بوابة صوت بلادى بأمريكا

زيارة للتاريخ١ .. بقلم الكاتب الصحفي محمد لواتي

 
أوراق مهربة ... و أخرى مقيدة...
أناشيد التوابيت و مفاتيح الهزائم ... لا تصنعها إلا الطيور الموظفة ...!!
حين ادعي حمد بن جابر آل ثاني و سعود الفيصل(توفي) الحكمة بأثر رجعي بناء على أحداث ليبيا يكونان قد دخلا غرفة الإنعاش السياسي رغم أن احدهما له في الخارجية كوزير لها  أكثر من ثلاثة عقود ... و حين يقر كبار ساسة الأرض بان سوريا بأوراق التاريخ وأوراق الجغرافيا هي دولة كبرى لا تجري عليها أساطير "الفوضى الخلاقة" ولا تدابير المخابرات و ذخائر مخزون الإسرار لديها، تكون الحرب الكونية من(80 دولة) التي سلطت عليها مجرد وجه مجمل للشيطان ... و حين تصحح سوريا مجرى التاريخ السياسي وتوقف الهجمة على إيران ، و تحرر مجلس الأمن من الأسر الأمريكي  بواسطة الفيتو الروسي الصيني تكون قد حررت التاريخ من الأسر الذي وضع فيه سنين بسبب سياسة المحافظين الجدد وعمائم ساسة الخليج العربي..
 حين ينتصر رجل السياسة بتغيير أفكار عدوه إلى انتصار له يكون قد صنع النصر بأقصر الطرق ... و حين يقول التاريخ عن مجيء  وزير خارجية روسيا السيد "لافروف "و بجانبه مدير المخابرات الروسية إلى سوريا  مع بداية الأزمة انه لم يأت عبثا بل جاء ليقول لسوريا لست وحدك في المواجهة وما تطلبه يوفر لك على الفور ... و حين يقول وزير خارجية قطر السابق حمد بن جابر بعد أن أحس بالهزيمة "أخشى أن اذهب و أبوس رجلي بشار الأسد.." لم يكن حبا فيه و لكن بعد أن تيقن أن الدوائر دارت عليه و انه أمام حقائق انتصارات سورية  حقائق لا تقبل النقاش ... و حين تقرر فرنسا رفض دخول القرضاوي إلى ديارها و يرد حمد بن جابر بان هذا القول ليس من مصادر عليا يرد عليه " ساركوزي" و يعلن الخبر بنفسه ليس خوفا من القرضاوي و لكنه رسالة مشفرة إلى قطر والأكاذيب التي تبثها في الحفل السياسي الفرنسي.. و حيث يقول أحباب سوريا من يعملون في الظل من الأمن القومي الروسي "حياة أو موت" و إن إيران  و سوريا ضمن هذه الدائرة فليس لان أصحاب القرار الروسي هم وراء الستار و دون مرايا تعكس كل ما يجري في الخفاء ... و أن يلغي مجلس الأمن من قراره الأخير ضد سوريا كل قرارات الأعراب في جامعة الأعراب ليس لأنه يحب سوريا بل لان الجمع اتفق على جديد سوف يلحق الأذى بقطر والسعودية ... و حين لا يعلم الأعراب ما يخطط لهم و في اتفاق سري بين ثلاثة أطراف فاعلة في السياسة الدولية هي روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية و إيران فإنهم لم يندموا على ما فعلوه بسوريا بل إنهم سيلعنون اليوم الذي ولدوا فيه..هناك مواقف راديكالية تجاهلوها خاصة و أن الجميع أحس بعد ضربة "تولوز" الفرنسية بخلفية دعوة قطر والسعودية إلى "جاهدوا جاهدوا" سواء في ليبيا أو في سوريا , و أنهم بالتالي اخذوا تنظيم القاعدة كقاعدة لهم و لما يعلم الشعب السوري ماذا أنتجت محنته للعالم من تحول و من تحقيق للعدالة الدولية بعد أن غابت سنين ليعرف انه من أكثر الشعوب تحركا في التاريخ و الجغرافيا.
إذن , نحن أمام مشهد سياسي آخر , لا يقر بالحرب و لا يأخذ بمبدأ التدخل المباشر , جاء هذا المشهد الجديد , بعد أن سقطت كل الأوراق و لكل الأطراف ، و بعد أن تبين أن اللعب بالنار في وجه التاريخ أمر غير وارد لدى مكل من يؤمن بان للتاريخ قوة اشد بطشا من قوة الأفكار المبنية على الجزئيات الحضارية , أنى ينطلق , و في أي لحظة عند مفعول التاريخ في مواجهة و أي اعتداء تصمت كل الآراء , و تتوارى في التحاليل الآنية , بالطبع من خارج التاريخ ... إن منطق "الجهاد" في كل مكان الذي تبنته قطر والسعودية هو منطق يخلو من الرؤى لمفهوم الجهاد ، فضلا عن كونه يحمل الكثير من المغالطات ، و يسوده الإيمان بالعجز في مواجهة الظروف الطارئة... إن قطر ضاعت وسط هيمنة "الأنا" و سكنت جوف الانحراف بالجغرافيا لحساب المال ،  المؤكد أن المال قد يشتري جزرا , و لكن لا يمكن أن يشتري التاريخ. 
  بين المذهب الديني و المذهب السياسي..؟   
من المؤكد أيضا أن المذهب الديني أو السياسي , إذ اعتل احدهما انهزم الاخر  و تأخر عن الركب، وبالتالي لا يمكنه أن يتحول إلى عملية تسويق أو استعلاء , لا في الزمان و لا في المكان , هذا هو حال المذهب الوهابي اليوم ... إن بناء صرح من الخيال على معطيات هي جزء من الأزمة لا يمكنه أن يصمد لأكثر من لحظات , و ما قامت به قطر هو هذا النموذج المؤدي إلى تغييب الحقيقة و محاولة رصدها في تقارير لا تستند إلا لأفكار هي بالأساس من صنع الأحلام ... أليس من الخبل  محاولة إسقاط دولة , لصد الفراغ الذي توجد عليه الدولة المعتدية ... إن سد الفراغ يحتاج بدوره إلى منطق الإسقاط للعناصر المؤدية له ، وإن هذه العناصر كامنة في الخلفيات التي أسقطته على الواقع كحقيقة والخروج به إلى دوائر أخرى تحكمها مبادئ الاستقرار , و ضوابط التاريخ و الجغرافيا , إن الخطأ ليس هينا فيما وقعت فيه السعودية و قطر ، خطا غير وارد لدى مجموعة من الدول ، بناء على منطق الاحتواء لجزء مهم من العالم ، و كانت الفتوى الخارجة عن الدين احد هذه الخروج  بحيث حشر في العملية رجال دين , فيهم من يشبه عرائس القارقوز ، و منهم من كنا نحترمه. ولكن تبين انه يدمر الشر أكثر مما يؤمن به قيم
لقد تم كل ذلك بناء أرصدة مالية , و تقارير استخباراتية مزورة , أو مضللة , فقد أدخلت فرنسا في لعبة الدم إلى جانب قطر و التحالف الذي تم بينهما ضد ليبيا كان بناء على وعود هي أشبه بوعود صانعي السمسرة في الخيال.
و كان وزير خارجية فرنسا " ألان جوبيه" في هذا المنتج السياسي مثل الدجاجة ا، فقد ظل طوال الأزمة السورية يردد لابد على بشار الأسد أن يرحل و كأنه يحمل مفاتيح تبيض كل صناديق الغيب ، و كل بطاقات البشرية , في حين يقوم هو بتزوير تقارير سفيره في دمشق , و يحولها إلى أداة قمع ضد معارضيه من الشخصيات الفرنسية ذات الوزن السياسي والثقافي في فرنسا , كل هذا المنطق ليس إلا للاستهلاك للوقت من وجهة نظره , كان يظن ذلك , و بناء على معلومات أعطيت له من حمد آل ثاني , بان بابا عمر وحمص محرمتان على النظام السوري  قبل تحرها طبعا , و إن موعده أيام قلائل بل انه حدد يوم الواحد و العشرين من شهر جانفي 2012 أجلا نهائيا له وإن المعارضة ستدخل إلى سوريا و تقبض على بشار الأسد ، وذهبت قناة الجزيرة مذهب اليقين في هذا التحديد، لكن في فرنسا صراع بين "ألان جوبيه" و الذين رفضوا من اليوم  الأول مواقفه المتهورة , و قيل في أكثر من تقارير بأنه اشد تطرفا من تطرف تنظيم القاعدة , بل هناك أكثر من سياسي في فرنسا اتهمه   صراحة بأنه دمر سياسة فرنسا الخارجية , و هي تعاني اشد الأزمات , بحيث لا يتجاوز النمو الاقتصادي فيها أكثر من 1,0 في هذا العالم ... و قد حاول الخروج من دائرة الاتهام هذه باتهام قطر بأنها لعبت به و بسياسة فرنسا , و إن قطر بالتالي ظلت توجه سياسة فرنسا الخارجية لمدة سنة تقريبا , و حين يكون وزير خارجية فرنسا بهذا المستوى فما عليه إلا أن يختار بين المعالجة في الطب النفسي أو لمعالجة عند طبيب الأعصاب , تقول التقارير الفرنسية  ان "قطر تكتب هذه التقارير."
الكذب المتواصل
قطر تكذب بشكل متعمد على فرنسا أكثر للتورط معها في سورية و الكذبتان القطريتان الأولى تتعلق بحي بابا عمرو في حمص و حول قوة المجلس الوطني السوري , و الثانية تتعلق بنجاح قطر في شراء القمة العربية في العراق..و يقول أيضا "وزير الخارجية القطري اقنع الفرنسيين بعدم قدرة الجيش السوري على اقتحام حي بابا عمرو في حمص , و إن هذا الحي مستعص على السقوط و هو بمثابة بنغازي سورية الذي سوف يهزم الجيش السوري" , و أضافت أن "حمد بن جاسم طلب من فرنسا الاستعداد الدائم لفكرة إرسال قوات عسكرية إلى حمص ، لكن هذا الاعتراف الفرنسي جاء متأخرا" , أي بعد إن سقطت فرنسا في الوحل   ولم يعد بإمكانها بلع التجربة المريرة إلا بعد سنوات , خاصة و إن لبنان وقف بقوة ضد مواقفها , و هو البلد الذي تدعي انه قريب منها تاريخيا ... إن الذين فبركوا التاريخ الرديء ضد سوريا كانوا أكثر تأخرا في فهم الأحداث و التكيف معها حتى أولئك الذين ادعوا المعارضة في الخارج , فمنهم كان يريد ملكا على ظهر ذبابة , و منهم من كان يريد وزارة على ظهر الماعز , و الخلط السياسي بين ما هو من المنطق وما هو من الخرافة الذي ظل يحكم إمارات الخليج صدر(بتشديد الضاد) في لحظة جنون إلى أوروبا بكاملها ثم الولايات المتحدة الأمريكية , و ظن الجميع أن العالم بين أيديهم كالمرأة , و إن لا احد بإمكانه الهروب من قبضتهم , حتى و لو كان "بابا عمرو" أو زاوية ما في أقاصي الأرض , تخمين اشبع بالواقعات المنسية في حكايات العجائز , في العصور الوسطى , الجميع هنا اعتقد إن روسيا مقيدة , و إن الصين لا تلعب بورقتها إلا داخل حدودها , اعتقاد سخيف , و رؤية أشبه برؤية من يمشي في النوم و يتحدث , الجميع أيضا اعتقد أن مجلس الأمن هو للولايات المتحدة الأمريكية والباقي فيه مجرد أنعام لأمريكا , و حمد بن جابر  وأمين الجامعة العربية " العربي "هكذا تصوروا اللعبة و لا احد فيهم نظر إلى المتغيرات الخارجية و الأوضاع الاقتصادية المتطورة لكل من روسيا و الصين أو بالأحرى لمجموعة "بريكس" و كان من – وجهة نظرهم – إن هذا المتغير الجديد ليس إلا لمساحة محدودة لزمن قصير تلعب فيها رشاوى حمد بن جابر , و سعود الفيصل , لعبة القط مع الفار.
لقد ظن كل هذا و ربما سجل في دفاتر سرية , لكن ما أصابهم من خبل حاولوا أن يعمموه كما تعمم القرارات للتنفيذ , أو كما تعمم الوثائق السرية تحت ختم سري للغاية و إن كنت أؤمن بان ما قيل من أسرارهم هم بيد غيرهم , لكن الجميع صدموا في مجلس الأمن  ب "الفيتو" الروسي الصيني و هو بالتأكيد ما لم يتوقعه احد , لان الصين لم تستعمل في حياتها الفيتو إلا هذه المرة , و لان روسيا التي امتدت شراكتها السياسية والاقتصادية منذ بداية الألفية الثالثة مع الصين كانت تعي جيدا الوصول إلى هذا الموقف ، و كانت تدرك أيضا أن الغرب الذي هيمن على مجلس الأمن لمدة ثلاثة عقود لا يمكنه أن يستمر في هذا النفوذ وإلا ستظل روسيا و الصين محاصرتين بدورهما , بعد هذا الفيتو جاء دور الاقتراب من الدائرة المغلقة أحيانا في وجه الصين و وروسيا , فكان اجتماع مجلس وزراء العرب في القاهرة الذي حضره السيد" لافروف" والذي أنتج النقاط الستة التي تداولها في جعبته السيئة مبعوث الأمم المتحدة كوفي عنان ... حضور" لافروف " لم يكن لتليين المواقف الحادة و لا لأجل المصالحة , ولا حتى لإيجاد نافذة لروسيا في مجلس الجامعة , بل كان لأجل تنبيه الغافلين من دعاة تنحي الرئيس الأسد , و ما قيل وقتها إعلاميا إلا حيزا ضئيلا من مهمة لافروف في مجلس الجامعة العربية تقول المعلومات السرية أن لافروف اجتمع بالوفدين السعودي و القطري سرا , و أشار عليهما أن هرولتهما إلى الجهاد ليس أمرا خطيرا فحسب , بل انه جزء من التدمير لأنفسكم و الذي انتم فيه أو عليه تجازفون , و إنكم تقومون نيابة عن تنظيم القاعدة بالدمار و إن روسيا لن تقبل تحت أي ظرف سقوط سوريا و عليكم اللعب في إطار الجغرافيا التي تحكمكم لا في إطار الجغرافيا آلتي تحكم مصالح الآخرين.
كلامه السري كان واضحا , و كان أشبه بالإنذار لسعود الفيصل و حمد , و لان الغباء يلعب بأصحابه لعبة التاريخ الرديء فان الاثنين نكث وعدهما و ما امضيا عليه في الخطة المعروفة التي صدرت عن الجامعة العربية وقتها.
هنا أعود و أؤكد أن الأمن القومي لثلاث دول "روسيا , إيران , سوريا" متشابك , وإن التفريط في أي منهما يؤدي إلى تخريب البقية مثل أحجار الدومينو , إذا سقطت حجرة منه سقطت البقية و بالتالي فان لا روسيا ولا إيران و لا سوريا يمكنهم التفريط في أمنهم القومي , و كان هذا واضحا من قول بوتن "سقوط سوريا يعني سقوط روسيا" ثم إن سياسة" اردوغان "الذي حاول من البداية و بتحالف مع قطر و فرنسا بسياسة أشبه بمن يهيئ لحرب عالية الشد، سياسة سادتها الكثير من المنعرجات , فالعسكريون الأتراك حذروا منها و المعارضة التركية وصفتها بأنها خراب للمنطقة كلها , لكن" اردوغان" الذي يؤمن بالتوسع لأسباب اقتصادية و جيو سياسية , إستراتيجية لتركيا و أمريكا ظل يردد في هرج و مرج بان تنحيه بشار الأسد هو الحل للمنطقة  ونسي أن سوريا هي التي وقفت في وجه التوسع الأمريكي في المنطقة , و أنها هي التي هزمت إسرائيل , بواسطة حزب الله في لبنان , و لست أريد أن اكشف هنا سرا إذ قلت و بالتأكيد , أن ثمانين في المائة من صواريخ حزب الله مكتوب عليها "صنع في سوريا" و إن الدوائر الإستخباراتية في الغرب كله و الولايات المتحدة الأمريكية تعلم يقينا أن حلف الناتو لو دخل في حرب ضد سوريا لما خرج منها إلى مكسورا , و إن إيران لا تتكلم غباء حين قالت أنها لن تكون على الحياد في أي حرب ضد سوريا , و قد كرر هذا الموقف الإمام خاميني أمام" اردوغان" في زيارته الأخيرة لإيران و هو ما فهمه الأتراك على أن الحل السياسي أصبح مطبوخا ولا بديل عنه , و لكن لن يكون  ذلك سهلا من اردوغان" و المتأمرين معه لان الجرح الذي أوجدوه في السوريين ليس سهلا تجاوزه , و إن من كانوا بالأمس أعداء لسوريا هم جميعهم اليوم يبحثون عن مكان لهم في السياسة السورية التي أخذت طريقا جديدا معبدا بالدماء و وجها آخر غير الوهج الذي كانت عليه , و إن الكثير من أولئك الذين صنعوا الأزمة لسوريا هم الآن داخل المأزق و ليي خارجه , و إن الفتاوى التي طبخت و جيشت بها الجيوش هي الآن مجرد أحزان في أنغام الماضي , و إن قطر والسعودية هما الآن في انتظار الفتنة القادمة  اليهم و هي فتنة قد لا تكون قابلة للإطفاء إلا إذا قالت سوريا قولتها فيها.

أخبار متعلقة :