بوابة صوت بلادى بأمريكا

الناقد الفنى طارق الشناوى لـ«صوت بلادى»: الناقد الفنى منوط به مشاهدة كل الأعمال الفنية حيث لا انتقاء أو محاباة

حوار : جاكلين جرجس

 

 

كما هو معلوم يتسابق الفنانون فى مارثون دراما رمضان هذا الشهر الفضيل و يتبارون فى اجتذاب الجمهور لأعمالهم الفنية ، التى تدخل بيوتنا و يشاهدها الصغير و الكبير بعضها يغرس قيم المواطنة و حب الواطن  و الآخر ينشر بجهل مفاهيم شاذة عن مجتمعنا بهدف جنى الارباح  التجارية و ليذهب المجتمع بناسه إلى الجحيم ، ينسجون خيوط العمل الدرامى بخيوط  وأفكار ملوثة بلون الدم كالبلطجة و العنف و الاغتصاب و الخيانة والقتل كأنها أفعال مقبولة و مباحة فى مجتمعنا ،فينعكس كل ما يشاهده الشباب و الأطفال إلى الواقع و هنا تكمن الكارثة ، تحتاج الدراما المصرية لإعادة تنقيح و توجيه  لتصحيح المفاهيم بدلًا من تشجيعها و نشرها بين أبناءنا ، و من هنا يأتى دور النقد الفني هو التذوق (Art Appreciation) في أعلى مستوياته،والناقد الفني هو من يحاول تفسير وتوضيح العمل الفني، يوضح التأثير العمل على المشاهد ، يقول جيروم حول الناقد الجيد :" هو الذي يكيف أساليبه ومعايير القيمة لديه تبعاً للعمل الخاص الذي يدرسه ، ومن ثم فإنه يستخدم في الحالات المختلفة أنواعاً مختلفة من النقد ، كما أنه يضع في اعتباره الجمهور الذي يكتب له ، ومستوى ذوقه ، ومدى تعوده على عمل له هذا الأسلوب أو النمط ".

لذلك كان لنا هذا اللقاء مع إحدى العلامات البارزة فى عالم النقد ، و هو الكاتب و الناقد طارق الشناوي الحاصل على بكالوريوس كلية الإعلام جامعة القاهرة ، وبكالوريوس معهد السينما ، أصدر العديد من الكتب مثل " مخرجو الثمانينيات الحلم والواقع " ، " السينما وقليل من السياسة " ، " سنوات الضحك في السينما المصرية " ، " جعلوني مخرجاً " ، " فنانة لا تعرف المكياج " ..... و غيرهم ، حصل على العديد من الجوائز كأفضل مقال نقدي من نقابة الصحفيين ومن جمعيات سينمائية ، نال جائزة أفضل ناقد اختاره الجمهور عام 2015 من مؤسسة دير جيست ،أشرف على نادي السينما والنشاط الفني في نقابة الصحفيين المصريين ، ترأس وشارك في لجان التحكيم بأكثر من مهرجان سينمائي دولي .

 

* احتفل المصريون هذا الشهر بعيد الربيع أو "شم النسيم" ويتشارك المسلمون والمسيحيون الاحتفال ولا تمر فترة الاحتفال دون أن نسمع أغنية السندريلا الراحلة سعاد حسنى "الدينا ربيع" أو "الربيع" لفريد الأطرش ... فهل ترون أن هناك فرصة للمنافسة و نجاح أى أغنية جديدة لهذه المناسبة ؟

إن المصريين بطبعهم يحبون فى المناسبات أن تكون لهم أغنية واحدة للدلالة عليها، ولو تم تقديم أغنيات جديدة أخرى لن تنجح، فهناك عبد الوهاب غنى للربيع إلا أننا تعلقنا بأغنيتى "الربيع" لفريد الأطرش و"الدنيا ربيع" لسعاد حسنى وهذا يعد استثناء فى المناسبات المصرية أن تكون هناك أغنيتان مهمتان فى مناسبة واحدة ، كما  أننا لو نظرنا إلى مناسبة كشهر رمضان سنجد أغنيات كتيرة تم تقديمها ولكن هناك واحدة فقط تعيش مع المصريين وهذه المناسبة مرتبطة بها وهى "رمضان جانا" لمحمد عبد المطلب، أما فى العيد هناك أغنية "يا ليلة العيد أنستينا" وهذا تعود عليه الشعب المصرى طوال السنوات السابقة.

* حدثنا عن علاقة الصداقة التى جمعتكم مع الراحل الكاتب الكبير مصطفى محرم ، و ما أهم سمات الراحل الشخصية ، فهناك الكثير من الشباب لم يعاصروه خاصة خارج مصر ؟

مصطفى كان معروفا فى المنطقة باسم (مصطفى بيه)، دائما يراه الناس متأبطا أوراقا وكتبا ومدخنا (البايب)، التحق بمؤسسة السينما قارئا للنصوص، تحت رئاسة المخرج الكبير صلاح أبوسيف، يعتبره مصطفى واحدا من أهم أساتذته، وكان يكلفه هو والكاتب والمخرج رأفت الميهى باختيار الأفضل، وقال لى مصطفى إن قراءة السيناريو الردىء تعلمه أكثر من قراءة السيناريو الجيد، ارتبط مصطفى مع المخرج الكبير أشرف فهمى، وكان بينهما توأمة، منذ أن قدما معا (ليل وقضبان).

الراحل كان  إنسان خجول يدارى هذا الخجل  بنظرة تحمل قدرا ربما من التعالى الظاهرى، عليك أن تتحمل فى البداية قسوة تلك النظرة لتستطيع التواصل معه ، بعدها ستكتشف كم هو متواضع وجميل ونبيل إلا أنه يعتبرها درعا واقيا له، لكنه دائما يعيش بروح الشباب. خفة الظل إحدى أهم سماته الشخصية، كل موقف يذكره تلمح أنه محاط بحكاية مجهولة، ويمنحه أيضا بعدا اجتماعيا ونفسيا، ظل مصطفى ممسكا بالقلم حتى اللحظة الأخيرة، دائما لديه مشروع ينهيه وآخر يبدأ به، كان متابعا لكل ما تبثه الشاشات ، كنا نتناقش معًا فى كل ما يطرح على الشاشة بدون خطوط حمراء .

* تاريخ الراحل مصطفى محرم مع الإبداع يعود للستينيات، لكن لم نجد فى ملفه جوائز من الدولة، مثل (التقديرية) أو (النيل) مثلا ، فلماذا لم ينل ما يستحق من تكريم ؟

- مع الأسف - البعض كان يرى أن مصطفى رغم أن له العديد من الأفلام التى احتلت مكانة الأفضل فى تاريخ السينما المصرية، إلا أنه كتب أيضا عددا من الأفلام التجارية، لكن مصطفى كان له رؤية خاصة هى أن صناعة السينما تحتمل كل الأنواع، ولا يعيبه أبدا أن يتضمن رصيده بعضا من تلك الأفلام، صناعة السينما لا تستمر إلا بالأفلام الفنية والتجارية.

* فى احدث مقال لكم قلتم أن جمعية كُتاب الدراما (واخدة تعسيلة)!! ، فما سبب هذا الوصف ؟

السرُّ وراء إنشاء الجمعية هو الحصول على حق الأداء العلنى للكتاب، و من أجل إقرار قانون (الملكية الفكرية) الذى يضمن للأعضاء وورثتهم موارد مالية دائمة مقابل إعادة عرض أعمالهم على الشاشات، إلا أنها انحرفت عن الهدف لتصفية حسابات والبحث عن فرصة، وهو ما لم تتقدم فيه الجمعية خطوة واحدة للأمام منذ أن ترأسها الكاتب الكبير الراحل محفوظ عبدالرحمن 2005، حتى تولى رئاستها قبل عامين الكاتب الكبير بشير الديك ، فى لحظة استيقاظ مباغتة أصدروا بيانًا- ودون أن يتوافقوا جميعًا عليه- ولكنهم- أقصد أغلبية من تحمسوا للبيان- توقعوا أن الفرصة مواتية لكى يتقدموا للرأى العام باعتبارهم القادرين على إصلاح حال الدراما التى وصفوها بالمتردّية ،البيان فى عمقه دعوة للفت الأنظار، يقدمون للرأى العام أنفسهم بأنهم القادرون على تقديم الصعيد كما ينبغى أن يكون الصعيد، وأنهم ضد العنف والدماء والألفاظ الخارجة، وهو ما يضمن أن يقف الرأى العام فى صفهم لأنهم سوف يقدمون له (الدراما النظيفة)، ثم انبطحوا أكثر وهم يؤكدون أنهم يوجهون الدعوة لإنشاء رقابة موازية يشاركون فيها مع عدد من الأطباء ورجال المجتمع فى كل المجالات، وأنهوا بيان الخزى بطلب لقاء عاجل مع المنتج تامر مرسى ، أرى أن الأزمة ستظل قائمة بين من لا يعمل ولا يعترف عادة بأنه يتحمل المسؤولية، بل يلقى التبعة على الزمن والشللية ، لذلك فإن جمعية الدراما تنام كثيرًا كثيرًا حتى وهى مستيقظة تكتشف أنها لاتزال (واخدة تعسيلة)!!.

* ما تقييمكم للأعمال الدرامية التى عرضت فى مارثون رمضان الماضى ؟

الموسم الدرامي الرمضاني الأخير يعتبر أقوى موسم قدم منذ سنوات طويلة، حيث هناك فكر وهدف أبعد من مجرد تقديم مسلسلات ناجحة، يتمثل في فضح الإرهاب الذي يحاول الالتصاق عنوة بالدين الإسلامي وهذا ما ظهر على مستوى أكثر من عمل درامي، كما في «القاهرة كابول، الاختيار 2، هجمة مرتدة، لعبة نيوتن».

* فى رأيكم لماذا تنتصر الدراما التليفزيونية للمرأة و تحقق لها التواجد الذى تستحقه بينما نجد أن الوضع معكوسًا فى السينما فالرجل هو الذى يتصدر توصيف نجم الشباك ؟

بالرغم من أن السينما المصرية قامت على أكتاف النساء صارت متنكرة منذ عقود للتواجد النسائى، النجمات على مدى تاريخنا السينمائى كن العنوان، وفى المباراة الثأرية للدراما التليفزيونية استطعن إثبات جدارتهن بالبطولة ومن مختلف الأجيال الدراما التليفزيونية صارت تحقق للمرأة التواجد الذى تستحقه، فهى بطلة ومن مختلف الأجيال، بينما لاتزال المرأة سينمائيًا تعانى الانكماش ، لذلك أرى أن التليفزيون يحقق قدرًا من التوازن فى العلاقة مع النجمات حتى لو لم نصل إلى مرحلة التوازى العددى والرقمى، خاصة أن أجور النجوم تتجاوز أجور النجمات، وتلك حكاية أخرى، تعانى منها بالمناسبة كل النجمات فى العالم.

* فى رأيكم هل تتفوق المنصات الرقمية على التليفزيون خاصة أن الإعلانات تغزو المسلسلات و كأننا نشاهد لقطات منفصلة و على المشاهد تجميعها ؟

حتى رمضان الماضى كنت من أنصار (الريموت) والمشاهدة عبر التليفزيون وتعودت أن أنتقل بين أكثر من قناة فى نفس الوقت، لكن مع هذا العام وتفاقم زيادة المساحات الإعلانية، أصبحت من أنصار (المنصات)، لأشاهد المسلسلات واحدا تلو الآخر، و فى هذا الصدد أتذكر قول الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة، أحد أهم معالم شهر رمضان، عندما دخل عشرات من المعارك، ضد ما كان يصفه بـ(البقرة المقدسة) أى (الإعلان) الذى لا يستطيع أحد الاقتراب منه، وكثيرا ما ردد ساخرا (الإعلانات أصبحت متعاصة دراما)، أى أن الأصل هو الإعلانات ، لو قلبت صفحات الماضى القريب لرأيت العديد من الإعلانات ارتبطت بنجم يروج لسلعة، كلما ازدادت مصداقية النجم وشعبيته لعب هذا دورا فى زيادة أرقام البيع، ومن أشهر الإعلانات صابون حمل اسم (نابلسى فاروق) مستعينا باسم الملك فاروق، وبالطبع لم يحصل الملك فاروق على أى مقابل، ولكن أصبح الصابون يحمل اسمه، والناس أقبلت عليه وعدد من المشاهير روجوا له، وعلى رأسهم أم كلثوم، بعد قيام الثورة 1952 أصبح اسمه (نابلسى شاهين) والجميع غسلوا أياديهم من فاروق .

* هل ترون أن الإعلان يعوض غياب الفنان عن الشاشة الرمضانية؟ 

نعم أكثر من نجم صار محسوبا هذا العام على رمضان برغم غيابه الدرامى، وأيضا بلا أدنى مساءلة أدبية، لأن الناس ستنسى الإعلان مع نهاية رمضان.

