بعض ما ينشر في الصحف الصفراء بأقلام الوراقين يثير الدهشة والاشمئزاز ...حقائق مقلوبة ، وعناوين مغلوطة ، وروايات هي أقرب إلى النقد الجارح منها إلى العمل الصحفي ، الشارع يردد لماذا هده الأكاذيب والمغالطات ...؟ ونجد أنفسنا ضمن هذا التوصيف العام لا لأننا نخوض الأهوال والأباطيل ولكن بسبب حماقات الوراقين الذين يدعون المهنة الصحفية وهم لها أعداء .. منذ فترة قصيرة قرأت عنوانين في جريدة يومية ، الأول يقول فيه صاحبه "انتحارات" بالجملة في قسنطينة ولما قرأت الموضوع لم يذكر صاحب الخربشات عملية انتحار واحدة بل ذكر محاولة انتحاريين الأولى حدثت في المدينة الجديدة على منجلي ، والثانية هي محاولة مجرم فار من الشرطة رفض الاستسلام فهدد الشرطة بالانتحار، ومابين العنوان والمضمون تقرأ الكثير من المغالطات والأوهام والأباطيل ... الثاني في نفس الجريدة وبالبنط العريض يقول فيه صاحبه أن المساجد في قسنطينة تحولت إلى أماكن لفعل المنكر، ولما قرأت النص وجدته يتكلم عن بقايا أطلال لمسجد في حي رومانيا هدم بسبب ترحيل السكان .. أي أنه لم يعد مسجدا لأنه لا يوجد بالمنطقة شخص واحد بل الحي كله هدم ومن كانوا يسكنوه رحلوا إلى المدينة الجديدة ، و بعدها طالعت في جريدة بدايتها ونهايتها بعناوين فيها من البؤس ما يكفي لإثارة كل مشاعر الكراهية ، صفحات صورت فيها قسنطينة وكأنها مدينة الأشباح وأن العاملين عليها مجرد أصوات تلعب بالكلام لا أقل ولا اكثر، والكلام حسب ما فهمته كله انتقاد في قالب شبه انتقامي واليوم حملة شعواء على الدرب الطني بلماضسوهو اشؤف منهم خرفة ووطنية والغرض واضخ يريدون الغودة الى ومن الغصابة لينهبوا ..؟وكأن الصحافة هي بالأساس للانتقام لا للإصلاح وبؤس مثل هذه الصحافة .. نعم نقول الحقيقة للحقيقة وأيا كان لونها ومن المقصود من ورائها ، ولكن بالميزان القسط فلا نحول الحقائق على الأرض الى مجاري للمياه القذرة ولا نترك الأوهام تحط رحالها فيها بسبب أننا ضد فلان وفلان ، والذين يعملون لحسابات ضاغطة او مناوئة لاجل الرؤية المقلوبة وحدهم في العراء ،ان الأقلام الصحفية الحرة لن تكون اقلاما للفتنة او تزوير الحقيقة ...إن الحكمة القائلة ((المتحدث مجنون والسامع عاقل)) يجب أن تأخذ مجراها في عقولنا قبل أن تأخذننا الى تلك اللوحة المشهورة وعليها صور لقرود ثلاثة .. حيث لا افهم ،لا أسمع ،لا اتكلم .وصدق من قال اذا لم تكتبوا لملايين البشر فكسروا أقلامكم..نعم.....ولكن ؟ بداية الطريق في أي شئ اذا كانت قائمة على منطق الواقع لن تكون سوى بداية موصلة الى المطاف المرجو وأصعب الأمور بدايتها ، والبداية بالأساس تكون بالأسهل ثم إلى الاصعب .. حين بدأنا رحلتنا مع الكتابة كان هناك من دلنا على الطريق لأن لا شيء ينطلق من الفراغ والكلمة لا تحتاج إلى الفراغ أقول هذا وأنا ألاحظ ايضا نوعا من السباق المحموم إلى الكتابة في الصحافة ومن أناس لا يملكون تصورا لما يقولون ولا هم للمهنة منتسبون ...اكيد ليس في هذا عيب ولكن العيب ان ينطلق الواحد من فراغ ويخلط الصالح بالطالح ثم يمجد نفسه لأن اسمه ظهر في جريدة ما .. الصحافة مهنة مشفوعة بالإحساس وبمعرفة واسعة معرفة في التاريخ ، في الجغرافيا ، في الأيديولوجيا ، في اللغة ذلك أن الكاتب الصحفى يحتاج إلى كل هذه الادوات ويعرف أيضا كيف يصرف الأحداث وكيف يطوعها الى الخلفيات التي تقوم عليها .. ومطلوب منه ايضا ان يوازن بين الخير الذي يريد نشره او الكتابة فيه وبين الموقف الذي يترتب عليه فإن كان يمس النسيج الاجتماعي او يؤدي بأفراد المجتمع الى عملية الإحباط او ينتج مشاكل قد تفرق بين الناس وتجعلهم أشلاء أو طوائف لزم عليه التوقف بل ترك الموضع إلى فرصة أخرى يكون فيها الرأي العام مهيأ لتقبله دون تشويش أو تشويه للواقع .. الصحافي ليس رجل محاكم أو رجل أمن أنه رجل مبلغ للأحاسيس إلى من هم في دوائر صنع القرار كي يتخذوا القرار المناسب لنقول مثلا هناك غليان وسط الطلبة بسبب تأخر المنحة ، فالصحافي ينقل هذه الصورة بأمانة فإن اتخذ صناع القرار موقفا لمعالجة هذا الغليان فهذا أمر مهم وإن ماطلوا فان الصحافة تكونن قد أدت ما عليها ..هي أدن، سلطة ولكن بدون قوة تنفيذية أو إلزامية وإلا تحولت إلى جزء من السلطة التنفيذية تخضع لما يخضع له الجهاز الاداري نحن إذن نحاول بمنطق الحدث إيصال الحقيقة للأخر وليس تدمير الآخر أو توجيه الوضع توجيها سلبيا ، من هنا فإن منطق الصبيانية التي نراها اليوم في أغلب الصحف الوطنية هو منطق مرفوض وأن الكتبة فيها من خلال ما يوزع من فاكسات هم في الأصل اشبه بالقواعد من النساء اللائي لا حرج عليهن إن كشفن جزء من اجسادهن غير متبرجات.
أخبار متعلقة :