زوجة أصيلة وأم عظيمة.. الحاجة فتحية تجوب شوارع قريتها فى الدقهلية بـ"جرار أنابيب".. زوجها فقد بصره فأصرت أن تعمل فى مهنته.. تحملت المسؤولية وصبرت على مشقة العمل منذ 17 عام لتوفر لأبنائها حياة كريمة.. صور

بابتسامة رضا لا تفارق محياها، وقلب عامر بالصبر والعزيمة، ضربت فتحية معوض ابنة مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية أروع الأمثلة في الصمود والكفاح والتحدي، بعد أن رفضت الاستسلام أمام ظروف الحياة وقساوة الزمن ومارست مهن الرجال من أجل الكسب الحلال، وصنعت الأمل بكفوفها لتنسج أحلام أبنائها بالشقاء والكفاح والعمل.

تحملت "فتحية" المسؤولية وكانت خير معين لزوجها في شدته فى سبيل توفير حياة كريمة لأبنائها، تسلحت بالقوة والشجاعة وعاشت فى الحياة بعزة وكرامة، صانعة لنفسها وأسرتها طريقا للمجد والعلا، وبشقائها اليومي ملاحم كفاح، فتبدأ رحلة شقائها اليومية مع ساعة "الفجرية"، تحضر لأبنائها وجبة الإفطار، وتخرج مسرعة لمستودع الأنابيب في قريتها، تحصل على حصتها منه، ثم تتجول بين شوارع قريتها، تحمل في يدها مفتاحا، تطرق به على أنبوبة برفقتها، فيخرج صوتا مدويا يرنو بمعزوفته الشجية كل يوم في تمام الساعة الثامنة صباحا في أرجاء كفر الحاج عزب، ليخبر أهالي وأبناء القرية عن قدوم محبوبتهم "سيدة الأنابيب".

منذ أكثر من 17 عاما، اعتادت "فتحية"، على الخروج مع زوجها الكفيف لبيع الأنابيب برفقته؛ لتعينه وتسانده وتوفر لأبنائها حياة كريمة، فمع كل طلعة شمس، تجوب شوارع قريتها برفقته، تقود "جرار الأنابيب" وزوجها الكفيف يطرق على الأنابيب بنغمة مميزة عرف بها، تذهب لمستودع الأنابيب لتستبدل الأنابيب الفارغة بأنابيب ممتلئة، تحمل الأنابيب على منكبيها، وتبدأ في توزيعها على الأهالي وحدها بكفيها دون مساعدة حتى الرابعة عصرا دون كلل أو ملل، فاعتادت على أن تناضل كالفرسان بقوة وشموخ لتحصل على قوت يومها وقوت أبنائها، تسعى فى الحياة بكل همة ونشاط وعزيمة وأمل مع كل طلعة شمس والناس نيام حاملة مسئوليات وهموم مثقلة تنوء بها الجبال، تثابر لتقهر المستحيل بالشقاء والعمل والعرق الطاهر.

"اتجوزت ابن عمتي وهو كفيف وخلفنا بنت وولد، وقررنا نبيع الأنابيب مع بعض عشان نربي عيالنا بالحلال".. بهذه الكلمات بدأت فتحية معوض صاحبة الـ42 عاما حديثها لـ"اليوم السابع"، فقالت إنها كافحت ببيع الأنابيب منذ عام 2005، فتحدت كل أعباء وظروف الحياة، وقررت أن تعمل برفقة زوجها الكفيف في مهنته ببيع الأنابيب، مشيرة إلى أنها بالنسبة لزوجها عيناه التي يرى بهما والداعم والساند، يكملان بعضهما البعض ليوفران معا رزقهما ورزق أبنائهم.

وتابعت أنها تزوجت زوجها وهو كفيف، بعد أن فقد بصره أثناء عمله في بيع الأنابيب بإحدى الدول العربية، مشيرة إلى أنه عند عودته من سفره تزوجا وأكملا الحياة سويا وقررا العمل معا في بيع الأنابيب ليوفران حياة كريمة لأبنائهم ومستقبل أفضل لهم، "بالرغم من إن الشغلانة صعبة وشاقة، بس مبسوطة وانا واقفة جمب جوزي وبساعده عشان نربي عيالنا بالحلال، جوزي كان بيبيع أنابيب قبل ما يفقد بصره، وعشان محسسوش بالعجز أصريت إني أشتغل في الأنابيب وينزل معايا واكون عينيه اللي بيشوف بيها في شغله".

وأشارت أنها بدأت عملها في بيع الأنابيب معتمدة على عربة كارو، ومن ثم قامت بشراء الجرار ليوفر لها الوقت والجهد ويسهل عليها الانتقال بين شوارع القرية، موضحة أنها تعمل يوميا منذ الساعة الخامسة صباحا، تذهب لمستودع الأنابيب لتحصل على حصتها منها، ومن ثم تقود الجرار ويساعدها زوجها بالطرق على الأنابيب، ويجوبان معا شوارع القرية حتى الخامسة عصرا، "أي واحدة ست لازم تكافح وتقف في ضهر جوزها مهما كانت ظروفه، من 17 سنة ببيع أنابيب مع جوزي الكفيف، بدأنا بعربية كارو وبعدها جبنا الجرار اتعلمت سواقته، وبقينا ننزل من الساعة 8 الصبح نلف في الشوارع، أنا أسوق الجرار وجوزي يخبط على الأنابيب، إحنا بنكمل بعض وكفاحنا مشترك، وسوا هنكبر أولادنا ونأمنلهم مستقبلهم".

سنوات طويلة من الكفاح والعمل، تحملت "فتحية" خلالها مشقة العمل، غير آثمة على نفسها بل راضية وسعيدة وفخورة بما تفعله من عمل شاق، لم تمل يوما أو تكل من توصيل أسطوانات الغاز للزبائن، ملبية نداء الأمومة بصبر وعزم وأمل في غد أفضل، لتكون بكفاحها النبيل بصمة مضيئة في وجه كل محبط ويائس وكسول، "أنا شغالة بنفس راضية وروح حلوة ومفيش حاجة صعبة ومستحيلة طول ما أنا بشقى من عرق جبيني واللقمة في بوقي زي العسل، اتحديت الدنيا كلها عشان اشتغل، وهفضل أبيع أنابيب لآخر نفس في حياتي بوجود جوزي معايا بسعادة وفخر ورضا عشان محسسوش بعجزه".

 


الحاجة-فتحية-42-سنة-تجوب-شوارع-قريتها-لبيع-الأنابيب

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع