بوابة صوت بلادى بأمريكا

د.محمد فتحي عبد العال يكتب : هوامش على دفتر أحوال مصر .. قضايا مهنية ( الصحة أنموذجا)

 
1-انتحار صيدلي :
من الحوادث المهنية انتحار صيدلي في قاعة محكمة المنصورة عند الحكم عليه بالسجن في 19 فبراير 1930 وتتلخص القضية أن رزق أفندي بطرس وهو حفيد رزق أغا غبريال والي ولاية الدقهلية في عهد محمد علي باشا وبعد حصوله على دبلوم الصيدلة من مدرسة الصيدلة بالقصر العيني في مايو 1925 م وكان ترتيبه الثاني بين الناجحين عين مديرا لاجزاخانة عاصم بك في الزقازيق كما أنشأ لنفسه اجزاخانة الإنسانية في ميت غمر .
وفجأة وعلى حين غرة جاء اتهامه بالاتجار في المخدرات وأنه يبيع من الهيروين كميات كثيرة سرا دون تذاكر طبية كما أنه أثبت في دفاتره أشياء لم يصرفها وهو ما يعد تزويرا كما صرف ست حقن مورفين لأحد الأطباء بتذكرة طبية لم يقدمها للمفتش.
قضت محكمة ميت غمر الأهلية في البداية ببرائته لكن النيابة استأنفت الحكم أمام محكمة المنصورة الكلية في 23 أكتوبر 1929 والتي قضت بحبسه سنة وحينما سمع المتهم الحكم صاح بأعلى صوته :" عشت بريئا وسأموت بريئا شهيد الظلم شهيد الاستبداد  ثم أخرج من جيبه زجاجة بها كمية كبيرة من سم الاستركنين وانتحر..
استأنف والد المتوفي ورفع نقض على الحكم في سابقة هي الأولى كما رفع أهل المتوفي شكواهم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد فأمر بالتحقيق وكان من نتيجة الحادثة أن الصيادلة رفعوا شكواهم إلى مصلحة الصحة باسم نقابة الصيادلة فصدر أمر المصلحة بتكوين المجلس الأعلى للصيادلة يحاكمون أمامه على ما يوجه إليهم من اتهامات ..ألا ترى معي أن أحيانا تأتي الحلول من الماضي فلو لدينا مجلس فني كهذا يكون الأدرى بالتحقيق في القصور وتحديد المسؤوليات لما أصبح حال الصيادلة على هذا الحال .
بالمناسبة ومن باب الطرافة فالفضل يعود في تنظيم سوق الدواء في مصر للسوريين وعلى رأسهم الصيدلاني القانوني نجيب أفندي غناجة صاحب صيدلية (المقتطف) بالموسكي والتي جرى افتتاحها عام 1886م وكان لنجيب نشاط علمي كمدير للمجلة الصحية والتي كانت تصدر شهريا  وكانت تشتمل على مقالات صحية وعلاجية وعن الطب المنزلي بالاضافة لنشاطه الواسع في تجارة الأدوية في مصر والإسكندرية وطنطا وأسيوط.
كانت صيدلية (المقتطف) تعمل على مدار الساعة وكان يباع فيها حبوب الشفاء حصريا والتي قد اشتهر نفعها في سائر الأمراض الصدرية وعرق الليل والزكام الخفيف والقوي والنزلات الشعبية المزمنة والبسيطة وغيرها، تباع العلبة بـ4 فرنكات وكان يجري فيها فحص طبي كل يوم صباحًا قبل الظهر بساعتين وتعالج الفقراء مجاناً بواسطة الطبيب حضرة "النطاسي" اللبناني الشهير الدكتور شبلي أفندي شميل صاحب جريدة الشفاء وأحد الداعين للعلمانية والمتبنين لنظرية النشوء والارتقاء بقوة. 
ولقد جمع النشاط الاجتماعي بينهما مرة أخرى حينما اجتمع فريق من الأطباء في منزل الدكتور شبلي شميل للسعي في إنشاء مستشفى سوري لمعالجة جرحى الحلفاء وتشكلت لجنة للاكتتاب على الجمهور لهذا الغرض وعين الدكتور شبلي شميل رئيسا لها ونجيب أفندي غناجة أمينا للصندوق والدكتور أمين معلوف سكرتيرا بحسب مجلة الهلال في عددها 10 في 1 يوليو 1915م.
مطالعة سريعة لكتاب "دليل مصر تأليف يوسف آصاف طبع بالمطبعة العمومية بمصر 1890م " يكشف أن عدد الصيدليين القانونيين والصيدليات في مصر كان في مطلع القرن الماضي متواضع للغاية وأغلبهم من الأجانب فبالإضافة لنجيب أفندي الذي اتينا على ذكره نجد :  
 
( الموسيو بيرو صاحب الأجزاخانة المتوسطة بكلوت بك - الخواجا يوسف صالوميديس صاحب اجزاخانة الاتحاد بالفجالة- ماندوفيا إخوان أصحاب اجزاخانة انجلواجبسيان بوجه البركة-المسيو كوبليش صاحب الأجزاخانة المصرية بوجه البركة-المسيو كاسكارللى صاحب اجزاخانة الاسماعيلية بعابدين - المسيو كاراليس صاحب اجزاخانة سقراط بشارع محمد علي- إبراهيم أفندي جاماتي صاحب أجزاخانة الصحة بباب الشعرية-نقولا مانولي صاحب أجزاخانة محمد علي بالجامع الأحمر - الموسيو باجوني صاحب أجزاخانة النيل بالموسكي -الموسيو صامويل صاحب أجزاخانة فرنكوأمركان بشارع عبد العزيز - محمد أفندي حامد مدير الأجزاخانة الإسرائيلية الخيرية ).
العنصر المصري لم يكن غائبا أيضا عن السوق الدوائي وهو ما يمكن أن نلمحه في مجلة المصور في عددها 288 بتاريخ 18 إبريل 1930 م وصورة الاستاذ محمد علي حجازي كيمياوي صيدلاني "صاحب محضرات(مستحضرات) حجازي الطبية" والتي عرضت بالمعرض الطبي العام بالجزيرة ونال إعجاب الفنيين من جميع العالم عام 1928 م.
كتاب هوامش على دفتر أحوال مصر 
 
 
* د.محمد فتحي عبد العال 
كاتب وباحث وروائي مصري

أخبار متعلقة :