سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 2 يناير 1900.. مصطفى كامل يصدر جريدة «اللواء» فى أربع صفحات والقراء يتابعون خطبته اليومية على صفحاتها

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 2 يناير 1900.. مصطفى كامل يصدر جريدة «اللواء» فى أربع صفحات والقراء يتابعون خطبته اليومية على صفحاتها
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 2 يناير 1900.. مصطفى كامل يصدر جريدة «اللواء» فى أربع صفحات والقراء يتابعون خطبته اليومية على صفحاتها

«شاءت العناية التى تسهر على الشعوب كما تسهر على الرجال، أن ترسل لمصر باذر البذور المنتظر: مصطفى كامل، فهو الذى بدأ فى نشر الفكرة الوطنية فى شباب الدارسين المصريين فى أوروبا، وهو الذى عند عودته من فرنسا، أحدث تغييرًا، أوتحديثًا ملموسين، لقد أيقظ مصطفى كامل المشاعر المصرية الأصيلة، وكان هو المنشط للاتجاه الوطنى المصرى، والمبشر بهذه الفكرة التى كانت قد خنقت فى بداياتها، ولكنها عادت برغم ذلك إلى الأمام».

 

هكذا يصف الخديو عباس حلمى الثانى فى مذكراته «عهدى»، الزعيم الوطنى مصطفى كامل الذى عرفه عن قرب، وتحالفا سويًا لفترة ثم افترقا، مضيفًا: «كان شابا يحمل كل رشاقة الشباب، بما فى ذلك الخيالات المقدسة، وفى المفاضلة بين الحياة المادية والحياة الروحية، كان قد اختار الثانية.. كان بسيطًا وصريحًا، وتحت شكله اللطيف كانت تختبئ نفس منفتحة لكل الأحاسيس، وقلب يتأثر بكل الحنان، وكانت هبة الله قد أظهرت تفكيره، وكانت فصاحته واضحة، وساخنة، وكان أسلوبه رشيقًا ومليئًا بالصور، ويتحرك من البساطة الملائكية، إلى الفصاحة العارمة، لشيوخ روما فى الماضى، وكان موهوبًا بالقدرة على الإقناع، كما كان له ذلك الإشعاع الذى كان للرسل والأنبياء، وكان الحب الذى يكنه لبلاده يبدأ من حماس متقد، لم يكن العقل يفقد السيطرة عليه».

 

بهذه السمات التى يذكرها «خديو مصر الأخير»، قاد مصطفى كامل شعلة النضال الوطنى فى حياته التى لم تستمر طويلًا، حيث توفى يوم 10 فبراير 1908 وعمره 34 عامًا فقط، وبحسب فتحى رضوان فى كتابه «مصطفى كامل»: «هذه السنوات القليلة فى حساب الأرقام، كانت طويلة وعميقة فى حساب الآثار الباقية، وفى حساب الأعمال العظيمة، وفى حساب الحركة الفياضة بالخير والبركة».

 

تنوعت أعمال مصطفى كامل العظيمة فى أساليب كفاحه الوطنى طلبًا لاستقلال مصر من الاحتلال الإنجليزى، ومن بين هذه الأساليب كان إصداره لجريدة اللواء فى 2 يناير، مثل هذا اليوم، 1900، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية»: «رأى الفقيد أنه لا بد من جريدة يومية يتصل بالرأى العام بواسطتها باستمرار، ويغذى بها عقول القراء ونفوسهم، ثم تكون علمًا للحركة الوطنية التى بعثها واقتاد بزمامها، وعلت منزلة اللواء فى نفوس الشعب، وصار اسمه محببًا للنفوس، حتى سمى باسمه كثير من محلات التجارة والمقاهى والمعاهد، وإلى الآن لا يزال اسم «بار اللواء» علمًا للمقهى المعروف بهذا الاسم أمام «دار الأهرام»، واسم «أجزاخانة اللواء» علمًا على الصيدلية الموجودة فى باب اللوق».

 

يذكر «الرافعى» أن مصطفى كامل أعد معدات اللواء عام 1899، وكانت داره الأولى بالمنزل رقم 13 بشارع فهمى بجوار محطة باب اللوق، ثم انتقل بعد حوالى عامين إلى المنزل الفخم رقم 29 بشارع الدواوين «نوبار باشا الآن» أمام وزارة العدل، وهو المنزل الذى عرف بدار اللواء، ويضيف: «صدرت اللواء يوميًا باستمرار حتى فى يوم الجمعة، ولا تحتجب عن القراء إلا فى اليوم الأول من عيدى الفطر والأضحى، ثم أخذت تحتجب يوم الجمعة ابتداءً من شهر مايو 1901، وكان تصدر فى أربع صفحات، ثم فى ثمانى صفحات منذ أواخر سنة 1906، بعد أن أحضر مصطفى كامل آلة طباعة كبرى تطبع فى الساعة الواحدة 12 ألف نسخة».

 

يذكر «الرافعى»، كان مصطفى كامل يكتب الافتتاحية فى أكثر الأيام ويوقع عليها بإمضائه، وممن كتبوا فيها، محمد بك فريد، خليل بك مطران، أحمد شوقى أمير الشعراء، إسماعيل باشا صبرى، مصطفى بك نجيب، إسماعيل بك شيمى، ويصا واصف، محمد فريد وجدى، محمد بك البتانونى، محمود بك سالم، فؤاد بك سليم، أحمد أفندى حلمى، محمود بك أنيس، عبدالقادر حمزة، محمود أفندى سلامة، محمد لطفى جمعة، عثمان أفندى صبرى، سيد على، أمين عمر «أبوحفص»، محمد صادق عنبر، محمد علام، وغيرهم.

 

ويؤكد أنور الجندى، فى كتابه «تطور الصحافة العربية فى مصر»، أن ظهور «اللواء» أدى إلى أن تحمل لواء الحركة الوطنية، حيث اتسمت اللواء بالحماسة الخطابية والإصرار على خصومة الإنجليز، ولم تتحول عن ذلك فى الوقت الذى تحول فيه الخديو عباس الثانى عن الحركة الوطنية.

 

كان الكاتب والمفكر سلامة ممن التحقوا بها فى عام 1909، ويذكر فى كتابه «الصحافة حرفة ورسالة»: «ظهرت اللواء فى عام 1900 فكانت منبرًا نقرأ فيه كل يوم خطبة بقلم مصطفى كامل بشأن الاستقلال، ولم يكن الشعب يقرأ هذه الخطبة اليومية وإنما يتلقنها، ويحفظ معانيها ويتأمل مستقبله إزاء هذه المعانى، فكان منها بعث الوعى الوطنى..كانت تحث الشعب على المطالبة بالاستقلال، وكانت أيضًا تطالبه بالإصلاح». 


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع