بوابة صوت بلادى بأمريكا

عماد جاد يكتب: ضبط الأداء

هناك حالة من الانفلات العام فى بلادنا، ويطول هذا الانفلات جميع المجالات، وعلى رأسها الإعلام والأداء الرسمى، وتحديداً طروحات بعض النواب الذين يطرحون أفكاراً غريبة وشاذة، ربما يستهدفون من ورائها الشهرة الشخصية، وأن يكونوا محلاً لجدل إعلامى، وفى المحصلة النهائية يرتد العائد على المجلس ككل ومن ثم تتشوه صورة المجلس أو تزداد تشوهاً. وفى تقديرى أن أداء مجلس النواب فى دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعى الأول ووفق الدستور الحالى، تطور كثيراً مقارنة بدورى الانعقاد الأول والثانى على جميع المستويات، وفى الشهور الثلاثة التى مضت من دور الانعقاد الثالث صدرت عشرات القوانين التى كانت مصر فى أشد الحاجة إليها وتم تعديل قوانين قديمة، كما أن خريطة المجلس من حيث الانتماءات السياسية والانحيازات الاجتماعية بدت واضحة، ومن دخل المجلس دون خبرة أو دراية اكتسب قدراً منهما على مدار دورى الانعقاد السابقين، ويمكنك رسم خريطة واضحة للانتماءات والانحيازات. وفى تقديرى أن الأجواء العامة داخل المجلس حالياً أفضل كثيراً من دورى الانعقاد السابقين، وإذا كان هناك من ينتقد تشكيل المجلس ويقول إنه لا يمثلنى، فالرد ببساطة أن المجلس يمثل المجتمع بجميع ألوانه وطوائفه وفئاته الاجتماعية، فالبرلمان الحالى به ممثلون لجميع شرائح المجتمع المصرى، فيه السلفى والليبرالى، اليسارى واليمينى، العامل ورجل الأعمال، الحاصل على شهادة إتمام التعليم الإعدادى والحاصل على الدكتوراه فى تخصصات علمية دقيقة ونظرية، وكل برلمان عضويته هى انعكاس للمجتمع، فالبرلمان السويدى هو انعكاس للمجتمع السويدى، وكذلك الدنماركى، فلا تطالب ببرلمان لدولة من العالم الأول فى دول مجتمعها ينتمى للعالم الثالث، كما لا تتوقع برلماناً يعمل وفق الآليات الديمقراطية ويتمكن أعضاؤه من استخدام آليات العمل التشريعى والرقابى المنصوص عليها دستورياً فى نظام لم تستقر فيه التجربة الديمقراطية بعد، ومجتمع غير قابل للديمقراطية كثقافة ومنظومة قيم، ولذلك ليس غريباً أن يظل قانون ازدراء الأديان قائماً، ويرفض مندوب وزارة العدل إلغاءه، فالسلطة التنفيذية فى حاجة للفقرة (و) من المادة (98) لمحاسبة من تريد وقتما تريد بتهمة ازدراء الأديان، والسلطة التنفيذية قادرة على تجميد أى قانون يصدر بل واستخدامه عكس ما تقول مواده والمستهدف من وراء صدوره، مثل قانون بناء وإصلاح الكنائس، الهدف المعلن هو حل إشكالية الكنائس القائمة دون ترخيص وتنظيم إجراءات بناء الكنائس الجديدة، ما يجرى على الأرض اليوم هو أن السلطة التنفيذية وتحديداً جناحها الأمنى يستخدم المعلومات التى قدمتها الكنيسة عن الكنائس غير المرخصة من أجل تقنين أوضاعها، يستغلها فى إغلاق هذه الكنائس بدعوى عدم وجود ترخيص، ويوظف فى هذا الإطار علاقاته القديمة بالجماعات المتشددة، فبعد أن يدفعها للخروج والاحتجاج، ويتركها تحطم محتويات الكنيسة وتدنس مقدسات المسيحيين، يتدخل بإغلاق الكنيسة حفاظاً على السلم المجتمعى.
فى تقديرى أن المطلوب اليوم هو ضبط الأداء فى مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة وعلى رأسها الأجهزة الأمنية، والذى لن يتحقق إلا عبر تطبيق مبدأ الفصل والتوازن بين السلطات وتمكين مجلس النواب من القيام بدوره الرقابى والتشريعى بشكل حقيقى وكامل، وأن ترفع أيدى الأجهزة الأمنية عن التدخل فى مجالات ليس من حقها التدخل فيها، وتدخلها يفسد المواقف ويسبب أزمات حقيقية للدولة المصرية داخلياً وخارجياً، إضافة إلى تعطيل عملية التحول الديمقراطى فى البلاد.

حرية الاعتقاد
الخميس 28-12-2017 | PM 10:08
41620
يبدو أننا نسير خطوات سريعة إلى الخلف فى كل ما يتعلق بالحريات مثل حرية الرأى والتعبير وحرية الاعتقاد، وذلك بالتناقض مع مواد دستور البلاد الموضوع عام 2014 وما قبله من دساتير، وقد اعتاد المصريون صدور بعض الأفكار الشاردة من قبَل بعض نواب البرلمان من حين إلى آخر، ففى زمن الإخوان سمعنا عن توجهات لإصدار تشريعات بخفض سن الزاج للسماح بتزويج الأطفال، وفى برلماننا الحالى طرح أحد النواب فكرة التقدم بمشروع قانون لحماية ما سماه «الرموز التاريخية» من النقد، وقد تراجع بعد موجة نقد شديدة، وبالأمس القريب طرح نفس النائب فكرة مشروع قانون بتجريم الإلحاد وفرض عقوبات على الملحدين، معتبراً أن الإلحاد يمثل ازدراء للأديان لأن الملحد لا يؤمن بأى منها، ومن ثم فهو يزدريها، الأمر الذى يستوجب فرض عقوبة عليه تصل إلى السجن. وقد أثارت هذه الفكرة جدلاً شديداً فى المجتمع، وناقشتها بعض برامج «التوك شو» فى الفضائيات المصرية، وخرج الرجل ليشرح فكرته، وردّ عليه بعض الحقوقيين والعاملين فى مجال حقوق الإنسان. وفى تقديرى أن مثل هذا المشروع لن يرى النور، فلا تنزعجوا من طرح مثل مشروعات القوانين هذه التى لا وجود لها فى العالم اليوم إلا فى الدول الديكتاتورية ذات الدين الواحد وربما الطائفة الواحدة، وليس بها مجتمع مدنى قوى وحركة مدنية قوية وأيضاً محكمة دستورية عريقة كما هو الحال فى مصر.
بدايةً، هذا المشروع يُعتبر مخالفاً للدستور المصرى الذى ينص على أن حرية الاعتقاد مطلقة، صحيح أن الدستور قصَر ممارسة الشعائر على أصحاب الديانات الإبراهيمية، وصحيح أننا لدينا مشاكل حتى فى حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين المصريين بسبب الأجهزة الأمنية والتعاون التحتى بين هذه الأجهزة والمجموعات السلفية التى تتولى إغلاق الكنائس والاعتداء عليها وتدمير محتوياتها ومقدساتها، وصحيح أننا كنا نتمنى أن تكون حرية ممارسة الشعائر متاحة لكل صاحب اعتقاد والله سوف يحاسب الجميع على الأفكار والأعمال.
أما فيما يخص حرية الاعتقاد فالنص الدستورى أطلقها ولم يُقصرها على الأديان الإبراهيمية، بل ذكر أن حرية الاعتقاد مطلقة، ومن ثم فإن أى مشروع قانون يجرم الإلحاد يمثل مخالفة للدستور، ومن ثم لن يمر فى البرلمان، ولو افترضنا ومرّ، فسوف تُسقطه المحكمة الدستورية العليا التى تتولى مسئولية الحكم فيما يخص دستورية ما يصدر من تشريعات وقوانين. أيضاً وهو الأمر المهم والأكثر أهمية أن مصر موقّعة على الميثاق العالمى لحقوق الإنسان وعشرات الاتفاقيات الدولية التى تنص على احترام حرية الرأى والاعتقاد، ومن ثم لا أتصور أن الدولة المصرية يمكن أن تسمح بصدور قانون من هذا النوع سيكون كفيلاً بتعريض مصر لأزمات حقيقية مع المجتمع الدولى، ما أتوقعه هو أن يحاول أفراد من أجهزة الأمن ممارسة مثل هذه الأعمال باجتهاد شخصى، وربما من قبَل أجهزة أمنية لاعتبارات مركبة لا تخلو من رغبة فى جنى الحسنات وخدمة الدين من وجهة نظرهم.
ما أود التأكيد عليه هنا هو أن البعض يريد أن يجتهد، يزايد، وليس لديه دراية بمواد الدستور ولا الاتفاقيات الدولية الموقّعة عليها مصر، ولا دراية لديه بالتطورات التى تمر بها الأجيال الجديدة من المصريين، وبدلاً من الاجتهاد فى إعمال العقل وتحديث وتطوير الخطاب الدينى، ومجاراة الشباب، بل والأطفال، فى تساؤلاتهم المنطقية والاجتهاد فى تقديم إجابات منطقية وعقلانية، يخرج من بيننا من يطالب بتجريم الإلحاد وحبس الملحد، وهذا فى تقديرى شهادة إعلان ذاتى بالفشل والعجز عن الإقناع، ناهيك عن انتهاك مادة دستورية أطلقت الحق فى الاعتقاد، ومواد اتفاقيات دولية وقّعنا عليها تجرّم تقييد حق الاعتقاد، بل وتجرم مثل هذا النمط من التفكير.
لا تخشوا مثل هذه العقليات العاجزة عن الشرح والتفسير والإقناع، لن يصدر فى مصر قانون من هذا النوع لأنه مخالف للدستور ولكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر، كما أنها مخالفة للميراث الثقافى لمصرى.

عواصم عالمية على خُطى واشنطن
الثلاثاء 26-12-2017 | PM 09:59
936
عندما أصدر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قراره بالاعتراف بالقدس الموحَّدة عاصمة لإسرائيل، وقراره بتنفيذ قانون الكونجرس الصادر عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ثار العرب.. هاجوا وماجوا، عقدوا اجتماعاً طارئاً لوزراء خارجية الدول العربية، تقدمت مصر بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولى فسقط بفيتو أمريكى، ثم جرى التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تتساوى أصوات الدول ولا وجود للفيتو، فصدر القرار بموافقة 124 دولة مقابل 9 دول وامتناع 29 دولة عن التصويت. وحتى نذكّر مرة ثانية بأن العلاقات الدولية ونمط تصويت الدول يخضع للحسابات المصلحية لا العواطف أو الروابط، فقد صوّتت صربيا مع مشروع القرار، بينما امتنعت جمهورية البوسنة والهرسك عن التصويت على القرار، وقد سبق لغالبية الدول العربية أن ساندت البوسنة ضد صربيا لاعتبارات دينية دون أن تدخل المصلحة فى الحسابات. عموماً صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤكداً قرارات سابقة لمجلس الأمن الدولى بأن القدس مدينة محتلة وأنها جزء من الأراضى الفلسطينية التى احتُلت بقوة السلاح فى عدوان يونيو 1967،
اعتبرت دول عربية قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة نصراً سياسياً، وهو كذلك بالفعل، واعتبرته حصاد جهودها السياسية وكافياً لمنع تهويد القدس، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، فالتجارب التاريخية فى التعامل مع العرب أنهم يثورون وينتفضون ويُسيّرون المظاهرات والاحتجاجات لأيام وربما أسابيع، ثم يركنون إلى الدعة والهدوء من جديد، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عندما سُئل عن ردود الفعل العربية المتوقعة، فآباؤه وأجداده درسوا العقلية العربية جيداً منذ صدور قرار التقسيم عام 1974، وأدركوا جيداً أن الرد العربى يغلب عليه الانفعال وقصَر النفَس، ومن ثم فسوف ينسى العرب ما حدث وينخرطون مجدداً فى خلافاتهم وصراعاتهم الوهمية. ويبدو ذلك منطقياً بالفعل، فقد سبق للعرب أن ابتلعوا الطعم الفرنسى البريطانى فى القرار الأممى 242، ولم يلاحظوا غياب أداة التعريف فى النص الإنجليزى الذى نص على انسحاب إسرائيل من «أراضٍ» احتُلت فى النزاع الأخير، عكس النص الفرنسى الذى كان ينص على انسحاب إسرائيل من «الأراضى» التى احتُلت فى النزاع الأخير. وقد تمسكت إسرائيل بالنص الإنجليزى وقالت: نفذنا القرار بالانسحاب من سيناء التى تمثل أكثر من 90% من الأراضى التى احتلتها إسرائيل فى حرب يونيو.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن عدداً من دول العالم بدأت تنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، بالإضافة إلى الدول التى أيّدت واشنطن فى الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول التى امتنعت عن التصويت، بدأت دول أخرى فى نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، مثل رومانيا وتشيكيا، وهو أمر يُتوقع تسارعه فى الفترة المقبلة فتضيع القدس مثلما ضاعت مدن فلسطينية أخرى كانت ضمن الدولة العربية وفق قرار التقسيم وأيضاً احتُلت فى يونيو 1967 ولن تعود بسبب طبيعة العقلية العربية وأدائها السياسى.