سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 26 يوليو 1956..عبد الناصر يتأخر فى إعلان قرار تأميم قناة السويس «ساعة ونصف»

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 26 يوليو 1956..عبد الناصر يتأخر فى إعلان قرار تأميم قناة السويس «ساعة ونصف»
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 26 يوليو 1956..عبد الناصر يتأخر فى إعلان قرار تأميم قناة السويس «ساعة ونصف»

كان مقررا أن يبدأ الرئيس جمال عبد الناصر خطابه الساعة السابعة فى ميدان المنشية بالإسكندرية مساء يوم 26 يوليو «مثل هذا اليوم من عام 1956» لإعلان قرار تأميم قناة السويس، لكنه تأخر «ساعة ونصف»، وحسب مذكرات عبد الحميد أبو بكر «قناة السويس والأيام التى هزت الدنيا» (كتاب أكتوبر - دار المعارف - القاهرة)، فإنه وفى الساعة السادسة عقد الفريق الذى سينفذ التأميم اجتماعه فى حجرة بمعسكر الجلاء بالإسماعيلية، بعد أن انتقل إليه من القاهرة دون أن يعرف أحد منهم طبيعة مهمتهم، ووقف المهندس محمود يونس أمامهم، وإلى يمينه عبد الحميد أبوبكر، ويساره عزت عادل، وبعد مقدمة قصيرة قال: «الرئيس جمال عبد الناصر قرر تأميم قناة السويس، والمجموعة الموجود فى الحجرة ستتولى تنفيذ عملية التأميم».

 

يؤكد أبوبكر: «ساد الحجرة صمت عميق، وكانت الانفعالات التى بدت على وجوه البعض خاصة المدنيين، خليطا من المفاجأة والدهشة والخوف والارتباك، وأخذ العرق يتصبب من بعض المدنيين الذين حضروا ببدلهم كاملة فى هذا الجو الحار»، وشرح يونس خطة التنفيذ قائلا: عندما يبدأ الرئيس فى إلقاء خطابه فى تمام الساعة السابعة، سيتابع الجميع الخطاب كلمة كلمة، وعندما يصل إلى كلمة «ديلسيبس» سنبدأ فى التحرك، أما لحظة دخول مراكز شركة قناة السويس فقد تحددت عندما ينطق الرئيس عبارة: «إن هناك إخوانا لكم يقومون الآن بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس».

 

 تم تقسيم فريق التأميم إلى ثلاث مجموعات، واحدة بالإسماعيلية، وثانية فى بورسعيد، وثالثة بالسويس، وذلك بخلاف مجموعة فى القاهرة لتأميم مكتب الشركة فى القاهرة، غير أن الخطاب تأخر «ساعة ونصف»، ويذكر فتحى رضوان، وزير الإرشاد القومى وقتئذ، أن الوزراء فوجئوا باستدعاء الرئيس للاجتماع بهم، وأبلغهم بأنه أعد وثائق تأميم القناة وأنه سيعلنها بعد خطبته، ويقول رضوان: «لا يخالجنى أدنى شك فى أن الوزراء وجميع الموجودين شملتهم سعادة غامرة عندما سمعوا هذا الإعلان الخطير، فقد كانت قناة السويس بماضيها الحافل بالمآسى وكانت شركتها القائمة على أرض مصر والمستغلة لمياهها «قرحة ملتهبة» فى جسم مصر يشعر كل مصرى لها بالألم والعار»، ويذكر رضوان أنه طلب من عبد الناصر ألا يربط فى خطابه بين قرار التأميم وبين سحب أمريكا لتمويل السد، لأن ذلك فيه إضعاف لحقنا فى التأميم، وبعد أن استمع عبد الناصر لحجته كاملة، أسرع تجاه دورة المياه ملوحا بيده وهو يقول: «أنا عارف ماذا سأقول، سأغسل وجهى أولا».

 

وصل عبد الناصر وباقى المسؤولين إلى شرفة مبنى البورصة المطلة على ميدان المنشية وفى حضور عشرات الآلاف بدأ خطبته، ويصفها أحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو» (الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة): «كانت قمة خطبه، وأعظمها تأثيرا فى الجماهير وأشدها إثارة»، ويتذكرها رضوان: «وقف عبد الناصر يتكلم بأسلوبه الذى تميز به خلال ثمانى عشرة سنة، وكان مزيجا من «العربية والفصحى» فى مطلع الخطبة، وفى الفقرات الافتتاحية لأجزاء الخطاب وفصوله الرئيسية، ثم بعد ذلك «العامية المطلقة» مع ميل إلى التكرار والإطالة، ولكن الجماهير لا فى مصر وحدها بل فى بلاد العرب كلها شرقا وغربا أحبت هذا الأسلوب، لم يكن فى وسع أى عربى، حتى رعاة الإبل فى قلب الصحراء أن يعرف أن عبد الناصر يخطب ثم يمنع نفسه من أن يدير الترانزستور إلى إذاعة مصر ليسمع وينتشى، وإن لم يفهم أحيانا بعض الذى يسمع»

 

يواصل رضوان: «جلست فى الصف الذى يلى عبد الناصر، وأخذت أتأمل هذه الجموع الحاشدة، التى لا تدرى شيئا عن المفاجأة المذهلة التى يخبئها لهم «عبد الناصر»، وحين وصل فى خطابه إلى النقطة التى أعلن فيها القرار، وما كاد يقرأ اللفظ الأول من عنوان القرار الجمهورى حتى أصابت الناس هزة عنيفة، لا فى الميدان وحده بل فى كل بيت من بيوت مصر، بل فى كل بيت من بيوت العالم العربى، بل فى الشوارع والأزقة، وفى السيارات المنطلقة بأقصى سرعة، فى كل حدب وصوب وطريق ودرب، ومعهم أجهزة الاستماع، لقد رأيت الناس دفعة واحدة، وبلا سابق اتفاق يقفزون فى الهواء، ويرتفعون عن الأرض صدقا».

 

كرر عبد الناصر اسم «ديلسيبس» 17 مرة، لضمان استماع فريق التأميم للاسم، وكان التكرار بلا ضرورة أحيانا حسب «أبو بكر»، مؤكدا: «كنا سمعنا تماما وتلقينا الإشارة من أول مرة سمعنا فيها اسم «ديلسيبس» وكانت الساعة العاشرة مساء، ووقتها بدأت عملية التأميم».

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع