أخبار عاجلة

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 31 يناير 1517.. طومان باى ينسحب بعد استعادته القاهرة أياما من العثمانيين.. ودماء ضحايا سليم الأول تجرى فى الشوارع أنهارا

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 31 يناير 1517.. طومان باى ينسحب بعد استعادته القاهرة أياما من العثمانيين.. ودماء ضحايا سليم الأول تجرى فى الشوارع أنهارا
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 31 يناير 1517.. طومان باى ينسحب بعد استعادته القاهرة أياما من العثمانيين.. ودماء ضحايا سليم الأول تجرى فى الشوارع أنهارا

كان الوقت صباح يوم السبت 31 يناير، مثل هذا اليوم، عام 1517، حينما اكتشف السلطان المملوكى «طومان باى» أنه صار وحيدا فى الميدان، ومعه عدد قليل من المماليك فى مواجهة العثمانيين، فانسحب خارج القاهرة، حسبما يذكر حلمى النمنم فى كتابه «جذور الإرهاب- أيام سليم الأول فى مصر».

 

كان أكثر من أسبوع مضى على هزيمة «طومان باى» فى الريدانية «22 يناير 1517»، وفقا للدكتور عماد أبوغازى فى كتابه «طومان باى- السلطان الشهيد»، مضيفا: «استمر يقاتل حتى انفض عسكره من حوله، فانسحب متقهقرا إلى طرة جنوب القاهرة، بعد أن كبد العثمانيين خسائر فادحة اعترف بها مؤرخوهم، وتمكن من قتلسنان باشا القائد والوزير العثمانى، بل إن السلطان العثمانى سليم نفسه اعترف بصعوبة المعركة فى بشارة النصر التى أرسلها إلى الشام».

 

دخل العثمانيون القاهرة يوم 23 يناير1517.. يذكر «أبوغازى»: «خطب لسليم فى المساجد إيذانا بسقوط دولة المماليك، وأضحت القاهرة مدينة مفتوحة لمدة ثلاثة أيام بلياليها يفعل العثمانيون ما شاءوا».. ويصف المؤرخ العثمانى «جلال زاد قوجة نشانجى مصطفى» هذه الأيام بقوله: «دخل الجيش العثمانى مصر، وكان يوم الحساب والزلزال والانتقام للمعركة السابقة وما حاق بالعثمانيين فيها من خسائر فادحة، كان يوم القيامة حقا، يوم يفر المرء من أخيه».

 

ويصف رحالة أوروبى الحدث نقلا عن بعض شهوده المعاصرين له، فيقول: «كان الرجال ملقين أكواما الواحد فوق الآخر، والدماء تجرى فى الشوارع أنهارا، وصب سليم غضبه على عامة الشعب وأمر بحرق بعض المنازل».. بينما يقول ابن إياس فى كتابه «بدائع الزهور»: «صار العثمانيون ينهبون بيوت الناس حتى بيوت الأرباع، فى حجة أنهم يفتشون على المماليك الجراكسة، فاستمر النهب والهجم عمالا فى البيوت ثلاثة أيام متوالية، وهم ينهبون القماش والخيول والبغال من بيوت الأمراء والعسكر فما أبقوا فى ذلك ممكنا».

 

يضيف «ابن إياس»: «انطلق فى مصر جمرة نار، واتجهوا «العثمانيون» إلى المطاحن، وأخذوا ما فيها من البغال والأكاديش، وأخذوا عدة جمال من جمال السقايين، ثم توجهوا إلى شون القمح التى بمصر وبولاق وأخذوا ما فيها من الغلال، وتشحطت الغلال فى القاهرة وارتفع الخبر من الأسواق، واضطربت أحوال الناس قاطبة».

 

كان العثمانيون يواصلون السلب والنهب، وكان «طومان باى» يستعد لمقاومتهم من جديد.. يذكر «أبوغازى»: «بعد أربعة أيام من دخولهم القاهرة، فوجئوا بطومان باى على رأس سبعة آلاف مقاتل يقتحمون المدينة ليلة الأربعاء 28 يناير 1517، ونجح وجنوده فى الاستيلاء على القاهرة بعد أن انضم إليهم الشعب، واستمر مسيطرا على المدينة لعدة أيام، حتى إن الخطبة عادت باسمه يوم الجمعة «7 محرم 923، 28 يناير 1517» بعد أن كانت لسليم فى الجمعة السابقة».

 

لم يدم انتصار طومان باى طويلا.. يذكر «أبوغازى»: «سرعان ما استعاد العثمانيون سيطرتهم على المدينة بفضل تفوق أسلحتهم النارية، عندما نجحوا فى اعتلاء مآذن بعض المساجد وأسطح بعض المنازل، وأخذوا فى ضرب المماليك والمصريين بالرصاص، فنجحوا فى القضاء على المقاومة فى القاهرة، واستعادوا سيطرتهم عليها بعد أربعة أيام، وانتقموا من أهلها أبشع انتقام».

 

فر طومان باى إلى البهنسا فى الصعيد، وفقا لـ«أبوغازى»، مضيفا: «من هناك بدأ يعيد تنظيم صفوفه من جديد، ويعد العدة لخوض معركة أخرى، وبالفعل استمر ثلاثة أشهر تقريبا فى كر وفر أمام العثمانيين، وبدأ يقطع الطرق أمام وصول الغلال والبضائع إلى القاهرة، مما أدى إلى نقص واضح فى الحبوب والجبن والسمن والقشدة، كما اختفى الخبر من أسواق القاهرة، ونهب العثمانيون الشون ليطعموا خيولهم بما فيها من غلال، وتزايدت هجمات العربان وفلول الجراكسة على العثمانيين فى الشرقية والغربية والصعيد، وارتبكت أحوال العثمانيين فى القاهرة حتى بات سليم يتوقع هجوم طومان باى بين لحظة وأخرى، لدرجة أنه أمر بإغلاق أبواب القاهرة وأبواب دروبها وقت صلاة الجمعة».

 

اقتنع سليم بقبول طلب طومان باى للصلح بسبب ضراوة المقاومة، ويذكر «أبوغازى» أنها كانت بنفس الشروط التى سبق وأن عرضها سليم قبل موقعة الريدانية، وهى أن تكون الخطبة والسكة باسم سليم، ويتولى طومان باى حكم مصر نيابة عنه، لكن طومان باى عاد وتراجع عن طلب الصلح، وفى ربيع الأول سنة 923 هجرية، تقدم طومان باى إلى الجيزة استعدادا للمعركة الفاصلة، وقرض قصيدة شعر من مائة بيت وألقاها أمام الهرم الأكبر، روى فيها قصة الحرب مع سليم والعثمانيين منذ بدايتها، ومطلعها:

«دموع العين فاضت من مآق وقلبى ذاب من كثر احتراق.. فلا نارى طفاها دمع عينى ولا دمعى يفيض من اختناق.. وبى أسف على أسف وحزن وهم فوق هم واشتياق.. على زمن تقضى فى نعيم بمصر والعلا والعز راق». 

 

فى 6 ربيع أول 923 هجرية، انتصر العثمانيون من جديد، وفر طومان باى إلى البحيرة، ولقاه حسن بن مرعى وابن أخيه شكر من مشايخ عربان البحيرة، وبعد أن أقسما له بحمايته وعدم الغدر به، قاما بتسليمه.


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع