لقد حان الوقت كي يدرك الهاربون من السياسة مواقف إيران و الرمال التي تتحرك فوقها ، و بالطبع ليست لعبة الرمال المتحركة فقط كما يعنون مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق إحدى كتبه ، إنها لعبة التاريخ و لعبة الجغرافيا ثم لعبة الشعور الديني والوطني.
إذن ،الغرب أمام المأزق الإيراني و الذين سايروه في مواقفه المدمرة حفاظا على عروشهم هم أيضا أمام الاحتمالات السيئة فلا الحرب ضد إيران قادمة وليس الاستسلام لمطالب الغرب جاهزة، إنها المعادلة التي تبدو من وجهة نظر البعض مستحيلة و من وجهة نظر البعض بداية النهاية للاستعلاء الغربي الصهيوني ضد العالم النامي.
إن افتراض مواجهة عسكرية بين الغرب و إيران يبدو ضئيلا وأن اسرائيل أمام هذا الضعف الغربي تبدو اليوم هشة و هي بالتأكيد الآن تحرص حدودها خوفا من حزب الله والمقاومة في غزة ومن ورائهما ايران و الحال هذه فإن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغيرات في الإستراتيجية نحو السلام و ربما إدخال غيران ضمن القوى الفاعلة في المنطقة قصد الحد من تأثيراتها السلبية على اسرائيل لقد فهم الغرب من تجربته مع بن لادن أن ما يبدو مستحيلا يصير ممكنا وأن التطور الحاصل على مستوى الرؤية الفكرية ذات البعد الديني أكثر بكثير من الرؤية العسكرية ، فالأولى نتاج تراكم تاريخي وإنساني ،والثانية ناتج تطور آلي في اتجاه مادي هو ملك مشترك ، بخلاف الأول ، وأن الإيديولوجيا أيا كان مصدرها مثل التكنولوجيا الأولى غسيل الدماغ و الثانية غسيل للأمعاء و أن التجارب أيضا هي بمثابة صخرة الصلصال لا ينحت منها إلا من كان وارثا لها.
إن الحقائق على أرض الواقع تغير الكثير من الاتجاهات فالحقائق التي أوجدتها في الميدان ايران موخرا في حربها الأخيرة مع اسرائيل غيرت الكثير من المفاهيم الخاطئة التي كان ينظر بها الغرب إليها، و الحقائق على الأرض التي رسمتها حرب غزة غيرت نظرة العالم إلى المقاومة الإسلامية بقيادة حماس وحزب الله وطبعا ايران و أصبحت الآن جزء من المعادلة السياسية في المنطقة و من الأطراف الفاعلة في أي حل للقضية الفلسطينية.
سياقات التاريخ
شئ آخر هو أن كل سياقات التاريخ تؤكد على ان المقاومة بكل أشكالها هي في النهاية الرابح الأكبر فمقاومة إسرائيل كذبا للعالم لستة عقود جعلها تنجح في بناء قوتها لكن مقاومتها ليست مبينة على أهداف مشروعة ولا مساحة من التاريخ بل مقاومة افتراضية منشؤها الخوف مرة وتارة تعطشها التاريخي للإرهاب ولذلك فان أية مقاومة ولو بسيطة تقف أمامها ستنتصر إن كانت بالطبع تأخذ من واقعها التاريخي وشعورها القومي ، وإن ما حصل فعلا في الحالتين لحد الآن حالة المقاومة الإسلامية في غزة حتى تؤخذ بالحسبان في مغامرة عسكرية بل إن هناك من الساسة الإسرائيليين أمام الانكسار الكلي بل إن "أولميرت "رئيس الوزراء الأسبق حد نهاية إسرائيل ان هي ظلت تأخذ بالأوهام فيما تقول به من النيل إلى الفرات وهناك مصادر اسرائيلية تقول أن الهجرة من إسرائيل إلى بلدان أخرى بدأت في ارتفاع وأن الهجرة إلى اسرائيل انكمشت إلى حد مقلق بالنسبة للساسة الإسرائيليين هناك إذن صراع على المستوى السياسي وعلى المستوى الداخلي إن في اسرائيل أو في العرب في اسرائيل عملة الهروب خوفا من المجهول وفي الغرب تناهي ظاهرة لإحباط من مشاهد الموت التي بشاهدنا الملايين من البشر للجنود الأمريكيين ومن تحالف معهم ويطالبون - بالتالي - بعودة أبنائهم من حرب خاصرة ومدمرة لاقتصاد بلدانهم وهي بالأساس السبب الرئيس في الأزمة المالية ..العالم إذن أمام منعرجات قد تقوده إلى مرحلة ما بعد الحرب البادرة بفلسفة ، السلام فيها للجميع وإما أزمات اخرى تقوده إلى متغيرات دراماتيكية يخسر الغرب فيها كل ما بناه من سياسات تجاه الشرق الأوسط وتكون اسرائيل الضحية الأكثر جروحا والأكثر ألاما وهو الملاحظ اليوم بعد دخول روسيا الحرب ضد "داعش" وأخواتها في سوريا
.
أخبار متعلقة :