من النظّامين – قبحهم الله – مَن إذا أراد كتابة قصيدة فإنه - أولا - يختار حرف الرويّ ويجمع كل ما ينتمي له مستعملا وغير مستعمل مطروقا ومهجورا، وقد يستشير شيخه (جوجل) ليعينه على جمع ما أراد، فإذا أراد أن يكتب على حرف (النون) فتّش في المعاجم؛ بل استشار (جوجله) - لا أبقاهما الله – ثم جمع كل ما ينتهي بتلك النون مثل: شطآن / شمطان / أسوان / حطان / سلطان / لسطان / طسلان / سطلان / برطمان / بطرمان / سرطان / طرزان / غفران / شعبان / جوعان / ترجمان / شقان / قغفان / خزعبلان/ توهان / مرقان/ عرقلان/ مسخان/ ذيلان / حرمان / باذنجان / حرقان / نيران / ميعان / سيلان/ جربان / أكلان / شعلان / قرفان ... إلى آخر النونات، تلك ثلاثون لفظة يُبنى عليها ثلاثون بيتا بل مسخا ممجوجا، ونحن نعتذر للقارئ الكريم إذ صدمناه بتلك الحقيقة؛ بيد أن النظّامين لا يرون في ذلك نقيصة تقشعر لها (الأبدان)، إنما يعتقدون أن تلك براعة، وكما ترى – أيها القارئ الكريم - أن بعضًا من الكلمات السابقة له معنى، وبعضها الآخر لا معنى له؛ لكنها – في شريعة النظّام – صالحة للشعر، وهي مقدرة لغوية طمست، واقتحام معاجم أهملت، يجمع تلك الغنيمة ويرصّها رصّا ويبني عليها ما يحسبه شعرا "وكأنه يعتقد اعتقاد اليقين أن الرفعة كل الرفعة والسمعة حق السمعة أن يشتري ألسنة السفهاء وبكم أفواههم، فإذا استطاع أن يقحم اسمه على الناس بالتهليل والتكبير والطبول والزمور في مناسبة وغير مناسبة وبحق أو بغير حق؛ فقد تبوأ مقعد المجد وتسنم ذروة الخلود، وعفاء بعد ذلك على الأفهام والضمائر، وسحقا للمقدرة والإنصاف، وبعدا للحقائق والظنون، وتبًّا للخجل والحياء؛ فإن المجد سلعة تقتني، وهل للناس عقول ؟!"
والحق أنه عبث لا يُسكت عليه لأحد، ولا يُسكت عليه - خاصة - لقوم لم يكتبوا حرفا إلا ليتعالوا به على الناس؛ بدعوى التحقيق والتصحيح والفهم النافذ والعقل الرجيح، وليس يحتاج الناس إلى التحذير من أحد كما يحتاجون إلى التحذير من إنسان يتطاول ويتعالى باسم المقدرة والموهبة، أهكذا يُكتب الشعر أيها النظّامون؟! والله، إنها لجريرة في حق الأدب لم يجنها إلا مرضى القلوب.
أخبار متعلقة :