و نحن نحتفل هذا العام بمائتى عام على ميلاد أول رئيس وزرء لمصر و الذى من فرط حبه لهذه الأرض الطيبة قال عنها : «كم من الحكام احتلوها! كم من الشعوب دهست بأقدامها أرض مصر، بدءا من ملوك الرعاة إلى آخر المماليك، جميعهم تركوا آثار أقدامهم وبصماتهم العظيمة على أرض مصر من أهرامات وتماثيل ضخمة ومعابد ومآذن ومنارات وعجائب كلها سحر ورونق، كلهم استغلوا وتجاوزوا الحدود فى استغلال هذا الشعب الذى عمل بجد وعرق وشيد لهم هذه الروائع والآثار التى نعجب بها دون أن نفكر فى الألم الذى عانى منه الشعب، فى حين أن لا أحد من هؤلاء الحكام، استطاع التغلغل فى أعماق هذا الشعب الذى ظل ساكنا مثل المحيط» ، كتب نوبار باشا هذه المقولة وقتما كانت مصر منفتحة على ثقافات البلدان الآخرى حيث امتازت مصر عن سائر ممالك الأرض بتعدد الجنسيات، واختلاط أهلها بسائر أصناف الناس، وقد خدم حكومتها رجال من أمم شتى منهم الفرنسيون والإنجليز والألمان وغيرهم من أمم أوروبا، والأتراك والأرناءوط والأرمن والشركس والسوريون وغيرهم من رعايا الدولة العليَّة.
دعونا نحتفى و نحتفل معًا بميلاد نوبار باشا نوباريان أول رئيس وزراء فى مصر و نتعرف على أهم المحطات فى حياته و مذكراته و أهم ملامح هذا العصر و حكومته و سياسته؛ هل نجح فى إرضاء الشعب و كسب ثقته أم كان هناك معارضين له و لحكومته مثله فى ذلك مثل أغلب رؤساء وزراء بلدنا المحبوبة مصر !! ... لنشاهد عن قرب كيف تم تكريم نوبار باشا فقد كان له العديد من الإنجازات فهو :
من أعظم الشخصيات الذين كانوا فى مصر، ساهم فى الكثير من تطورها وكانت له الكثير من الأعمال الهامة :
له الفضل فى البدء بأنشاء السكة الحديدية، كما كان عامل هام حينها للتخلص من الجرائم وانتشار الأمن في البلاد ،قامت الدولة بتكريمه من خلال وضع اسمه على أحدى الشوارع فى وسط مدينة القاهرة، كما وضعت أسمه على مدينة كاملة فى محافظة البحيرة بمصر وسميت بالنوبارية الجديدة كما أدرج الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، برئاسة محمد أبو سعدة، اسم نوبار باشا، أول رئيس وزراء مصر، في مشروع حكاية شارع، حيث تم وضع لافتة على باب شارعه الذى يقع بالقاهرة الخديوية.
ترك لنا نوبار باشا مذكراته و هى وثيقة و أرث بالغ الأهمية يعبر بصدق عن ما جرى فى تلك الحقبة فنهل منها محبى التاريخ و استحضروا الأحداث فى رواياتهم و كتبهم التى صدر منها على سبيل المثال كتاب غاية في الأهمية ألا وهو "نوبار باشا خادم مصر الكبير " باللغة العربية. وقام الأستاذ جارو طبقيان بترجمة هذا الكتاب من تأليف السيدة فيكتوريا أشاروني. وصدرت هذه الدراسة عام ١٩٥٠ حيث حازت على جائزة واصف بطرس غالي وجمعية مصر – فرنسا ؛ كما صدرت عن «دار الشروق» المصرية،كتاب «مذكرات نوبار باشا» التي ضمت واحداً وأربعين فصلاً، إضافة إلى مقدمة وملاحظات كتبها ميريت بطرس غالي.
و لأن سيرة نوبار باشا دسمة وغنية نظرًا لمعاصرته فترة مهمة من فترات التاريخ المصري عمومًا، ودائمًا وابدًا لم يكن ينظر إلى شخصه على انه أرمني اكثر ما كان يعتبر نفسه مصري حتى وان لم يكن يتحدث العربية، وهذا ليس بغريب حيث كان اغلب ولاة مصر وقتها لا يتحدثون العربية، وانما نوبار كان في قلبه مصر ودائمًا ما خاض معارك من اجل مصلحة الشعب المصري الكادح من اهمها انجازاته في القضاء على السخرة وتحسين حال الفلاح المصري بشتي الوسائل والطرق، محاولًا المساواة بين هو وبين قرينه الأوروبى مما جعل الجميع يطلق عليه وقتها لقب "أبو الفلاح"؛ اما على الصعيد السياسي فكانت له صولات وجولات داخل مصر وخارجها اثناء تأسيس المحاكم المختلطة، وايضًا معركته ضد جشع فريناند ديلسبس وقت حفر قناة السويس وما بعدها حتى ان وصل الامر إلى ساحات القضاء الفرنسي ، و هو ما تم ذكره بوضوح فى رواية " الباشا " للكاتب سمير زكى و التى أصدرتها جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية العامة .
فى واقع الأمر لا تسع الصفحات لسرد رحلة حياة و إنجازات نوبار باشا لكن و نحن نحتفى بعيد ميلاده المائتين هل لنا بإحياء تذكاره من خلال حفل تكريم و ندوات ثقافية توزع فيها كتيبات و نبذات لتعريف الاجيال الحديثة بعبقرية هذا الرجل أجدها فرصة لعمل معرض فنيا يعرض صور و لوحات تاريخية لهذه الحقبة يستفيد منها محبى الفنون و التاريخ هل تواتينا الفرصة لعمل فيلم تاريخى يحكى قصة حياته و الحقبة التى عاصرها ، و لنواكب الشباب سكان الفضاء الألكترونى يمكننا عمل قناة على اليوتيوب أو المنصات الإلكترونية نحكى فيها إحدى فصول التاريخ برئاسة نوبار باشا فى شكل قصص تاريخية مشوقة تجذب الأطفال و الكبار و نستكمل الحكى بعباقرة و مشاهير الأرمن من بعده فى حالة يتضافر فيها الإبداع و الفن مع عبق التاريخ لنسمو بالإنسانية و نعلو بالقيم و المبادىء داعمين لفكرة إنصهار و اندماج الاعراق و الشعوب مع بعضها والاستفادة من معطيات الحضارة المصرية و الأرمنية تعميقا للهوية ومحبة الوطن .
أخبار متعلقة :