بوابة صوت بلادى بأمريكا

6 أكتوبر.. 50 عاما على مناورات السادات وكيسنجر.. كيف حاول ثعلب الدبلوماسية الأمريكية الهروب من فشل البدايات؟.. وزير خارجية نيكسون أساء قراءة الأدلة قبل الحرب.. ويعترف فى كتاب "القيادة": استهنت بالسادات

** نيويورك تايمز : وزير خارجية نيكسون أساء قراءة الأدلة قبل الحرب.. ومائير التزمت نصيحته بألا تكون إسرائيل صاحبة "ضربة البداية"

** ثعلب الدبلوماسية يعترف في كتاب "القيادة": استهنت بالسادات

** دبلوماسي أمريكي عن مفاوضات أيام الحرب : بخلاف كيسنجر كانت إدارة نيكسون ضد إمداد إسرائيل بالسلاح خلال المعارك

كان قد أتم لتوه عامه الخمسين.. بأعين يسكنها الشغف، أطل هنري كيسنجر من نافذة الدبلوماسية الأمريكية علي مشهد الشرق الأوسط المضطرب، اختاره الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وزيراً للخارجية أواخر سبتمبر 1973 ـ قبل أسبوعين من حرب أكتوبر ـ فشرع في خطواته الأولي بحكمة رجل خمسيني تخللت مسيرته انخراطاً في الكتيبة 84 مشاة ، وانضماماً إلى المخابرات الحربية، بدأ كسينجر يتحسس الأرض من تحت قدميه محاولاً اجتياز ألغام المنطقة، قبل أن تصدمه الرصاصة الأولي في معركة التحرير، مع دقات الثانية ظهر السادس من أكتوبر حينما أقدمت القوات المصرية علي اقتحام خط بارليف الذي وصف حينها بالمنيع ، لتضع سطراً أخيراً في رواية زائفة عن "الجيش الذي لا يقهر".

أحرز كيسنجر الذي أتم عامه المائة، انتصارات دبلوماسية عدة خلال مسيرته الطويلة. ربح الكثير من المناورات وخسر القليل، ومؤخراً كان يطرق أبواب بكين في زيارة لا يحمل خلالها منصباً رسمياً في الوقت الحالي، إلا أنها جسرت ـ بحسب محللين ـ الكثير من الفجوات بين القوتين الكبرتين الولايات المتحدة والصين ، إلا أن دروس السادس من أكتوبر  ستظل حاضرة في ذهن ثعلب الدبلوماسية الأمريكية العجوز ما دام حياً ، وهو ما وثقه في كتاباته ، وتناولته بعض الصحف الأمريكية ضمن تقارير عدة ، خاصة مع حلول الذكري الخمسين للحرب.

في الأيام القليلة التي سبقت الحرب، كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون منشغلا بسلسلة فضائح ما بين ووترجيت واستقالة نائبه على خلفية اتهامات فساد، كان كسينجر هو الوجه الأمريكي الأبرز فى تلك المرحلة الحاسمة من تاريخ الشرق الأوسط.

فى يونيو 1974، نشرت صحيفة نيويورك تايمز قصة عن كسينجر وإدارته للأوضاع فى الأشهر السابقة لاحد أبرز المواجهات العسكرية فى المنطقة منذ ساعات ما قبل الحرب، وحتى توقف القتال.

وقالت الصحيفة فى هذا التقرير: كان هناك الكثير من المعلومات الاستخباراتية على مدار أسابيع عديدة تشير إلى أن الهجوم المصرى السورى على إسرائيل وشيك، لكن كسينجر وأغلب القادة السياسيين فى إسرائيل الولايات المتحدة أساءوا قراءة الأدلة. وظل أغلبهم يعتقد أنه لن يكون هناك حربا.

وكان يوم 6 أكتوبر 1973 يوم خاص للغاية، فبالنسبة للمسلمين، كان الذكرى الـ 1350 لغزوة بدر، التي مهدت لدخول النبى محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة. وبالنسبة لليهود، كان يوم عيد الغفران، أهم الأعياد اليهودية. أما بالنسبة لكسينجر لم يكن أكثر من كونه نهاية الأسبوع الثانى له فى منصب وزير الخارجية، وكان أيضا بداية لـ 20 يوما من إطلاق النيران، وبداية الحرب الرابعة بين الحرب وإسرائيل فى عقود قليلة.

