السيرة العطرة، والشمائل الفاخرة، لشخص فارق الحياة، تبقى وتتحدث عن صاحبها، ولا يمكن لذاكرة الأيام مهما مرت، أن تمحيها، وإنما تذكر الجميع بها، مع كل مناسبة، تخص الراحل، والدكتورة سعاد كفافى، مؤسسة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، من أصحاب هذه السيرة العطرة، والشمائل الزكية.
وعندما تتوارد الأيام، وتحل ذكرى رحيل الدكتورة سعاد، تصطحب معها ذكريات، دورها كمقاتلة، وفارسة فى ميدان العلم، لتأسيس أو جامعة خاصة مصرية، لتفض احتكار الجامعات الأجنبية فى مصر، وتضع دستورا أن المكاسب المادية، تتراجع بجانب المكاسب العلمية، وتخريج كوادر مؤهلة، قادرة على مواجهة التحديات فى كافة المجالات، وتكون عونا قويا فى دفع الوطن للأمام.
فعلى سبيل المثال يروى ابنها الدكتور خالد الطوخى، رئيس مجلس أمناء جامعة مصر، إحدى أبرز نصائحها النفيسة لأبنائها، والتى تعد دستورا ونبراسا للعمل فى الجامعة مفادها: "لا تزيدوا فى مصروفات الدراسة على الطلاب ولا تغالوا فيها، ولا تنسوا منح التعليم المجانية للطلبة المتفوقين غير القادرين، فالجامعة فى الأساس خدمة وطنية وإنسانية واجتماعية، ولا تدخروا جهدا فى جعل الجامعة هى المكان المحبب للطلاب، ولا تجعلوا بينكم وبين الطلبة حجابا ولا حاجزا".
تأسيسا على هذه الوصية، تتكشف دور هذه السيدة العظيمة كرائدة من رائدات العلم، دشنت صرحا تعليميا، صار أيقونة، الجميع يتحاكى بها، ويتفاخر بها كونه صرحا علميا مصريا خالصا، لا يكتفى بإعداد وتخريج كوادر مؤهلة، وإنما يضطلع بدور مجتمعى ووطنى كبير، من خلال المساهمة والمشاركة بجانب الوطن فى قضاياه، ومشاكله.
الدكتورة سعاد كفافى آمنت بالعلم، وإنه قاطرة تنمية الأوطان نحو المستقبل، لذلك سخرت نفسها، وطوال 45 عاما كاملة، للعمل فى محراب العلم، والتفانى فى تقديم علمها وأفكارها ومساهمتها الكبيرة، لإعداد أجيال، جيلا بعد جيل، إيمانًا منها أن الاستثمار فى العقول، أعظم أنواع الاستثمار دون منازع.
وفى مسيرة الدكتورة سعاد كفافى محطات مهمة أبرزها محطة تأسيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا سنة 1996، ولم تمر سنوات حتى تحولت الجامعة إلى صرح تعليمى متكامل، حيث ضمت عدداً من الكليات مثل كلية الطب ومستشفاها التعليمى، كلية الصيدلة والتصنيع الدوائى، كلية طب جراحة الفم والأسنان، كلية العلاج الطبيعى، كلية العلوم الطبية التطبيقية، كلية التكنولوجيا الحيوية، كلية الهندسة والتكنولوجيا، كلية تكنولوجيا المعلومات، كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال، كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، كلية اللغات والترجمة، كلية الآثار والإرشاد السياحى، كما أسست جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا معهدين للتعليم العالى فى مدينة السادس من أكتوبر أيضا، هما المعهد العالى للسياحة والفنادق الذى تأسس عام 1990، والمعهد العالى للهندسة المعمارية وإدارة الأعمال الذى تأسس عام 1993. وحينذاك تغلبت الدكتورة سعاد كفافى على سلسلة من الصعوبات الحادة التى صاحبت البدايات الأولى لتحقيق الأهداف والأحلام.
ولأن الجامعات لا يجب أن تكون جدرانا ومقاعد فحسب فقد عملت الدكتورة سعاد كفافى على شحن جامعتها بكل سبل المعرفة والثقافة، فحرصت على تزويد جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بأكبر مكتبة مركزية حديثة بتصميم فريد تعتبر ثانى أكبر المكتبات بعد مكتبة الإسكندرية، ومزودة بمراجع علمية على أعلى مستوى، تهدف إلى دعم المجتمع الأكاديمى من خلال توفير كل السبل لتسهيل البحث العلمى من خلال التعاون مع أعضاء مجتمع الجامعة، وحصلت مكتبة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا على رمز دولى مميز خاص بها من مكتبة الكونجرس الأمريكية وهو EG-SoMUST، يستخدم فى معيار مارك لإنشاء وتبادل التسجيلات الببليوجرافية بشكل معيارى مما يسهم فى تحقيق معايير الجودة التى تسعى لها إدارة المكتبات بالجامعة، كما أسست الراحلة أوبرا جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا والتى تعد صرحا ثقافيا وفنيا كبيرا وأحد أدوات القوة الناعمة، وهى المنارة الثقافية والفنية الوحيدة فى مدينة 6 أكتوبر التى كانت تفتقد لأى نشاط فنى.
الدكتورة سعاد كانت تحلم بتشييد صرح علمى، يضاهى الصروح العلمية فى أوروبا وأمريكا واليابان، يؤهل كوادر مفكرة ومبتكرة ومبدعة، قادرة على أن تدفع بمصر إلى الأمام بقوة.
تحل ذكرى رحيل الدكتورة سعاد كفافى وسط ما وصلت إليه المستشفى الجامعى التى تحمل اسمها "مستشفى سعاد كفافي" من تقدم واردها، وصارت رقما صحيحا وقويا فى معادلة الصحة فى مصر، تقدم للمواطن غير القادر، الخدمة العلاجية اللازمة، جنبا إلى جنب مع القادرين.
وسار على نفس الدرب الدكتور خالد الطوخى عندما تسلم الراية، ليقود الجامعة بكفاءة وقدرة رائعة، ولم يكتف بما تقدمه الجامعة من علم فى مختلف التخصصات، وإنما استطاع تحويلها إلى نقطة إشعاع حضارى وفكرى وفنى وثقافى، وذلك من خلال تدشين العديد من الأنشطة المتنوعة التى تحتضنها الجامعة وعلى وجه الخصوص مسرح الجامعة الذى يفيض فناً وإبداعاً بشكل دائم يرتقى بالذوق العام ويغذى الروح بالفنون الجميلة، وهذا ليس جديدا ولا غريباً عليه فقد حلمت ذات يوم الراحلة سعاد كفافى حينما كانت تفكر فى إنشاء هذه الجامعة بأن تحولها إلى مركز للإشعاع الحضارى فأنشأت مسرحاً تم تجهيزه بأحدث الوسائل التكنولوجية من حيث أجهزة الصوت والإضاءة وفنون الديكور وغيرها من عناصر إدارة المسرح.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع