للأراضى الفلسطينية، والذى يراه المجتمع الدولى أمرا غير مشروع.
لكن نشأته طغت على كل شئ. فقد ولد بايدن عام 1942، قبل ثلاث سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية وست سنوات من إنشاء دولة إسرائيل. وكان والده يروى له على العشاء كيف أن العالم وقف مكتوف الأيدى فى الثلاثينيات فى وجه هتلر، وكان الحديث عن فظائع المحرقة والهولوكوست لا يزال حدثا جديدا، بما شكل ذهن بايدن بقوة ليعلنها صراحة فيما بعد أنه صهيونى فى قلبه.
الصهيونية الأمريكية
عندما انطلقت الصهيونية فى أوائل القرن العشرين فى أوروبا، لم تكن حركة ذات شعبية بين اليهود الأمريكيين، أو فى الولايات المتحدة. وانجذب غير اليهود الأمريكيين، وخاصة المسيحيين المتدينين، إلى الحركة الصهيونية الجديدة أكثر من اليهود الأمريكيين. وتم تعريف 10% فقط من اليهود الأمريكيين بأنهم صهاينة فى السنوات الأولى للحركة.
لكن بعد الهولوكست، شهدت مواقف اليهود الأمريكيين من الصهوينية تحولا هائلا، فأصبح ما يقرب من 90% من اليهود الأمريكيين أعضاء فى منظمات صهيونية، بحسب ما ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية. وكانت لنتائج الحرب العالمية الثانية وتغير ميزان القوة من بريطانيا إلى أمريكا دوره فى انتقال الحركة الصهيونية من أوروبا إلى الولايات المتحدة.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع