خص الناقد الفني الدكتور ياسر منجى، اليوم السابع بسلسلة من المحاضرات الفنية يقدم خلالها قراءات نقدية وافية لعدد من اللوحات الفنية العالمية ويناقش عددا من القضايا الإبداعية، و ضمن مبادرة جديدة لتعلم وفهم الفنون التشكيلية خلال فترة العزل المنزلى لمواجهة فيروس كورونا، المسبب لمرض كوفيد-19، ويستمر بعدها.
واختار الدكتور ياسر منجي أن يقدم خلال المحاضرة الأولى لواحدة من أعظم لوحات الفنان "آلبرخت دورر" وهو عمله الخالد في تاريخ الفن العالمى، "كيلانكوليا1"، وبقدر ما هو خالد نال من الشهرة ما يستحقه، إلا أنه دارت حوله الكثير من علامات الاستفهام واستخدم بشكل أو بآخر فى فنون أخرى تأثرت بهذا العمل وصار يطلق على توصيفات لمرض أو لإصابات نفسية، وهو ما نطلق عليه التعبير باللغة الدارجة اسم "منخوليا".
لوحة آلبرخت دورر
هذا العمل الفنى أنتجه العبقرى آلبرخت دورر والذى كان شخصية استثنائية متمرسا فى علوم كثيرة جدا مثل الرياضيات وعلوم الفلك والهندسة، إضافة إلى كونه فنانا يمتلك أدواته، منها الصورة الذاتية التي تفصح عن قدر من المهارة التي امتاز بها ألبرشت ديورر.
قام آلبرخت برسم اللوحة عام 1514، في فترة كانت تمر فيها أوروبا بحالة غريبة، يمكن نستدعيها في الحديث عن انتشار فيروس كورونا في الأوقات الحالية، إذ كانت تعانى أوروبا مجموعة من الظواهر الغريبة الفلكية والطبيعية المرتبطة بانتشار بالأوبئة.
الدكتور ياسر منجى
هذا العمل ملىء بالكثير من التفاصيل، بداية من الشخصية الأساسية المرأة المجنحة الجالسة في تعبير وفى حركة جسدية تنضح بالكآبة والذى يتطابق مع موضوع اللوحة الكئيبة السوداوية، ولا يعرف إذا كانت شخصية أسطورية أم شخصية متخيلة ولكن من التفسيرات التى قيلت عن محاولة تفسيرها أنها تعبير أو تشخيص بصرى للعلوم العلمية أو العلوم الرياضية، وتفسيرات أخرى أنها تعبر عن الحالة النفسية للمجتمع الأوروبي الذى تجسد في هيئة امرأة مليئة بالهموم.
ولكثرة تعقيدها وملئها بالرموز، وصفها العديد من النقاد باللوحة المليئة بالأسرار، وحاول "منجى" تفسير الحالة النفسية وراء قيام الفنان الألماني برسم هذه اللوحة والتي تعتبر أحد لوحات "السوادوية" في أوروبا.
وهذه اللوحة عبارة عن صورة لشخص ذي جناحين ضخمين، يجلس مفكرا أمام مبنى حجري، محاطا بمجموعة غريبة وغير منسجمة من الأشياء التي لا تخطر على البال؛ ميزان، كلب هزيل، أدوات نجار، ساعة رملية، أشكال هندسية مختلفة، جرس معلّق، نصل، سلّم. وفى الخلفية، ثمة نقش في المبنى خلف الرجل، تحت الجرس، النقش هو مربع ألبرشت دورر– مربع عجيب، ينتمي هذا المربع إلى لعبة قديمة يابانية أو هندية أو ربما مصرية قديمة، ولكن ليس أى أحد يلعبها، إنها سودوكو العباقرة.
ثم تابع الدكتور ياسر منجي بعد ذلك التوقف عند أجزاء اللوحة بداية من الطفل الذي يدون كل شيء إلى الميزان الذي يعلو رأسه والساعة الزمنية التى تؤكد أن العالم أوشك على النهاية، مرروا بالسلم الخشبى الذى لا يأتى من مكان ولا يصل إلى مكان آخر، وتحدث عن دلالة كل ذلك فى اللوحة، كما أشاد بدقة الأرقام ف الجدل والتى يؤدى أي صف فيها فى حالة جمعه إلى الرقم 34 متتبعا دلالة الأرقام التى يفيدها هذه الجدول حتى أنه فى النهاية يمنحنا رقما هو 1514 وهو نفس العام الذى أبدعت فيه اللوحة.
كما يتوقف ياسر منجي عند رسمة "الخفاش" الذى يظهر بالقرب من قوس قزح بما يمكن قراءته بأنه إشارة إلى أن الأمراض جميعها تأتى من هذا الكائن الغريب، وفى النهاية أكد الدكتور ياسر منجي أن اللوحة ظهر تأثيرها بعد ذلك فى كثير من الأعمال الفنية مثل تمثال المفكر للنحات العالمى رودان، ولا يزال تأثيرها مستمرا حتى الآن.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع