بوابة صوت بلادى بأمريكا

"القمم الاستثنائية".. القاهرة للسلام 2023 أحد حلقات دبلوماسية "الشراكة" فى احتواء أزمات الإقليم.. اجتماع العلمين يعكس خصوصية المصالحة الفلسطينية.. و"جوار السودان" اتسم بـ"إقليميته المحدودة" لتقييد التدخل الدولى

استجابة دولية واسعة النطاق، شهدتها دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى، لعقد قمة "استثنائية" لمناقشة التطورات التى يشهدها قطاع غزة، إثر العدوان الإسرائيلى، والانتهاكات الكبيرة التى ارتكبتها قوات الاحتلال، والتى طالت المدنيين، ومنشآتهم، سواء المنازل أو المستشفيات أو دور العبادة، فى مخالفة صريح للقانون الدولى، والأعراف الإنسانية، وهو ما يعكس الثقل الدولى الكبير الذى تحظى به مصر، جراء الثقة الكبيرة فى قدراتها الدبلوماسية، من جانب، وكذلك نزاهة دورها، فى إطار حرصها على حقن الدماء، من كافة الأطراف، من جانب آخر، ناهيك عن نجاعتها الكبيرة فى التعامل مع العديد من القضايا الدولية والإقليمية التى أثارت قلقا كبيرا فى السنوات الماضية، وعلى رأسها الإرهاب، إلى حد استلهام دورها من قبل العديد من الدول، من مختلف مناطق العالم، لمكافحة التهديدات الناجمة عن صعود الميليشيات المتطرفة فى العقد الماضي.

ولعل "الاجتماعات الاستثنائية" تمثل أحد أهم أوجه الدبلوماسية المصرية، فى الآونة الأخيرة، حيث تعد القمة المرتقبة، والتى تحمل عنوان "القاهرة للسلام 2023"، أحدث حلقاتها، فى ظل حرص الدولة المصرية على تنظيم العديد من القمم مؤخرا، للتعامل مع المستجدات الدولية والإقليمية، حيث سبق لها وأن نظمت "اجتماع العلمين"، والذى جمع الفصائل الفلسطينية، على أرض مصرية، فى إطار خطوة مهمة نحو تحقيق المصالحة المنشودة، والتى تمثل أساسا لتحقيق اختراقات ملموسة فيما يتعلق بالحل النهائى للقضية الأهم والأبرز فى الشرق الأوسط، بينما دشنت قمة "جوار السودان"، فى يوليو الماضى، لمناقشة مستجدات الصراع الذى شهدته الخرطوم، والذى يمثل تهديدا خطيرا للاستقرار فى الداخل، بينما تبقى المخاطر ممتدة إلى دول الجوار، حال عدم احتواءه.

وبالنظر إلى الاجتماعات التى دشنتها مصر، سواء المرتبطة بالمصالحة الفلسطينية، أو الأوضاع فى السودان، ومقارنتها بقمة "القاهرة للسلام"، نجد أن ثمة اختلاف فى طبيعتها، فالأول كان فلسطينيا خالصا، بينما الثانى اتسم بـ"إقليميته" المحدودة، بينما الثالث يحمل نطاقا عالميا أكثر اتساعا، وهو ما يعكس إدراكا واضحا لمعطيات القضايا المطروحة، ومتطلباتها والكيفية التى يمكن التعامل بها معها، ناهيك عن القدرة الكبيرة على تنظيم الأحداث السياسية باختلاف أحجامهما، فى إطار طفرة تنموية عملاقة، وبنية تحتية يمكنها استيعاب مثل هذه المناسبات.

فالمصالحة الفلسطينية، تبقى قرارا داخليا، ينبع من إدراك القادة الفلسطينيين بخطورة الأوضاع المحدقة بقضيتهم التاريخية، وما يمثله الانقسام من خطورة بالغة، من شأنها الإطاحة بالحلم المرتبط ببناء دولتهم، بالتالى فإن وحدة الصف تبدو الخيار الوحيد، إذا ما أرادوا تحقيق خطوات ملموسة فى هذا الإطار، بينما اقتصر الدور المصرى على تهيئة البيئة المناسبة للحوار بين أطراف الأزمة ومساعدتهم على الوصول إلى أرضية مشتركة، دون أى تدخل، أو انحياز من شأنه التشكيك فى نزاهة الدور المصرى وما يتسم به من موضوعية، فى ظل حرصها على خدمة القضية، خاصة وأن حالة الانقسام قدمت خدمة كبيرة للاحتلال، نحو المزيد من المماطلة، والعمل الدؤوب على تقويض "حل الدولتين".

بينما تبقى قمة "جوار السودان"، اجتماعا إقليميا محدودا، يجمع بين القوى المتآخمة فى حدودها مع الخرطوم، فى انعكاس صريح لخطورة الأوضاع هناك على أمنهم، ناهيك عن تقييد الدور الخارجى فى الأزمة السودانية، بحيث لا يتجاوز مجرد تقديم الدعم للدولة ومؤسساتها، مع تشجيع أطراف الأزمة على الحوار للوصول إلى حلول، دون أى مواقف تتسم بانحيازها لطرف دون الأخر، وهو ما يمثل إدراكا صريحا لدروس الماضى، فى ظل ما ترتب على التداخل الدولى غير المحدود فى الأزمات التى شهدتها دول المنطقة إبان العقد الماضى، من فوضى وضعت بعضها على حافة الهاوية، جراء الحروب الأهلية، وأصبحت على بعد خطوات معدودة من التقسيم، وهو الهدف الذى كانت تتطلع إليه العديد من القوى الدولية، فى إطار ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد".

وأما "القاهرة للسلام"، فهو فى جوهره قمة عالمية، تعكس أهمية القضية، التى باتت تتجاوز النطاق الإقليمى الضيق، ليس فقط بسبب الطبيعة الانتقامية الشرسة للعدوان على غزة، وإنما يرجع فى جزء منه إلى أمدها الطويل الذى تجاوز الـ70 عاما دون حل جذرى، وهو ما يعكس أن الهدف من القمة ليس مجرد الوصول إلى وقف إطلاق النار، وإنما يمتد إلى الحل النهائى، عبر تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ناهيك عن تحقيق منهج "الشراكة" فى التعامل مع القضية طويلة الأمد، بعدما فشلت "الرعاية" الأحادية فى الوصول إلى نتيجة ملموسة على مدار عقود.

وهنا يمكننا القول بأن اجتماعات مصر الاستثنائية تمثل أحد آليات الدبلوماسية المصرية، والتى تعكس اتساع دورها، بحيث يمكنها المساهمة فى علاج أزمات الداخل، فى محيطها الجغرافى، بينما تقوم بدور ملموس فى علاج الأزمات الدولية الكبرى، فى الوقت الذى باتت تسيطر فيه على وتيرة الدور الدولى والإقليمى، بما يتناسب مع كل أزمة، وهو ما يعكس إدراكا لطبيعة الأزمات المحيطة، والكيفية التى يمكن التعامل بها معها.

هذا الخبر منقول من اليوم السابع