فى تمام السادسة صباحا، تم إيقاظ كسينجر فى جناحه بفندق والدورف تاورز، وعرضت عليه رسالة من السفير الأمريكي فى إسرائيل كينيث كيتنج. وكانت قد تم استدعائها قبل ساعتين لاجتماع عاجل مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير التي أخبرتها أن إسرائيل قد علمت لتوها أن مصر وسوريا كانتا فى المراحل الأخيرة لبدء الحرب. ودعتها إلى أن تستخدم الولايات المتحدة كل نفوذها لمحاولة ردعهما. واقترحت مناشدات لمصر وسوريا وحتى الاتحاد السوفيتى، مع التأكيد على أن إسرائيل لن تبدا هجوما استباقيا.

وهاتف كسينجر الرئيس الأمريكي نيكسون، ليخطره بالأخبار المقلقة. وبعد أن سمع تقرير كسينجر، أخبر الرئيس وزير خارجيته مهاتفة وزيرا خارجية مصر وإسرائيل وحثهما على ضبط النفس. وفعل كسينجر ذلك، وتجنب تقويض وقف إطلاق النار.. وقال لوزير خارجية إسرائيل "أبا إبان" نفس التحذير الذى كرره عدة مرات فى الأشهر السابقة "لا توجه ضربة استباقية".

وحول كسينجر جناحه بالفندق إلى مقر قيادة، واستدعى كبار مساعديه، وبتريب سريع، هاتف السفير السوفيتى أناتولى دوربينين فى واشنطن، وحثه على بذل قصارى جهده لمنع اندلاع الحرب.

وقال المبعوث الروسى إنه سيحاول المساعدة. وأرسل كسينجر للعاهل السعودى الملك فيصل والعاهل الأردني الملك حسين،  يطلب تدخلهما، كما هاتف الأمين العام للأمم المتحدة ليخطره بمخاوفه، ثم سأل كسينجر على آخر المعلومات الاستخبارية التي كشفت أن الجيشين المصرى والسورى قد انتقلا فى الواقع إلى الأشكال الهجومية. لكن الوحدات العسكرية الإسرائيلية على الجبهتين ردت بشكل غريب. فبالنسبة للجزء الأكبر، ظلوا فى مواقع ثابتة. وكان كسينجر يفترض أنه علي الرغم من رسائل مائير ، فإن إسرائيل كانت تستعد للحرب وفى اللحظة المناسبة، تخطط لتوجيه ضربة استباقية لهم.

وذكر تقرير الصحيفة إن الهجوم العربى المشترك وعبور مصر لقناة السويس كان صدمة لافتراض كسينجر أن الاتحاد السوفيتى  سيتشجع على استخدام نفوذه لمنع الحرب. وبدلا من ذلك، فإن الروس قد ساهموا بشكل مباشر فى النجاح العربى بشحن كميات هائلة من الذخيرة.

فى السابعة صباحا بتوقيت واشنطن، كان هناك مزيدا من الأخبار السيئة، فداخل غرفة الأزمات فى البيت الأبيض راقب المسئولون تقريرا من إسرائيل تم تفسيره على أن الدول العبرية تخطط لهجوم، استباقى ضد مصر وسوريا فى ست ساعات.

وأصاب كسينجر الحيرة بسبب الإشارات المتقاطعة، واتصل بغضب بالقائم بالأعمال الإسرائيلي فى واشنطن موردهاى شاليف، وحذر مر أخرى من الإجراء الاستباق.  كما أمر كيتنج ، السفير الأمريكي فى إسرائيلى، بتكرار التحذير لمائير، وقال إنه إذا ضربت إسرائيل أولا، فلن تشرع الولايات المتحدة بأى التزام أخلاقى بالمساعدة، وستكون إسرائيل وحدها.

 واتضح أن تحذير كيتنج غير ضرورى، ففقد كانت مائير فى هذه اللحظة تعقد حكومة المطبخ، والتي اجتمعت فى مطبخ رئيسة الوزراء الإسرائيلية. وتشاورت مع يجال أيلون، نائب رئيس الوزراء، وموشيه ديان وزير الدفاع، والوزير بدون حقيبة يسرائيل جاليلى. ورفضت المناشدة العاجلة من رئيس أركان الجيش الجنرال ديفيد العازر الذى دعا إلى ضربات استباقية لتعطيل الهجوم العربى المؤكد. وقررت مائير أن إسرائيل ستقبل الضربات الأولى.

وكان قرارها يعد تراجعا عن استراتيجية إسرائيل على مدار 25 عاما، والتي استندت إلى المفاجآت السرية القوية ، ووضعت إسرائيل فى حالة دفاع.

 

ورفضت مائير وضع البلاد فى حالة تأهب كامل، ورفضت حتى استدعاء الاحتياطي لأنها لم ترد تعطيل يوم الغفران. ولم ترد استفزاز العرب، ولم ترد إنفاق 11 مليون دولار، تكلفة التأهب الكامل، لكن ربما كان الأكثر أهمية أنها لم ترد أن تعارض توجيهات كسينجر.

وفى الثامنة صباحا بتوقيت واشنطن، الثانية ظهرا بتوقيت مصر، بدأ الهجوم المصرى السورى وبدأت الحرب. وتحدث كسينجر مع وزير الخارجية المصري حينئذ محمد الزيات، الذى اتهم إسرائيل باستفزاز القوات العربية بإرسال قواتها البحرية إلى ميناء اللاذقية.

وفى كتاب بعنوان "سيد اللعبة" للدبلوماسى مارتن إنديك، كتب يقول إن كل دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، بما في ذلك وزارة الخارجية والدفاع والبيت الأبيض، كانت ضد إرسال أسلحة لإسرائيل لتعويضها عن خسائرها، وذلك خوفًا من قطع العرب للنفط عن الولايات المتحدة، وأن وحده كيسنجر كان مع إرسال الأسلحة حتى يقطع الطريق على الاتحاد السوفيتي لتوطيد أقدامه في المنطقة، وأقنع نيكسون بهذه الحجة.

وفى العام الماضى، قدم كسينجر خلاصة تجربته فى مجال السياسة الدولية فى كتاب جديد بعنوان "القيادة: ست دراسة فى استراتيجية العالم"، تناول فيه تجربة ست من أبرز قادة العالم فى القرن العشرين، وهم الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون والفرنسى شارل ديجول ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت ثاتشر ومستشار المانيا الغربية كونراد أدينور، وأول رئيس وزراء لسنغافورة لى كوان يو، إلى جانب الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

وكتب كسينجر عن القادة الستة، ويقول إن التحدى الذى واجه كل منهم كان ساحقا بالمعايير التقليدية. ولم يكن هو نفس التحدي، لكن بشكل عام تحدى للأهداف الأساسية للمجتمع. وبعد فترة من خيبة الأمل وعدم الإنجاز، كان لديهم القوة لتطوير مفهوم للتغلب على هذا التحدى وأيضا أخذ شعوبهم معهم.

وسرد كسينجر فى كتابه واقعة تحدث فيها عن عدم تقديره فى البداية للرئيس السادات،  وقال إنه قبل يوم من حرب أكتوبر 1973، أرسل السادات مبعوثا، وأجرى كسينجر اجتماعين مع المبعوث؛ واحدا فى منزل خاص فى مقاطعة ويستشتر والثانى فى باريس، أو قرب باريس أثناء قيامه برحلة أوروبية. وفى كلا الاجتماعين، أوضح كسينجر مفهومهم للمبعوث، الذى رفض  هذا المفهوم، وكان مثل السادات.

ويقول كسينجر: على أن أعترف، استهنت بالسادات، عندما قال المبعوث فى اللقاء: لو مضى هذا الاجتماع بشكل جيد، فإن الرئيس سيدعوك إلى القاهرة.. يقول كسينجر: كتبت ملاحظة لمساعدى بيتر رومان الذى كان جالسا بجوارى أقول فيها "هل سأكون غير مهذب لو سألته ما هى الجائزة الثانية؟".

وتابع كسينجر فى كتابه قائلا: السادات بعث رسالة فى اليوم الثانى من الحرب يقول إنه يريد التفاوض بعد الحرب. وكنت قد بعث إليه برسالة تقول: خلال الحرب من فضلك ضع فى اعتبارك أن تقاتل بالأسلحة السوفيتية لكن سيكون عليك صنع السلام من خلال الدبلوماسية الأمريكية. لكن عندما التقيت به بالفعل، وكان هذا بعد أسبوعين، بدأ السادات المحادثة قائلا: أريد السلام، وأريد خطة كسينجر. ومضى قائلا: لكن بما أنك لم تكن  متاحا فقد وضعت خطة كسينجر. وذهب إلى خريطة وشرح له.. ويقول كسينجر أن هذا الاستعداد للمضى خطوة بخطوة بدلا من السعى إلى تسوية شاملة كان إنجازا.


هذا الخبر منقول من اليوم السابع