* يحظى موسم دراما رمضان 2021، باهتمام كبير، من قبل الجمهور المصري والعربي على حدّ سواء،و  اشتدت المنافسة بين الأعمال المعروضة، والتي يتصدر بعضها مواقع التواصل الاجتماعي ، فهل تتفقون على أن لعبة نتيوتن من أفضل مسلسلات هذا العام  ؟

بالفعل السيناريو أحدث فارقًا، والمخرج استطاع أن يحلق بنا إلى ذروة الإمتاع. (لعبة نيوتن) استحوذ على العقول وسكن القلوب، فى رمضان وسيعيش بعد رمضان. المسلسل ساهم فى رسم ملامحه وتفاصيله ورشة عمل وأيضًا كاتبة للسيناريو والحوار مها الوزير، يقودها المخرج والكاتب تامر محسن كانت عينه تتابع كل التفاصيل، الأحداث تتحرك وفق ميزان من ذهب، لا يتحمل إيحاء غير مقصود أو همسة عابرة. بناء درامى خارج (الكتالوج)، أداء ممثلين يخترق حاجز التمثيل، مخرج قادر على أن ينقل المتفرج من مقعده أمام الشاشة ليصبح جزءا من المشهد، يشارك الأبطال داخل (الكادر) لذلك تمكن من ان يحصد هذا النجاح الكبير و يحقق أعلى المشاهدات .

* قلتم على مسلسل  " الاختيار 2 " أنه  يترك لك أنت حرية الاختيار وهذا هو سر وسحر (الاختيار)!!.... فما الذى منح المسلسل كل هذا الحضور المصرى والعربى؟

الجمهور هو الرهان الحقيقى فى (الاختيار 2) ، سقف الطموحات كان عاليا جدا بعد الجزء الأول، ولهذا واجه الجزء الثانى معضلة، خارج الشاشة، وهى ترقب الجمهور لما هو أعلى، وأعمق، وأجمل، الناس لن ترضى بالوقوف عند سقف (الاختيار1)، إنه مثل سباق الحواجز، دائما ما يكون الحاجز الثانى أعلى من الأول، وإذا أخفقت فى الثانى، بالتأكيد سينسى الجمهور ما حققته فى الأول، إنها أشواك النجاح.

المسلسل يلعب دور الكاشف للتاريخ القريب، فهو لا يخترع وقائع ولكنه يستعيدها أمامنا ولا مجال ليس فقط للإضافة ولكن أيضا لتفسير يخاصم المنطق، الحقيقة التى عايشناها فى السنوات العشر الأخيرة لا تزال تسكن وجدان وعقل على الأقل 90 فى المائة من المشاهدين، فأنت وأنا شهود عيان على الحدث، المسلسل لا يملى عليك قناعته الفكرية، سياسية أو دينية أو وطنية، لذلك قلت أنه يترك لك أنت حرية الاختيار وهذا هو سر وسحر (الاختيار)!!.

* فى رأيكم هل " القاهرة كابول " أضافت بعدًا سياسيا جديدا على دراما هذا العام ؟

بالطبع لأن القضية التى التقطتها عين الكاتب عبد الرحيم كمال، لها بعدها المصرى والعربى والعالمى، مزج السياسة بالدين قراءة النص الذى يخضع لزاوية رؤية مسبقة هى التى تدفع الشخصية للوقوف على شاطئ تعتقد فقط أنه الحقيقة المطلقة، وترفض أن تسمح لأحد بالمراجعة .

* كيف يتمكن الناقد الفنى من تقييم الاعمال دون محاباة ؟

اصول المهنة تقول لا انتقاء الناقد منوط به مشاهدة كل المسلسلات ، الخريطة الدرامية متباينة، هناك دائما ما يمكن أن نطلق عليه أعمالا فنية تجارية، تملك حسا جماهيريا يجيد مخرجوها قراءة شفرة الشارع، لا يجوز قطعا أن نغفلها، من الممكن ألا تحتل فنيا المكانة الأولى ولكن القدرة على قراءة وجدان الناس ليست بالأمر السهل ولا الهين، وعندما تشير الأرقام إلى توجه فى المؤشر صوب نجم أو عمل فنى علينا دراسة الموقف.