بوابة صوت بلادى بأمريكا

راغدة شفيق محمودتكتب: الحبّ وخفقان قلوب المحبين

أجمل تعريف للحبّ ما قالهُ أعرابيّ ( العشقُ خفيّ أن يرى , وجليّ أن يُخفى فهو كامنٌ ككمون النّارِ في الحجر إن قدحتهُ أورى , وإن تركتهُ توارى . ) وقصص الحبّ بدأت منذ بداية الخلق في جنان الله .

خلقَ اللهُ حواءَ من ضلعِ آدم ليسكنَ إليها من وحشتهِ وبقي في الجنة حتى أكلَ من الشجرة المحرمة ليرضي حواء بعد أن أغواهم الشيطان , وكيف طُرِدا من الجنة ليهبطا على الأرضِ وتبدأ رحلة البحث عن الآخر رحلة الشقاء والتعب ويلتقيان في جبل عرفات . ومن هذه اللحظة ترتسمُ عند الإنسان ملامح الخلق من خفقانِ قلبٍ وبحثٍ وطمعٍ بالعودة للجنان . ويتقدم الزمن لتظهر ملامح التعصب العرقي عند البشر .

عنترة بن شداد فارسٌ مضرب الأمثال يرفضُ عمه تزويجه من عبلة لأنّه ابن زبيبة الحبشية وهي أَمة, ورغم مشقته لإحضار مهر عبلة ألفاً من نوقِ الملك النعمان الحمراء المعروفة بالعصافير إلا أنّه لم يحظَ بها لسوادِ لونه وحفاظاً على صفاء الدّم العربيّ فنرى عنترة متروكا في حزنه ينظم أشعاراً في عبلة حتى موتهِ ولم يشفع لهُ إقدامهُ وشجاعتهِ .

وبينَ مراعي الإبل طفلانِ صغيران أبناء عم يولدُ الحبّ بينهما منذ الطفولة قيس وليلى , ورفضُ عمه تزويجها له رغم شحوبهِ ونحولهِ وزوجها سواه , حيث هام في الفيافي والوديان ليأتي قبرها باكياً نادباً , داوم على قبرها حتى ماتَ ودفنَ بجوارها بعد أن تركَ لنا أجمل الأشعارَ في الغزل . وقلة المال وشحه فرقت بينَ عروة وعفراء , حيث غلاء المهر وعجزُ عروة الفقير عن القيام به ليرحل ضارباً في عرضِ البلاد وطولها ليعود بمهر حبيبته وقد زوجها والدها من رجلٍ سواه في الشام . فقصدَ الشام وعندما نالَ من كرمِ زوجها وطيبته وسمو أخلاقه التقاها وقد أرسلَ خاتمه لها خلسةً في وعاءِ اللبن مع جاريتها .

 ولكن احتراماً لزوجها وكرمه غادرها تاركاً حبّهُ . أصيب بمرضٍ ومات وندبتْ عليه حتى ماتت ودُفنت بجوارهِ .

ومن غرائب الأخبار في الحبّ قصة تاجوج جميلة تلك العصر وزوجها المحلق الّذي فرطَ بها فخسرها وقضى حياتهُ نادماً مُعذبَ اللبّ , عندما أحضر أحدهم ليختلس النظر إليها في مخدعها ليثبت للجميع مدى جمالها ودقة شعرهِ بها , فعلمتْ بالأمر ولبت طلبَ أن ترقص له واستحلفته أن يلبي طلبها عندما تنتهي .

ومن شدة حبه لها وجنونهِ بها جعل قصتها على كلّ لسان ولبى طلبها وكان الطلاق الأبدي , وهنا تظهر المرأة العربية التي تتحلى بمكارم الأخلاق وترفضُ العيشَ مع رجلٍ لا يحترم خصوصيتها . وفي العصر الأموي جميل وبثينة وهي كقصص الحبّ التي تبدأ بالشتائم لتنتهي بالعشق , نرى شابين يشتمان وتعلو أصوات السبابِ والشّتم بسبب الإبل على مورد الماء .

أحبها واستملح سُبابها فأحبته وتواعدا وتلاقيا , ولكن رفضَ الأهل وتم تزويجها من شاب من قومها . تلاقيا في غفلة من الزوج لمراتٍ ولكن الزوج اكتشف الأمر واشتكاها لأهلها فتوعدوا ذاك الحبيب الذي فرّ إلى أخواله في اليمن ليعود ثانية ولكن لا أمل في اللقاء . ويذكر الرواة أن شبيب أخو بثينة رأى جميلاً عندها فوثب عليه وآذاه , وجاء ذات يوم شبيب مكة وجميل فيها فقال له الناس : يا جميل دونك شبيباً فخذ بثأرك .

فقال - وقالوا يا جميلُ أتى أخوها فقلت : أتى الحبيب أخو الحبيبِ ويذكر الرواة أن بثينة دخلت على عبد الملك بن مروان فقالَ لها : يا بثينة ما أرى فيكِ شيئاً مما كان يقولُ جميل , فقالت : يا أمير المؤمنين إنّه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك , قالَ : فكيفَ رأيتيه في عشقه ؟ قالت : كان كما قال الشّاعر : - لا والذي تسجدُ الجباهُ لهُ مالي بما تحتَ ذيلها خبرُ . - ولا بفيها ولا هممت بها ما كان إلا الحديثُ والنظرُ . وقصة عمرو عقيلة الذي أحبا بعضهما البعض ولكن والدها زوجها من رجلٍ آخر فخرج عمر إلى الصحراء وجلس لم يتحرك من مكانه حتى مات , ثم ذوت ومرضت عقيلة وماتت في حبهِ .

 وتظهر ليلى العامريّة تقول في قيسها : - لم يكن المجنونُ في حالةٍ إلا وقد كنتُ كما كانَ - لكنه باحَ بسرّ الهوى وإنّني قد ذبتُ كتمانا القصص من ذاك الزمان كثيرة فالعربيّ كان يبدأ أشعاره بالحب واستحضار المحبوبة ثم تطور إلى العذري فالغزل الفاحش واليوم الغزل الفيسبوكيّ والإلكتروني وقصصه التي تنتهي بالفشلِ أو الموت والقلة منها تستمر .

والمضحك في زماننا هذا محاولة بعضهم العودة إلى تلك العصور البائدة بأفكارهم السوداوية وظهور أسواق السبايا ومخالفة قانون الحياة وتعاليم الأديان التي تدعو إلى العفة والحشمة والتعفف في ميادين الحب .

 وبمتابعتي لآلاف المواقع الالكترونية والمجموعات التي تتغنى بالحب والبحث عن إشباع الرغبات الجسدية نجد الكم الكبير من الشباب العربيّ الذي يتهافت كالفراش للنار من ذكور وإناث حيث تخبو الكثير من القيم والأخلاق تحت شعار الحريّة الشّخصية .

وأعجبني قول الشّاعر إبراهيم بن محمد المهلبي : -- كم قد ظفرتُ بمن أهوى فيمنعني منهُ الحياءُ وخوفُ اللهِ والحذرُ . -- كذلك الحبُّ لا إتيان معصية لا خير في لذّةٍ من بعدها سقرُ . يحملُ كلّ منا قصة حبّهِ التي قد تشبه واحدةً من تلك القصص أو تختلف عنها ولكنْ يبقى الحبّ هو السّر الأكبر للإنسان أينما وجد .